أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: علّامة الشام أحمد راتب النفاخ

  1. #1
    مستشار الرابطة الأدبي
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 16
    المواضيع : 5
    الردود : 16
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي علّامة الشام أحمد راتب النفاخ

    * النفَّـاخ فـي ذكـراه العـاشـرة

    { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.
    مرت على وفاة شيخنا النفّاخ سنوات عشر كأنها دقائق عشر , فلم يزل الرجل ماثلاً في الأذهان , حاضراً في الكِيان بما حواه من علم , وما زرعه من مُثُل , وما خلّفه من آثار , وما بناه من رجال , وما وقف من مواقف , بل لن يزال كذلك ما بقي لساننا يلهج بالعربية , وما بقي قلبنا يخفق بحب العربية .
    فقد عاش ما عاش لهذه اللغة , لا يكاد يخرج منها إلا إليها , ولا يرى نفسه إلا فيها , ولا ينقلب عنها أو يلتفت عن محبتها’, أو يتقاعس عن الجهاد في سبيلها .
    حمل رايتها رَدَحاً من الدهور هو كل ما كتب له أن يعيش في دنيا الناس , وتولّى الذود عن حياضها , والبحث في دقائقها , واكتناه أسرارها وخباياها , واجتلاء معانيها ومبانيها . لم يصرفه عنها صارف , ولم يلتوِ له فيها طريق , ولم يلذَّ له دونها مطعم ولا مشرب , ولم يبال ما أصابه من أذيةٍ في سبيلها’. فهو هي , وهي هو , إنها قضيته التي عاش لها ومات لها , ولقي ما لقي من أجلها , وتلبّس بعزّتها وشموخها ولسان حاله يردد قول القاضي الجرجاني :
    يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذلِّ أحجما
    أرى الناس مَنْ داناهمُ هانَ عندهم ومن أكرمتْهُ عزّةُ النفس أُكرِما
    إذا قيل هذا مشربٌ قلتُ قد أرى ولكن نفسَ الحرِّ تحتملُ الظما
    ولم أبتذِل في خدمة العلم مهجتي لأخدمَ من لاقيتُ لكنْ لأُخدَما
    ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ولو عظّموه في النفوس لعُظِّما
    ولكن أذلّوه جهاراً ودنَّسوا محيَّاه بالأطماع حتى تجهَّما



    * ترفع وشموخ
    لم يكن أستاذنا النفاخ ـ أعلى الله مقامه ـ يلتفت إلى شيء من مباهج الدنيا , وكأنه رجل من رجال السلف , يخالُهُ المرء منتسباً إلى القرون الأولى التي وصفها سيد البرية بالخيرية : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" لهذا ما كنت تراه يترفّع عن كثير مما يتهافت خاصّة الناس عليه بلْهَ عامَّتهم , وقد وصف يوماً صديقاً له اعتذر عن تسنّم مقاليد وزارة في الدولة بقوله : " إن هذا الرجل يترفّع أن يضع رجله حيث يضع الكثيرون جباهَهم " ويقيني أن أحقَّ الناس بهذا الوصف هو شيخنا النفاخ , فقد كان حقًّا من هذا الصنف الذي لا تستهويه الأهواء , ولا تعصف به الرغائب , ولا تثنيه المكاره .
    قلت له مرة , وقد رأيت ما يعانيه في تنقلاته بين البيت والجامعة : " لم لا تتخذ لنفسك سيارة ؟ " فنظر إليَّ شزراً ثم قال : " وهل تريد أن أضع على رأسي قرنين ؟! " .
    وطلب إليه أستاذ كبير أن يدرِّس في جامعة تُجزل العطاء لأساتذتها فرد بأنه لو قيِّض له أن يدرِّس ثَمَّةَ لأبى أن يتقاضى فلساً واحداً مقابل تدريسه , فهو أكبر من أي مال مبذول , وعلمه أعظم من أيِّ عَرَض من أعراض الدنيا , من أجل هذا كان يبذله لبعض طلاب العلم الفقراء , ويضنَّ به على كثير من طلاب السمعة والجاه الأغنياء .
    ومن هنا كان الأستاذ ـ عليه رحمة الله ـ قاسياً على نفسه أولاً , قاسياً على من حوله ثانياً , ولم تكن قسوته على الناس إلا فرعاً من قسوته على نفسه وجزءاً يسيراً منها , فقد حرم نفسه متاعاً كثيراً , ونعيماً موصولاً , ومراتب تتقطع دونها الرقاب , وقنع بأن يقبعَ في كِسْر بيته على حين ينعم الآخرون بما حصّلوه من غزير علمه , وبما نالوه من عظيم فوائده , وهو في هذا أشبه الناس بالخليل بن أحمد حين قال في حقِّهِ تلميذه النضر : " أكلنا الدنيا بعلم الخليل وهو في خُصٍّ بالبصرة لا يُشعر به " ولئن صدقت هذه الكلمة في رجل بعد الخليل لتصدقَنَّ على شيخنا النفاخ فقد أكلنا الدنيا بعلمه وهو قابع في كِسْر بيته , رحمه الله وعوضه خيراً .

    * صلابة في الحق
    وقد عرف الأستاذ النفاخ بمواقفه الصُّلبة , وإرادته القوية , لا يداهن صاحباً , ولا يجامل جليساً , ولا ينحني لكبير , ولا يخشى في الله لومة لائم , وإذا ما رأى الرأيَ مضى دونه مجاهداً , لا تلين له قناة , ولا يثنيه هوى , ولا يؤثر فيه ترغيب ولا ترهيب .
    كنت عنده مرة فزاره وزير كبير له شأن خطير في دنيا السياسة والرئاسة , فرحب به وأكرم وفادته , وأسمعه من صنوف العلم وأفانين القول ما ملك به فؤاده , وانتزع منه إعجابه , ثم كالَ له من صنوف النقد والتعريض ما لا يقوى عليه أحد في ذلك الزمان , حتى لقد أشفق بعض أهل المجلس على صحة الأستاذ لما اعتراه من حِدّة , وما بدا عليه من أمارات الانفعال , وكأني به الصورة الحية لمقولة الرسول الكريم ‘ : " ألا لا يمنعَنَّ رجلاً هيبةُ الناسِ أن يقول بحقٍّ إذا علمَهُ " . فقد أعلن الحق الذي علمه , ولم يخشَ صولة الحاكم , ولا بأسَ المتحكِّم , وإنما قال : "لا " بملءِ فيه , فكان رجلاً , والرجال قليل , وما أصدق ما قاله الأول فيه وفي أمثاله : " يعجبني من الرجل إذا سيمَ خسفاً أن يقول لا بملء فيه".

    * جبل علم هوى
    وكان الشيخ النفاخ ـ برَّد الله مضجعه ـ جبلاً من جبال العلم الراسخة , وبحراً من بحور الفهم العميقة , بَرَعَ في علوم العربية المختلفة , فأصبح حجةً في كل فن من فنونها , فما شئت من بصر باللغة , وعلم بالنحو , وفهم بالصرف , وتذوق للبلاغة , وإتقان للعروض , ورواية للشعر , ودراية بالأدب والنقد , ومَكِنَةٍ في الأصول , وتضلّع من القراءات القرآنية صحيحها وشاذِّها , ومعرفة بالأحرف السبعة تاريخها وأسرارها , وخبرة بالتراث العربي مخطوطه ومطبوعه , وقدرة على تحليل النصوص والنفاذ إلى خباياها , ودقة في تحقيق المخطوطات واستدرار عطاياها .
    ولو شئتُ أن أمضي فيما افْتَنَّ فيه الشيخ لمضيتُ , ولم وسعَتْني هذه الكُلَيمة .. فما كان النفاخ رجلاً كسائر الرجال .. ولكنه أمّةٌ في رجل :
    وقالوا الإمامُ قضى نحبَهُ وصيحةُ مَنْ قد نعاهُ عَلَتْ
    فقلتُ : فما واحدٌ قد مضى ولكنَّهُ أمّةٌ قد خَلَتْ


    وقد عرفته الجامعة ( جامعة دمشق ) محاضراً في غير ما فن من فنون العربية ..
    حاضر في الأدب الجاهلي فكان أصمعيَّ عصرِهِ , ودرّس المكتبة العربية والمعجمات فكان جوهريَّ دهره , وقرَّر مادة العروض فكان خليلَ وقتِهِ , وأقرأَ الكتابَ القديم فكان مبرّدَ زمانِهِ , وتصدَّى للنحو والصرف فكان سيبويهِ أوانِهِ , وتناول الدراسات اللغوية فكان ابنَ جني عهدِهِ .
    مُلقّنٌ مُلْهَمٌ فيما يحاولُهُ جمٌّ خواطرُهُ جَوَّابُ آفاقِ

    وكان من جميل صنع الله بي أن درست عليه هذه الموادّ جميعاً في سني الدراسة الجامعية العادية والعليا , فتقلَّبت في نُعْمى اختصاصاته , وتدرجت في معارج علومه , ورأيت منه كل عجيبة وغريبة , ورويتُ عنه كل شاذّة وفاذّة , فلا تعجب إن تمثّلت فيه بما أنشده أبو العباس اليشكري في محاسن أبي عمر اللغوي المعروف بغلام ثعلب :
    فلو أنني أقسمتُ ما كنت حانثاً بأن لم ير الراؤون حَبراً يُعادِلُهْ
    هو الشَّخْتُ جسماً والسَّمين فضيلةً فأعجِبْ بمهزولٍ سمينٍ فضائلُهْ
    تضمّن من دون الحناجر زاخراً تغيبُ على من لجَّ فيه سواحلُهْ
    إذا قلتُ : شارفنا أواخر علمِهِ تفجّر حتى قلتُ : هذي أوائلُه



    * بناء الرجال
    وكان له من وراء هذه الجامعة جامعة أخرى تضمه مع النخبة من صحبه ومريديه’, تلكم هي بيته الذي أصبح مثابة لطلاب العلم وقبلة للباحثين , يؤمونه من كل مكان , ويقصدونه في كل وقت وحين , فلم يكن ـ رحمه الله ـ يخصص يوماً لندوة أسبوعية أو شهرية , وإنما كانت ندوته تنعقد يوميًّا , لا تكاد تطرق بابه إلا وجدت عنده ضيوفاً تعمر بهم الدار , ويلتئم بهم المجلس , ويدور الحديث في كل علم وفن ومعرفة , والشيخ يزينه ويتوِّجه بعلمه الجمِّ , وتواضعه المحبَّب , وصوته المجلجل , وحديثه المفعم بالحبِّ والعطاء ( إن الكلام يزين ربَّ المجلس).
    ومن الوفاء لذلك المجلس وصاحبه أن نذكر أسماء بعض رواده الذي أفادوا منه , وأصبحوا ملء السمع والبصر , من مثل الأستاذ الدكتور محمود ربداوي , والأستاذ الدكتور رضوان الداية , والأستاذ الدكتور مسعود بوبو ـ رحمه الله ـ والأستاذ الدكتور وهب رومية , والأستاذ الدكتور عز الدين البدوي النجار , والأستاذ محسن الخرابة , والأستاذ الدكتور مصطفى الحدري ـ رحمه الله ـ , والأستاذة الدكتورة منى إلياس , والأستاذ مطيع الببيلي , والأستاذ الدكتور عدنان درويش , والأستاذ بسام الجابي , والأستاذ نعيم العرقسوسي , والأستاذ إبراهيم الزيبق , والأستاذ الدكتور عبد الله النبهان , والأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله , والأستاذ الدكتور أحمد راتب حموش , والأستاذ الدكتور طاهر الحمصي , والأستاذ الدكتور محمد الدالي , والأخ الدكتور يحيى مير علم , والدكتور عبد الكريم حسين , والدكتور نبيل أبو عمشة, وكاتب هذه السطور .. وغيرهم كثير .
    ترنو إليه الحدَّاث غاديةً ولا تملُّ الحديث من عجبِهْ
    يزدحمُ الناس كلَّ شارقةٍ ببابِهِ مُشرِعين في أدبِهْ


    والحقُّ أن الشيخ ـ رحمه الله ـ بنى رجالاً , وخلَّف جيلاً من الباحثين يدينون له بالكثير , حتى لقد أصبح شكره لازمةً لا تكاد تخلو منها رسالة جامعية , أو كتاب محقق , أو بحث علمي لغوي في جامعة دمشق ,
    بل لقد تعدى أثر ذلك إلى جامعات أخرى , وإلى مواطن أخرى
    يبني الرجالَ وغيرُهُ يبني القرى شتّانَ بينَ قرًى وبينَ رجالِ

    * صنو النفاخ وقرينه
    وإذا ذكرنا مجلس الأستاذ راتب فلا بد أن نذكر عَلَماً كبيراً وعالماً وزيراً كان يؤمُّهُ , وقد عرفناه فيه قبل أن نعرفه أستاذاً في كلية الآداب , ومشرفاً على رسائل الماجستير والدكتوراه , ومديراً للموسوعة العربية الكبرى , ورئيساً لمجمع اللغة العربية بدمشق , إنه أستاذنا الدكتور شاكر الفحام صِنْوُ النفاخ وقرينُهُ , وأخو الصدق الذي ما انفكَّ يشدُّ من أزره ويدفع عنه , ويحُوطُهُ بعين عنايته في الحِلِّ والسفر والإقامة والغربة , والسرّاء والضرّاء , آسياً ومؤاسياً , وراعياً ومنافحاً .
    ما أعرف نفسي دخلتُ المجمع مرةً إلا رأيتهما معاً , وإن أنسَ لا أنسَ موقفين شهدتهما لهذين العالمين المتحابَّين يدلاَّن على العروة الوثقى بينهما :
    الأول : دخولهما معاً قاعة المحاضرة على طلبة الدراسات العليا , في أول عام تفتتح فيه الدراسات العليا في جامعة دمشق , إذ أسند تدريس مادة الدراسات اللغوية إلى الأستاذ الدكتور شاكر فكان يصحب معه الأستاذ راتب ليقرئا الطلاب فصولاً من كتاب الخصائص لابن جني .
    والثاني : رِباط الأستاذ راتب بجوار غرفة العناية المركزة التي عولج فيها الدكتور شاكر على أثر أزمة قلبية ألمّت به , فلم يبرحها إلا معه , فأيّ محبة هذه ؟! وأيُّ وفاءٍ هذا ؟! إنه العلمُ الرّحِمُ بين أهله .

    * آثارهويأخذ بعض الناس على الأستاذ النفّاخ قلة ما خلفه من آثار , وندرة ما صنعهُ من أعمال , وما أحسن ما قيل في ذلك :
    بغاثُ الطيرِ أكثرُها فِراخاً وأمُّ الصَّقرِ مقلاتٌ نزورُ

    فأعمال النفاخ بلغت الغاية دقة وإتقاناً , وفصاحة وبياناً , بدءاً من دراسته لابن الدمينة وتحقيقه ديوانه , ومروراً بصنعه فهارس شواهد سيبويه , واختياراته في الأدب الجاهلي , وانتهاءً بتحقيقه قوافي الأخفش . دع عنك ما حبَّره من مقالات غدت نموذجاً فريداً ومثالاً يحتذى في البحث العلمي , والتحقيق المستقصي , والنقد المحكم , والاطلاع الواسع .
    ومن اطَّلع على مكتبة الشيخ رأى عجباً فيما سطّره على هوامش كتبه من استدراكات وتحقيقات ونقدات لم يكد يخلو منها كتاب قرأ فيه , أو اطّلع عليه , أو عرض له . وكان ـ رحمه الله ـ كثيراً ما يقول لنا : إنه ما يكاد يفتح كتاباً حتى تقع عينه على مواطن الخطأ والتصحيف والتحريف فيه , وكأنه موكّلٌ بعثرات المحققين والناشرين , والمؤلفين والباحثين , والسوأة السوآء لمن يقرأ الشيخ عمله على سبيل التتبع والنقد والتعقب والتقويم , إنك عند ذلك لن تجد بياضاً في الكتاب , لا في الهامش ولا في الأعلى ولا في الأسفل , فخط الشيخ يُحدِقُ بالكتاب من كلِّ جانب , بل هو يخالط السطور والأحرف ويدخل فيما بينها معلقاً ومدقّقاً’, ومخرجاً ومحيلاً .. ومقوماً ومعقباً ومُدلّلاً ومستشهداً . وإذا رأيت ثَمَّ رأيتَ علماً غزيراً وفهماً عظيماً .
    وقد يُحوجه الأمر إلى إضافة أوراق يودعها الكتاب الذي يتعقبه ليستكمل مسألة يحققها , أو تخريجاً يتتبَّعُهُ , أو إحالة يستوفيها . ولهذا ما كان يبقي على حجم الكتاب كما أخرجته المطبعة لا يقصُّ منه جانباً , ولا ينقص منه هامشاً . وإن أنس لا أنسَ أسفه وحزنه على كتاب تطوَّع أحد أصحابنا بتجليده , فأعمل المجلَّد مقصَّه فيه , فجاء على غير ما يحبُّ الشيخ ويرضى . وإن تعجب فعجب أمر القصاصات التي يجعلها الأستاذ بين صفحات الكتاب ليستدل على مواطن فيه , إذ لا يكاد يخلو منها سفر من أسفار المكتبة .
    والحق أن من رواء هذا كله أعمالاً جليلة , كان الأستاذ قد أنجزها أو كاد , ثم حالت حوائل دون إخراجها للناس , على رأسها عمله في القراءات القرآنية والأحرف السبعة , ذلك العمل الذي أكل سني عمره , وكان يعدّه لنيل درجة الدكتوراه , ثم لما بلغ فيه الغاية استنكف أن يتقدم به لنيل الدرجة , وقد حدثني الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين أنه قدم دمشق فزار الأستاذ النفاخ , وأخبره أن أستاذه الدكتور شوقي ضيف ـ وكان المشرف على رسالته ـ يطلب إليه أن يكتب ولو ورقة واحدة يلخص فيها نتائج بحثه ليمنحه عليها درجة الدكتوراه , فما كان جواب الأستاذ إلا أن أبى مترفعاً ـ وأكاد أقول مستنكراً ـ لأنه كان يرى نفسه فوق تلك الدرجة , بل فوق كثير ممن كان يمنحها .
    ومن أعماله الأخرى التي توفّر عليها زمناً طويلاً , وأخذت منه كلّ مأخذ ولكنه لم يخرجها , تحقيقه معاني القرآن للأخفش , ومعرفة القراء الكبار للذهبي , ورسالة الإدغام الكبير المنسوبة إلى أبي عمرو بن العلاء , وكان الأستاذ يعتزم أن يشارك بها في تكريم شيخه أديب العربية الكبير محمود محمد شاكر , رحمه الله . ومن هذه البابة أيضاً مراجعته تحقيق كتاب ( الصاهل والشاحج لأبي العلاء المعري ) وهو تحقيق كان قد نهض به الأستاذ الدكتور أمجد طرابلسي ـ رحمه الله ـ ثم رغب إلى الأستاذ أن يراجعه , فأعمل الأستاذ فيه فكره وعلمه وقلمه , وامتدت المراجعة نحواً من خمسة عشر عاماً شهدتها عاماً عاماً , والشيخ يعيد التحقيق من جديد , يبدي ويعيد في مسائل , ويتوقف عند مسائل , ويرجئ النظر في مسائل على عادته في إتقان العمل وتجويده وتحكيكه وتثقيفه , وطلب وجه الكمال فيه , وأنّى يُدرك الكمال وهو لله وحده سبحانه .
    وتحسن الإشارة هنا إلى أن شيخنا النفاخ راجع الكثير مما أخرجه المجمع من كتب التراث المحققة , أذكر من ذلك على سبيل التمثيل كتاب شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبي أحمد العسكري بتحقيق الدكتور السيد محمد يوسف , وكان الأستاذ يُشركني والأخ الدكتور يحيى مير علم بمعارضته بأصوله , ومن ذلك أيضاً كتاب الأزهية في حروف المعاني للهروي بتحقيق الأستاذ عبد المعين الملوحي , وكتاب شرح أرجوزة أبي نواس لابن جني بتحقيق العلامة الأستاذ محمد بهجة الأثري , وكتابا الإتباع والإبدال لأبي الطيب اللغوي بتحقيق الأستاذ عز الدين التنوخي , ورسالة أسباب حدوث الحروف لابن سينا بتحقيقي مع الدكتور يحيى مير علم .
    من ذلك كله يتبدّى أنَّ ما أنجزه الرجل كثير كثير , ولكنه موزّع في بطون الكتب , وحواشي التحقيق , وعقول الطلبة , إذ لم يكن ـ رحمه الله ـ يردُّ طالب علم , أو سائل حاجة , أو ملتمس عون في أي شأن من شؤون العلم , وما أكثر ما كان يُقصَد , وما أعظم ما كان يرفِد :
    يسقط الطير حيث ينتثر الحَـ ـبُّ وتغشى منازلُ الكرماءِ

    (ومن قصد البحر استقلَّ السواقيا) .
    * صفحة مطوية
    ويقودني حديث ما أنجزه من أعمال إلى نشر صفحة مطوية من تاريخه العلمي , تلك هي مرحلة عمله في مركز الدراسات والبحوث العلمية , حيث خطط لمشروع علمي رصين , وأسس بنيانه على قواعد متينة , ثم تخيَّرني مع الأخ الدكتور يحيى مير علم للعمل معه , ذلك المشروع هو إحصاء جذور العربية في خمسة من أمّات المعجمات هي تهذيب الأزهري ومحكم ابن سيده وجمهرة ابن دريد ولسان ابن منظور وقاموس الفيروزآبادي , وقد بدأ الأستاذ المشروع , ثم أتممنا العمل بإشرافه , وكان لتوجيهاته وملاحظاته أثر كبير في استدراك ما فات غيرنا ممن قام بأعمال إحصائية شبيهة .
    وشرع معنا أيضاً بعمل آخر يتصل بعلم التعمية واستخراج المعمى ( الشيفرة وكسر التشفير ) إذ استقدم من صديقه الأستاذ الدكتور فؤاد سزكين مجموعاً مهمًّا في هذا العلم , وقام بنسخه بخطه , وأشرف على تحقيقنا رسالة أسباب حدوث الحروف لابن سينا , ورسالة اللثغة للكندي , وكتب توصيفاً دقيقاً لمخارج الحروف وصفاتها من منظور تراثي .
    وبهذا يكون نشاط النفاخ قد توزع على أماكن أربعة : جامعة دمشق , ومجمع اللغة العربية , ومركز الدراسات والبحوث العلمية , وبيته .
    وما من شكٍّ في أن هذا الأخير ـ أعني البيت ـ لم يكن يقل أهمية عن الأماكن الأخرى , بل هو يجمع بينها , وينظم ما انفرط من حلقاتها . قلت له مرة , وقد بلغني أنه وَجَدَ عليَّ إثر تكليفي بتدريس مادة العروض في جامعة دمشق بعد أن نُحِّيَ عنها : " لأن أكونَ تلميذاً صغيراً في بيتك أحبُّ إليَّ من أن أكون أستاذاً كبيراً في الجامعة " فقد كان بيته بحق جامعة لطلاب العلم , ومجمعاً لرواد المعرفة , ومركزاً للعطاء والإبداع .. إنه بيتٌ دعائمُهُ أعزُّ وأطولُ .
    سأشكرُ ما أوليتَ من حسنِ نعمةٍ ومثلي بشكر المنعمين خليقُ

    ولا أودُّ أن أدع القلم قبل أن أتمنّى على ابن شيخنا ـ عبد الله أحمد راتب النفاخ ـ وطلابه ومحبيه أمنيتين :
    الأولى : أن يسارعوا إلى تراث الشيخ فينشروه , سواء ما كان منه أعمالاً منجزة , تحقيقاً وتأليفاً , أو ما كان هوامش علمية انطوت عليها أسفار مكتبته , ففي هذا نشر للعلم , ووفاءٌ لأصحابه , ونفع للناس عميم .
    والثانية : أن يبادروا إلى تكريم الشيخ فيسهموا في نشر كتاب يحمل اسمه , وينشر فضله , ويدرس آثاره , ويعلي ذكره , ففي هذا إحياء لذكراه , ووفاء بحقه , وردٌّ لبعض جميله على أهل هذا اللسان العربي , وأرجو أن تتحول هذه الأماني إلى حقائق ملموسة , وألا تكون مجرد أمانٍ نعيش بها زمناً رغداً , بعد أن صار الشيخ النفاخ ـ أحسن الله إليه ـ > ميراثاً نتوارثه , وأدباً نتدارسه , وحناناً نأوي إليه < كما قال أديب العربية الكبير محمود شاكر في شيخه الرافعي , عليهما رحمة الله .

    * من شعر النفاخ
    ولعل خير ما أختم به هذه الكلمة أبيات كان الشيخ النفاخ ينشدها في بعض مجالسه الخاصة , وهي من نظمه , وفيها دلالة على مبلغ فصاحته , وجزالة عباراته , وأصالة انتمائه , وصدق عاطفته , وقد كتبتها من فِلْقِ فيهِ :
    جحَّافُ يا ابنَ الأكرميـ ـنَ من الغطارفةِ الأماجِدْ
    لا زالَ ذكرُكَ عالياً ينثو المكارمَ والمحامِدْ
    لمّا تطاولَ دوبَلٌ واختالَ تِيهاً شِبهَ ماردْ
    أرسلتَها في مسمع الـ أيامِ صَيحاتٍ رَواعِدْ
    وشَدَخْتَ أنفَ الشركِ مُصْـ طَلِماً لكلِّ عَمٍ مُعانِدْ
    أكرِمْ بها من فَتكَةٍ تمَّتْ بها فتكاتُ خالِدْ


    وأما أنت يا أبا عبد الله فسلام عليك في الأولين الذين عشتَ معهم بقلبك وفكرك , وسلام عليك في الآخِرين الذي عشت معهم بعطائك وعلمك , وسلام عليك في الملأ الأعلى يوم الدين .
    أسأل الله أن يجزيك عن العربية وأهلها خير ما جزى عالماً عن قومه ولغته , وشيخاً عن طلابه وتلامذته , ومجاهداً عن دينه وأمته , وأن يجعل ما قدمت للغة القرآن ذخراً لك وزلفى عند ربك {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم } .

  2. #2
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي الكريم د0 الطيان ماأجمل أن نكتب عن العظماء..عن رجال في زمن قلَّ فيه الرجال , رحمه الله كان أستاذي في كلية الآداب وزوج صديقتي أم عبد الله ..ياااه أدمعت عيني حزنًا وفخرًا ..
    جزاك الله الخير وطيِّب ثراه وجعل في ابنه علم أبيه ..ماأعظم علمه ودينه وتقواه ..هو الأستاذ الجامعي الوحيد الذي فصل بين الطالبات والطلاب في القاعة
    مازلت أذكر أول قصيدة أرسلتها له في رسالة بريدية دون أن أذكر اسمي خشية منه فقد كان شديدًا في أمور الشعر واللغة وقلت له: إن لم تعجبك القصيدة فمزق الورقة وإن أعجبتك فنادني بصاحبة القصيدة فأجيء إليك وفعلاً فوجئت وهو يقول أرجو من الطالبة التي أرسلت إلي القصيدة الحضور لمناقشتها..لم أصدق شعرت ساعتها أنني فوق السحاب فأسرعت إليه منفوشة الريش أمام هذا الحشد الهائل من الطلاب والطالبات تصحبني إحدى صديقاتي , ومشيت بجانبة بإحساس أنني ملكة حتى القسم ولكنني كنت خائفة أيضًا وعندما راح يناقشني بها لم أصدق أن هذا الإنسان الرقيق الرائع الورع التقي هو الذي نخافه جميعًا حتى أساتذة الجامعة ففرض احترامه وعلمه على الجميع دون منازع ..
    اللهمَّ اجعل مثوى شيخنا الكريم جنات الخلد برفقة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
    جزيت الخير والفلاح
    أختك
    بنت البحر
    حسبي اللهُ ونعم الوكيل

  3. #3
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي


    ولا أودُّ أن أدع القلم قبل أن أتمنّى على ابن شيخنا ـ عبد الله أحمد راتب النفاخ


    أوليس من محبة ربِّ العالمين لشيخنا الجليل أحمد راتب النفاخ أن يأتيه عبد الله وهو في سن متقدمة ويلحق بالرفيق الأعلى وعبدالله مازال طفلاً فتتعهده أمٌُّ تعرف قيمة العلم والعلماء فيكبر بحفظ الله ليتابع رسالةَ أبيه وقد ترك له كنوزًا من أعظم الكتب والمآثر الخيِّرة؟
    حمى الله ابن شيخنا الراحل وأمده بالعون من كلِّ صوب لحفظ تراث الرجل الذي قلَّ أن تنجب النساء مثيلًا له..

  4. #4
    الصورة الرمزية د. سلطان الحريري أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    الدولة : الكويت
    العمر : 58
    المشاركات : 2,954
    المواضيع : 132
    الردود : 2954
    المعدل اليومي : 0.39

    افتراضي

    أستاذي الحبيب الدكتور محمد حسان الطيان:
    رقد الشيخ الكبير في قبره ، وتلامذته يكشفون ملامح شخصيته الفذة ..
    غاب نجم حياته في القبر ، وأحبابه يتمتعون بعلمه ..
    سمعت هذه الكلمة في محاضرة ألقيتها يوما ، فكنت فيها الفارس كعادتك ، وكنت فيها الوفي الذي عرف منزلة أستاذه فوفاه حقه، وقد قرأت مرة مقولة لأحدهم يتحدث فيها على لسان الحياة مخاطبة الموت بقولها : " لن تظفر بميتك ولن تمحوه فسأحيله بيدي زهرة في ترابك " ، وهكذا كان شيخنا العظيم - تغمده الباري في رحمته .
    جلست في مجلس الشيخ مرة فشعرت بصدق أحدهم حين قال:" من العظماء من يشعر المرء في حضرتهم بأنه صغير ، ولكن العظيم بحق هو الذي يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء " هكذا كانت حالة كل من تمتع بمجلس الشيخ ، ونهل من غزير علمه ، وقد شق لنا جميعا طريق الأعمال العظيمة ؛ فالخالدون ليسوا الزعماء الذين ينجزون أعمالا عظيمة ، بل الذين يشقون لمن بعدهم سبل الأعمال العظيمة..
    رحم الله شيخنا النفاخ ، وجزاك الله تعالى عنا الخير كله .
    ننتظر غيثك الدائم في واحتك أيها السامق
    دم بخير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب الكبير الاستاذ الدكتور محمد حسان الطيان

    وانت تعترف بفضل استاذك , واستاذي ايضا , علامة الشام واديبها ولغويها , الشيخ احمد راتب النفـّاخ , لابد لي ان ارفع رأسي عاليا , لأقر لك ايها الأديب الكبير , برفعة اخلاقك , وعلو مرتبتك , فانت تملك اخلاق الكبار المنصفين , لايتنكرون للفضل , ويذكرون الخير بالخير .
    عرفت الاستاذ احمد راتب النفاخ , في مراحل دراستي الجامعية الاولى , ولم اكن طالبا في قسم اللغة العربية , بل نظرا لأهتمامي باللغة العربية وآدابها , نصحت ان احضّر محاضرات النفـّاخ , وهكذا كنت على مر الوقت, احضر كافة محاضراته , في كافة المقررات التي يقوم عليها , وقد كنت احضر ايضا محاضرات الاستاذ الموسوعي العلامة عمر الحكيم (رحمه الـلـه ) في قسم الجغرافيا , كنت اخاف الاستاذ النفاخ , شأن اختي الفاضلة الاديبة والشاعرة الاستاذة زاهية , فقد كانت له هيبة وحضور , ومازالت اصداء صوته المجلجل , تتردد في مسامعي , كنت احبه واخافه , ولااقترب منه , فأنا طالبه غير المسجل في كشوفاته , رحم الـلـه العلامة الشيخ الاستاذ احمد راتب النفـّاخ , كم انا مدين له بالفضل , كما هو حال الكثيرين , سواء ممن ذكرت ايها الاخ الكريم , ام ممن لم تذكر , وهم كثيرون , وكثيرون جدا .

    اخوكم
    السمان

  6. #6
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي

    أستاذي الكريم الطيان ، ها أنا أقف عند كلامك الطيب هذا ، لأتذكر مشايخي واساتذتي الكرام، لأكتب عنهم

    أستأذنك في نقل هذه السيرة إلى مجاهيل ، لتكون "النفاخ في عين تلميذه د.محمد حسن الطيان"

    شكراً لك

    لك الرابط
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...&page=29&pp=10
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    مستشار الرابطة الأدبي
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 16
    المواضيع : 5
    الردود : 16
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    الأخ الأستاذ عدنان
    لك شكري وثنائي..يا سمي الشرفاء
    ولكن أرجو التكرم بتعديل ذكر اسمي
    إذ سقطت منه الألف في غير ما مرة
    فاقتضى الأمر التنبيه
    "حسان"
    مع تقديري واحترامي
    حسان

  8. #8
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسان الطيان
    * النفَّـاخ فـي ذكـراه العـاشـرة

    { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.
    مرت على وفاة شيخنا النفّاخ سنوات عشر كأنها دقائق عشر , فلم يزل الرجل ماثلاً في الأذهان , حاضراً في الكِيان بما حواه من علم , وما زرعه من مُثُل , وما خلّفه من آثار , وما بناه من رجال , وما وقف من مواقف , بل لن يزال كذلك ما بقي لساننا يلهج بالعربية , وما بقي قلبنا يخفق بحب العربية .
    فقد عاش ما عاش لهذه اللغة , لا يكاد يخرج منها إلا إليها , ولا يرى نفسه إلا فيها , ولا ينقلب عنها أو يلتفت عن محبتها’, أو يتقاعس عن الجهاد في سبيلها .


    " إن هذا الرجل يترفّع أن يضع رجله حيث يضع الكثيرون جباهَهم " ويقيني أن أحقَّ الناس بهذا الوصف هو شيخنا النفاخ , فقد كان حقًّا من هذا الصنف الذي لا تستهويه الأهواء , ولا تعصف به الرغائب , ولا تثنيه المكاره .
    قلت له مرة , وقد رأيت ما يعانيه في تنقلاته بين البيت والجامعة : " لم لا تتخذ لنفسك سيارة ؟ " فنظر إليَّ شزراً ثم قال : " وهل تريد أن أضع على رأسي قرنين ؟! " .

    وكان الشيخ النفاخ ـ برَّد الله مضجعه ـ جبلاً من جبال العلم الراسخة , وبحراً من بحور الفهم العميقة , بَرَعَ في علوم العربية المختلفة , فأصبح حجةً في كل فن من فنونها , فما شئت من بصر باللغة , وعلم بالنحو , وفهم بالصرف ,
    وأما أنت يا أبا عبد الله فسلام عليك في الأولين الذين عشتَ معهم بقلبك وفكرك , وسلام عليك في الآخِرين الذي عشت معهم بعطائك وعلمك , وسلام عليك في الملأ الأعلى يوم الدين .
    أسأل الله أن يجزيك عن العربية وأهلها خير ما جزى عالماً عن قومه ولغته , وشيخاً عن طلابه وتلامذته , ومجاهداً عن دينه وأمته , وأن يجعل ما قدمت للغة القرآن ذخراً لك وزلفى عند ربك {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم } .
    الأخ الفاضل الدكتور محمدحسان الطيان
    الشكر بداية اضعه توطئة لمشاركتي التي أشعر بقفر كلماتها أما م خضم علمك الزاخر ، وبيانك الآسر ، وعظمة ودادك لشيخ لم أعرفه صورة ورسم جسد ، لكني أعرفه روحا وعلما ، وأعيش معه لحظات أنهل ثر علمه وخلود سفره المرقوم بماء الفخر على صحاف فضل جاد بها لا منة منه ولا فضل علم بل كان يراه فرضا ، يقي مصارع الغلو في متاهات ما استعجم من كلم لا يسمن ولا يغني مردة الجان علما ، ولا يمهر قلما بميسم الولاء للغة حفظها الله في كتاب لا يأتيه الباطل قدرا ولا جبرا ، فرسمت صورة الشيخ فطرة بريشة الولاء لعلم لم ينضب نبعه ، وقلم لم يجف مداد سره فكان بحر علم ، روافده سبعة أبحر تمده ببيان علومه معرفة ببصيرة الخلق ينهل منها رواكد العلم وبواعث صخبه ، فلا يجد غضاضة من البحث في اي كتاب يرى فيه زلة ، أو خطل راي ، لا تأخذه شفقة على مخطئ لأن الرسالة أسمى ، والمجد المنشود ليس ميراثا له بقدر ولائه لطاعة الرحمن ، فكان كما سمعت وقرأت ضيغما في نقده ، ليثا في تقريع من يستشف منه خطأ راي أو قصد سهو ، هذا ما ألفته روحا من أستاذي الغائب الذي أحضر صورته كل يوم أعاتب نفسي باسئلة أين كنت من صاحب قلم أسس على التقوى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ يا للندامة أصبحت أروي عنه وأحفظ كثير القصصص وأنا من أجحف ونال قسط الذنب جرأة على غياب قسري عن مجالسه ...
    رحم الله أستاذنا الشيخ
    وبارك الله بمن خط عهده وفاء لأستاذه بروح تمتلك مشقة الإخلاص بيمين التواضع وافتقار الطالب لشيخه المحبوب
    تحياتي أخي
    رد كيبوردي العذر إن وقعت بخطأ غير مقصود
    وهنا أذكر رأي أستاذنا الشيخ النفاخ عندما كان يقرع من يقدم عذرا لعجالة الم بها صاحب راي ..لماذا لم تمهل قلمك بمعالجة نقدية واجتهاد بروية وسبر أغوار صحتها ...قبل العذر عن الخطأ !!!!
    اشكرك أخي الدكتور الطيان
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    أستاذي العزيز محمد حسان :

    الصمت أبلغ من الكلام هنا

    بارك ربي بك على كل حرف كتبه قلمك الوفي النقي

    إعذر قصور ردي أستاذي وتقبل خالص إحترامي وتقديري وإعتزازينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    يقولون لي فيك انقبـاضٌ وإنمـا رأوا رجلاً عن موقف الذلِّ أحجما
    أرى الناس مَنْ داناهمُ هانَ عندهم ومن أكرمتْهُ عزّةُ النفس أُكرِمـا
    إذا قيل هذا مشربٌ قلتُ قـد أرى ولكن نفسَ الحرِّ تحتمـلُ الظمـا
    ولم أبتذِل في خدمة العلم مهجتي لأخدمَ من لاقيـتُ لكـنْ لأُخدَمـا
    ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ولو عظّموه في النفوس لعُظِّمـا
    ولكـن أذلّـوه جهـاراً ودنَّسـوا محيَّاه بالأطمـاع حتـى تجهَّمـا


    رحمة الله عليك ياأستاذي ياأبيَّ النفس

    جزاك الله خير أخي الكريم د0 الطيان فمثل هذا الموضوع يكرم كاتبه
    ومن يكتب فيه

    دمت بخير
    أختك
    بنت البحر

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. راتب وأليف(قصة واقعية)
    بواسطة زاهية في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 12-09-2022, 01:49 AM
  2. كتاب القوافي للأخفش تحقيق النفاخ
    بواسطة د.عمر خَلّوف في المنتدى المَكْتَبَةُ الأَدَبِيَّةُ واللغَوِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-05-2014, 11:23 PM
  3. راتب كلب بوليسي في العراق
    بواسطة جاسم الرصيف في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-10-2005, 07:43 AM
  4. قصيدة "علامة الإدبار" للشاعر الكبير"جمال حمدان"
    بواسطة معارج الروح في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 08-02-2005, 12:04 AM