إختلط صوت العصافير مع خرير الماء فى النافورة الأثرية مع ضحكتها الطفولية وكأنها سيمفونية تعزف لحن السعادة بين جنبات الحديقة الزاهرة..
تندفع للأمام فترقى لأعلى وعيناها تحلق بالنظر فى فضاء السماء الصافية.. الأرجوحة هى متعتها ومشاغبتها الطفولية.. فقد أهداها لها عمها وقت أن كان عمرها عشر سنوات.. ولا زالت الأرجوحة هى عشقها لنها تمارس من
خلالها طفولتها.. هى من أقرب القلوب إليها عمها الوحيد.. درس هو الإقتصاد بفرنسا.. بينما درست هى إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية.. هو يعشق المرح خارج جو العمل.. هى تعشق العمل فى المرح..!
هى الإبنة الوحيدة لأسرة عرفت رغد العيش ونعمة المال وتوارثتها أبا" عن جد.. كل من يحيطون بها من اهل وأحباب وخدم وحشم تعودوا أن يداعبوها وان يعاملوها كأنها أميرة القصر.. كل طلباتها مجابة.. ضحكتها تصنع السعادة داخل الفيلا الأنيقة..
كان عمها هو أقرب صديق لها.. لاتخفى عنه شئ مما يدور فى نفسها.. وكان الوحيد الذى يمكنه أن يتصفح دفترها السرى الذى تخط فيه أحلامها وامالها كأى بنت عمرها فقط 18 عاما"..
لازالت سابحة بين الأرض والسماء فوق أرجوحتها التى أدمنتها.. لكن قلبها ينخلع على صوت صاخب لإرتطام يزامنه صوت تهشم زجاج بعنف فتذهب بعينيها بعيدا" عند البوابة الخارجية .. دخان وموجات من الأتربة تتصاعد
لأعلى.. صرخات فى الشارع المقابل.. تقفز من فوق أرجوحتها لتهرع خارجة من الباب.. تسقط عينيها على أخر ماتتوقعه من صدمة.. سيارة كانت مسرعة قادمة من الشارع الجانبى بإستهتار شاب صغير إرتطمت بسيارة عمها
الذى إقتربت كثيرا" من بوابة الفيلا.. حطام فى حطام.. وقطرات من الدماء الساخن لونت السيارة من الأمام.. عمها غارق فى الدماء وجفونه مطبقة.. جروح فى وجهه تجرح قلبها.. وصمت على شفتيه يثير الصخب والفزع فى
عقلها.. مات عمها بين الحطام..تسقط مغشيا" فى لحظة وصول الخدم والعاملون بالفيلا..!
عشرة أيام قضتها فى المستشفى خرجت بعدما بدأت تتعافى من أثر الصدمة النفسية التى عصفت بسعادتها ونهشت قلبها الطفولى الحالم.. إصطحبها والديها اللذان عادا من زيارتهم للعاصمة البريطانية بعدما وصلهم الخبر.. رأسها
تنام على كتف أبيها ويدها تحيط برقبته فى حنان وإحتياج!.
لكن والدها أصر أن تنعم بالراحة فى غرفتها على أن يزورها أحد الأطباء يوميا" للتاكد أنها على مايرام.. الساعة تدق الواحدة ظهرا".. تنهض من نومها العميق بعدما عبثت الحبوب المنومة بجفنيها وأدارت رأسها فى ثبات.. باب
الغرفة ينفتح ليدخل اباها وبرفقته الطبيب الشاب.. مضى شهران منذ خرجت من المستشفى .. كل يوم لا تشعر انها بخير إلا وهو إلى جوارها.. يتحسس نبضها بأنامله وعيونه الصافية على عقارب ساعته.. بينما عيونها تراقب إبتسامته
المطمئنة لها فتشعر أن العافية تدب فى كل أوصالها من جديد ويتورد وجهها من السعادة والخجل والأمل.. تنهض من سريرها لتصطحبه كعادتها فى اليومين الماضيين ليتجولا فى الحديقة سويا.. ربما هى حنكته ومهارته فى تأهيلها
النفسى.. وربما لأنه مثلها يحتاج أن تتجول روحه بين صوتها العذب ورائحة الزهور التى تملئ الحديقة.. لازال يحدثها عن ايام إنكساره ومعاناته الأولى.. يحكى وهى تصغى بإمعان ويزداد بريق عينيها إعجابا" ورضا ببساطته..
يحكى لها عن حبه الذى فشل فى اول تجربة له.. وكيف عاد بعد كل ذلك إلى نفسه ووقف على قدميه مرفوع القامة معتز بمايحققه من نجاح فى حياته العملية..يحكى ويده اليمنى فى جيب سرواله بينما يده اليسرى تداعب كل ما
يصادفه من زهور..!
يقتربان من الأرجوحة..
تتسمر قدميها فى الارض..
تتصبب عرقا" وتتسارع دقات قلبها..
تشيح بوجهها بعيدا" عنها..
لكن انامله تدعوها فى حنان وعزم على المضى للامام..
تجلس بينما هو يدفع الارجوحة من الخلف فى هدوء وقليل من الإصرار..
تندفع للأمام فترقى لأعلى وعيناها تحلق بالنظر فى فضاء السماء الصافية.. .ورغم هذا فروحها عالية تصدح بالسعادة من جديد..!