نام الليل مبكراً ، واستيقظ متأخراً ...
هذه مدينتي ، هذا أنا ..؟ هذا أنت ..؟ من تكون .. ؟ خرجت من بيتي، أسئلة تتلظى في نفسي ، وحيرة تنش في عقلي ..
بالأمس ، قلت لهم ودموعي تلمع من تحت الجفون : أغراب يدخلون المدينة خلسة ، عبر الهواء ينثرون قشوراً لا ترى ولا تلمس ، ولا تحمل ثماراً .. لكن كلماتي تسافر عبر المسافات ، ترتطم بالفضاء ، فترتد جارحة ..
جاءت أشعة الشمس تمحو ما خلفه الظلام ، اجتمع القوم في الساحة الكبيرة ، يخبئون في جيوبهم وعقولهم وأجسامهم ولباسهم قــشوراً عجيبة التكوين .. التقطوها خفية ، صنعوا منها شراباً ، من يشرب كثيراً يصبح امرأة ، من يلك قشرة واحدة يصبح رجلا ..
منذ زمان ، جاء الأغراب من بعيد ، يتفقدون بضاعتهم . اشتروا كل قيم البلد ، عرضوها للبيع في الشوارع ، في الحانات ، في الحدائق العمومية . صنع الغرباء مساحيق للوجه ، مراهـــم تصقــــل الأجسام . نسجوا ألبسة منتوفة ، مثقوبة .. ما عاد الابن يمنح قبلة لأمـه ، يحتفظ بها لصديقته ، هي تنتظره في رأس الدرب . القبل أصبحت رخيصة ، تهدى في الشارع ، في ساحة المدرسة ، داخل باحـة الجامعة .. ما عاد أحد يقول سلاماً ، بل يقول هــاي ..؟
صرت إلى القوم وفي نفسي شيء ، صرخت فيهم :
ــ يا .. قـوم ، ما لكم ترددون الكلام في نحوركم .. لم أر في حياتي قشوراً تسكن في عقولنا ، تتجول في منازلنا ، تنام مع أولادنا ، تتمدد في أسرتنا .. لذيذة في الظاهر ، مرة في الباطن .. أخاف أن نصبح قشرة واحدة ، نسخة واحدة .. جنساً واحداً ..
ــ ماذا تقول يا أحمق .. من أنت .. ؟ ومن تكون ..؟
ــ أنتم ... ؟ من تكونوا .. ؟ ومن نحن الآن .. ؟
قالوا بصوت واحد :
ــ ماذا تنتظرون .. ؟ الهجوم .. يا عباد الله ..؟
قلت وأنا أبتعد عنهم : هذا أنا .. ؟ ما أنا إلا مجنون ..؟