اذا كان شرْقُنا يُقيم الكثيرَ من الاعتبار للأنظمة الأبَوية التى تقومُ على تقديس الأب القائد – حزباً كان أو نظاماً أو زعيماً – ويبدو أن هناك اصرار على الدفاع عن هذا الارث حدَ النزف ! ففى المقابل – للأسف – فى داخل الحركة الاسلامية من مُشاهدات السير فى ركاب اختيارات الاخوان المسلمين من قبل معظم الفصائل الأخرى نلمسُ أن الحركة باتتْ تُقيم الكثيرَ من الاعتبار للنظام " الأمَوى " بتقديس الحركة " الأم " وتبنى رُؤاها وتفاعلاتها مع الأحداث صائبةً كانت أو خاطئة ، مما يُعيق التنوع والابداع ويخلق - بين الأبوية والأموية - جموداً مُقيماً ، ولا يُنتج أبناءاً أحراراً فى التفكير ، بل أسرى الهواجس والرغبات والتعليمات الصارمة .
جميعُنا عُرضة للنقد عندما نخطئ ، وكنا نكيلُ النقدَ للاخوان وهم فى المعارضة يناضلون للبقاء فى المشهد السياسى ، فلماذا غضُ الطرف عن الأخطاء وهم فى السلطة ، ثم وهم يسْعون لاستعادتها فى أوضاع شبه كارثية وصراع مَحْموم مجهول العواقب ؟
كانت الحركة الاسلامية فى السابق تتبادل الأدوار ، ما بين القائم بالدعوة والقائم بالعمل الخيرى والاجتماعى والآمر بالمعروف والناهى عن المنكر وكذلك الفصيل المشتغل بالسياسة ؛ فكيف المصير وقد انصهرتْ الحركة كلها اليوم فى أتون السياسة وصراعاتها ، وماذا – وهذا هو الأهم – اذا شملت المحنة الجديدة القادمة – اذا لا قدرَ الله وقعتْ – جميعَ فصائل الحركة الاسلامية ، وهى ضالعة جميعها فى الصراع ، وكنا نعولُ بالماضى على بقاء فصيل فى الشارع يحمى الدعوة والقيم ويُحيى السنة ويُحذرُ من البدعة ويُدافع عن الرموز والثوابت فى حال الزج باحدى الفصائل فى المعتقلات ؛ ففى محنة الاخوان فى الخمسينات والستينات كان هناك أنصار السنة والسلفية يقومون بالمهمة ، وفى محنة الجماعة الاسلامية فى الثمانينات والتسعينات كان هناك الاخوان والسلفية يقومون بالمهمة ؛ فماذا وجميع الفصائل اليومَ مُهددة معاً فى الدخول فى محنة جامعة شاملة ؟ وهل تُترك الساحة خالية تماماً للآخرين يرتعون فيها ويعيثون افساداً وانتهاكاً لكل القيم والثوابت والأخلاق والرموز ؟
ألا تدرى الحركة الاسلامية وتفطن الى أنه هناك من يتحَرق شوقاً – كما حدث فى كل المراحل – لازاحة الاسلاميين واعادتهم الى مكانهم الطبيعى – كما يرددون – فى المعتقلات والسجون ، وقد نجحوا فى ذلك أكثر من مرة ، فهل تُيسرُ الحركة لهم سُبلَ النجاح هذه المرة أيضاً بصورة أكبر وأوْجَع ، وكيف يُلدغ المؤمن من جحر واحد - ليس مرتين - ، بل مرات ؟
الأمورُ فى مصرَ تنزلق بسرعة هائلة نحو هاوية العنف والاحتراب الأهلى واستنزاف الجيش ، ومسئولية الحركة الاسلامية ألا تكون وقوداً ولا دافعاً فى هذا الاتجاه نحو ذلك المصير الكئيب ، بل مسئوليتها أن تكون مانعاً وسداً حصينا دون الوصول اليه .
مصرُ تسيرُ فى اتجاه استنزاف قواها الأساسية القادرة على الدفاع عنها فى مواجهة اسرائيل ، وهناك من يدفعُ صوبَ العداء والشحن الرهيب بين الجيش والحركة الاسلامية بجميع فصائلها لانهاك هذه القوة بتلك ، فمن يحمى الحركة الاسلامية من نفسها ، ومن يدفعها لليقظة والافاقة لتبصر التحديات والعواقب الكارثية قبل فوات الأوان ؟