( جاء في الحديث أن يهوديًا رهن درع النبي على مال اقترضه-صلى الله عليه وسلم- .. السؤال الآن : هل كان لليهود وجود عندما توفي النبى فى المدينة المنورة بل وفي سائر شبة الجزيرة العربية كلها ؟ ثم لماذا يقترض من يهودي وهؤلاء الصحابة الأفذاذ وفيهم كبار الأغنياء والتجار كسيدنا عثمان بن عفان وسيدنا عبد الرحمن بن عوف وأغنياء الانصار؟ )
أجاب ابن حجر عن ذلك في ( فتح الباري ) فقال :
( وفي الحديث جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم، واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام. وفيه جواز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا، وفيه ثبوت أملاك أهل الذمة في أيديهم وجواز الشراء بالثمن المؤجل واتخاذ الدروع والعدد وغيرها من آلات الحرب وأنه غير قادح في التوكل، وأن قنية آلة الحرب لا تدل على تحبيسها قاله ابن المنير، وأن أكثر قوت ذلك العصر الشعير قاله الداودي، وأن القول قول المرتهن في قيمة المرهون مع يمينه حكاه ابن التين. وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها، والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار حتى احتاج إلى رهن درعه، والصبر على ضيق العيش والقناعة باليسير، وفضيلة لأزواجه لصبرهن معه على ذلك، وفيه غير ذلك مما مضى ويأتي. قال العلماء: الحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل ) .
هل كان اليهود موجودين في المدينة ؟
أجاب عن ذلك ابن القيم في كتابه ( أحكام أهل الذمة ) :
( وأما رهن النبي درعه عند اليهودي فلعله من اليهود الذين كانوا يقدمون المدينة بالميرة والتجارة من حولها أو من أهل خيبر وإلا فيهود المدينة كانوا ثلاث طوائف بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة فأما بنو قينقاع فحاربهم أولا ثم من عليهم وأما بنو النضير فأجلاهم إلى خيبر وأجلى بني قينقاع أيضا وقتل بني قريظة وأجلى كل يهودي كان بالمدينة فهذا اليهودي المرتهن الظاهر أنه من أهل العهد قدم المدينة بطعام أو كان ممن لم يحارب فبقي على أمانه فالله أعلم ) .
هل كان النبي صلى فقيراً ؟
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم :
( وكان النبي صلى الله عليه وسلم في وقت يوسر ثم بعد قليل ينفد ما عنده؛ لإخراجه في طاعة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وضيافة الطارقين وتجهيز السرايا وغير ذلك وهكذا كان أصحابه.. وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم مع برهم له صلى الله عليه وسلم وإكرامهم إياه وإتحافه بالطرف وغيرهما، ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان لكونهم لا يعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به، ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال في ذلك الوقت ... ولا يعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متمكن من إزالتها إلا بادر إلى إزالتها لكن كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عنهم إيثارا لتحمل المشاق وحملا عنهم، وقد بادر أبو طلحة حين قال سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع إلى إزالة تلك الحاجة وكذا جابر.. وأبو شعيب الأنصاري الذي عرف في وجهه صلى الله عليه وسلم الجوع فبادر بصنيع الطعام وأشباه هذا كثيرة مشهورة، وكذلك كانوا يؤثرون بعضهم بعضا ولا يعلم أحد منهم ضرورة صاحبه إلا سعى في إزالتها ) .
( وحديث كرمه - صلى الله عليه وسلم - مشهورًا فكان يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر . ويروى أن رجلًا ذهب اليه وقال له : اعطنى مما اعطاك الله فأعطاه غنما تملأ ما بين جبلين وقال : هذا كله لك فقال : لا تطيب بنفس هذا ملك . غنم بين جبلين يجود بها ؟ )
الرواية كما في صحيح مسلم :
( عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ - قَالَ - فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِى عَطَاءً لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ ) .
وفي مسند الإمام أحمد أن الغنم كان من غنم الصدقة ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من الغنائم للمؤلفة قلوبهم .
( عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه قال فاتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فان محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء ما يخشى الفاقة ) .
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين
تحياتي أستاذنا الحبيب
ودعائي