هذه قصيدة نظمتها أيام المحنة التي مرّت بها بلادي الجزائر الحبيبة
في بداية تسعينيات القرن الماضي أضعها بين أيديكم......
ظبيٌ جفولٌ أهَاجَ اليـومَ أشجانِـي
فعَادَنِي منهُ ما بالأمـسِ أشقانِـي
أُوقِعتُ لمّا غـزَا قلبـي بنظرتـهِ
وراحَ يختالُ بيـنَ المـاءِ والبـانِ
فلا الفؤادُ فـؤادِي حيـنَ ودّعنِـي
ولا اللسانُ لسَانِـي حيـنَ حيّانِـي
ما لِي وللنّهرِ أروِي عندَ شاطِئـهِ
شِعري فتَعزفَ منهُ الطيرُ ألحَانِـي
غنّتْ فأنصَتَتِ الأشجـارُ خاشعَـةً
وذرَّفَ الرّوضُ من تغريدِهَا الحانِي
قالتْ وللوُرقِ شجوٌ حينمَا سمعـتْ
قولاً رقيقاً يُذيـبُ القلـبَ أبكانِـي
يا ناظِـراً لحبيـبٍ ظـلَّ يرقبـهُ
حيناً منَ الدّهرِ لمْ ينعـمْ بنِسيـانِ
هجـرُ الأحبّـةِ داءٌ لا دَواءَ لــهُ
وكلُّ صـبٍّ وإنْ وَفّـى لحِرمَـانِ
*****
يا لائِمي في الهوَى مَهلاً ففاتِنتِـي
أمُّ الأسُودِ وقلبي قلـبُ سِرحَـانِ
يا لهفَ نفسِي على البيضَاءِ سَوّدهَا
جورُ الطغاةِ وجهلُ القاصرِ الجانِي
بالأمسِ كانَ لهَا في كـلِّ زاويـةٍ
في الأرضِ ذِكرٌ بإكبارٍ وعِرفـانِ
كانتْ جَزائرُنا كالنّجـمِ ساطعَـةً
في الأفْقِ يَهدِي سَناهَا كلَّ حَيرانِ
كانَ اسمُهَا لشعُوبِ الأرضِ قاطِبةً
منـارةً لِجهـادٍ مُرشـدٍ بــانِ
واليومَ إنْ ذُكرَتْ في مَجمعٍ خَطـأً
وَلّوْا نُفورًا كأنْ مُسّـوا بشيطـانِ
*****
يا سَائلِي عنْ دوَاعِي فتنةٍ عصَفتْ
بكلِّ زرعٍ ودكّـتْ كـلَّ بُنيـانِ
فلمْ تُوقّرْ كبيـرًا رغـمَ شيْبتـهِ
ولمْ تُجنّبْ صغيرًا حـرَّ نيـرانِ
إذا توَلّى غلاةُ القـومِ فـي بلـدٍ
فشَا بهِ كـلَّ مَكـروهٍ وعُـدوانِ
وإنْ تأمّـرَ حَمقـاهُ علـى مـلإٍ
فقلْ سلامٌ علـى حِلـمٍ وإحسـانِ
شرُّ البليةِ فتـوًى ضـلَّ قائلُهَـا
وردّدتْهَـا شِفـاهٌ دونَ تِبـيـانِ
فوَافَقَتْ في نفُوسِ الطَّامِعينَ هوًى
وجيّشوا في هواهَا كلّ غضبَـانِ
أو حاكمٌ جائرٌ ضَمّـتْ بطانتُـهُ
أراذلَ القومِ مـنْ زانٍ وسكـرانِ
في سَيفهِ رَهقٌ في حُكمِـهِ نَـزقٌ
لا يَرعَوي أبدًا عنْ أيِّ طغيـانِ
*****
طهِّرْ فُؤادَكَ منْ حِقـدٍ وأضغَـانِ
ما الهادِمُ الفاقِدُ التمييزِ كالبانِـي
وغُضَّ طرفَكَ فالتاريخُ سَجّلهَـا
حقائقاً مُـرّةً مـنْ دونِ نقصَـانِ
إذا استوَى عِوجٌ في عَينِ ناظِرهِ
فعِندهُ الغمطُ والإنصَـافُ سيّـانِ
إقرَأ كتابكَ فالأضـواءُ خادِعـةٌ
والفجرُ عندَ ذوي الأبصَارِ فجرانِ
بمنهجِ الحقِّ نبنِي صرحَ دولتِنَـا
وبالتدرُّجِ نهجًـا مـا لـهُ ثـانِ
فلا سبيلَ الى نَصـرٍ بـلا ثِقـةٍ
ولا سبيلَ بـلا صَبـرٍ لإتقـانِ
ولا سبيلَ الى حُكـمٍ بـلا عَمـلٍ
ولا سبيلَ بـلا عَـدلٍ لسُلطـانٍ
أَنعِـمْ بنَهـجٍ قويـمٍ رامَ تربيَـةً
بـلا غُلُـوٍّ ولا إقـرَارِ بُهتـانِ
ولا انتِقاصٍ ولا شتمٍ لمُعتـرضٍ
ولا مقارَعَةٍ مـنْ دونِ بُرهَـانِ
خيرُ الأمُورِ إذَا فَكّرتَ أوسَطُهَـا
فلا تُعسِّرْ ولا تأمُـرْ بعِصيـانِ
لِمنهَجِ الحَقِّ نُورٌ ليـسَ يُبصِـرُهُ
إلاّ الذي مَزجَ التقـوَى بِإحسـانِ
فقدْ تكونُ نَوايَا المَـرءِ خَالصَـةً
تنُمُّ عنْ فَيضِ تصدِيـقٍ وَإيمـانِ
وقدْ تكونُ جُهودُ المَرءِ مُضنيَـةً
وليسَ يَجنِي سِوَى خِزيٍ وخذلانِ
فسنّةُ اللهِ في الأجيَـالِ مَاضيَـةٌ
قدْ أقسمَتْ لا تُحَابِي أيَّ إنسـانِ
سيَعلمُ الشعبُ يومًا عندَ صَحوتِـهِ
منْ آثرَ المنزلَ البَاقِي على الفانِي
فلا وَربِّكَ مـا الثّكلَـى كنَائحَـةٍ
كلاَّ ولاَ مُدَّعِي عِشـقٍ كوَلهَـانِ