قراءة في كتاب .



اصبح قيام دولة الخلافة امرا بديهيا بالنسبة لابناء الامة العاملين , كما غدا التطلع اليها وترقبها يملاء قلوب المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ,خاصة بعدما سقطتت كل الانظمة البشرية العفنة . فالاشتراكية لم يعد لها وزن , والراسمالية تتكشف حقيقتها يوما بعد يوم , والقومية التي كانت تجر المسلمين جحافلا الى الشوارع غدت كانها لم تكن ابدا .


لقد عاد الاسلام تخفق له قلوب المؤمنين والمؤمنات , وترتعب منه قلوب اصحاب المبادئ الاخرى الذين غدوا يخشون قيام دولة الخلافة بين لحظة وأخرى. واصبح الغرب الراسمالي _وهو الذي غزا العالم الاسلامي فكريا واقتصاديا وطيلة ما يقارب القرنين من الزمن _ يتوجس خيفة من المارد الاسلامي , لذا نجده منكبا على مهاجمة الاسلام وحملة دعوته في كافة وسائله الاعلامية كما تراه يصعد ضرباته الى المسلمين عن طريق عملاءه في البلاد الاسلامية , وما عمله في الحقيقة الا ياس وقنوط وتعبير واضح عن مدى تدني ثقته بمبدأه.

فالذي يعيش داخل المجتمعات الغربية يلمس يوميا مدى الزعر والخوف الذي دب في قلوب رجال الحضارة الغربية من الاسلام السياسي بعدما ظنوا أنهم فصلوا الدين عن الحياة في عقول المسلمين الى غير رجعة , وما كانت عاقبة أعمالهم تلك الا خسرا .

في خضم هذه الاجواء العدائية الشرسة قام كاتبان امريكيان وهما " دوايت لوغداتوف " و " لاديمير لولوال " باصدار كتاب شيق وضخم يتكون من 640 صفحة و27 بابا تحت عنوان :

تاريخ العالم



وهذا الكتاب فريد من نوعه , وخاصة انه يظهر للمتطلع فيه أنه ضرب من كتب الخيال أو ما يسمى باللغة الانجليزية " ساينس فكشن " اذ ان تاريخ صدوره سنة 2992 وليس 1992.

والسبب في ذلك يرجع لكون الكاتبين قاما بتخطي الف سنة كاملة ليجدا نفسيهما سنة 2992 والتفتا الى تاريخ الالف سنة , اي من 1992 الى 2992 ليقدما لقرائهما التغيرات التي حدثت في العالم طيلة تلك الفترة , وذلك منذ سقوط الشيوعية وانتصار امريكا وحلفائها في حرب الخليج , وما استجد من احداث في اوربا واسيا والعالم الاسلامي .

_ بالعالم الاسلامي وتطوراته منذ سنة 1992 (كما يراه الكاتبان سنة 2992 ) وخلاصته ان دولة الخلافة سترسم أحداث القرون التالية كدولة عظمى, والديمقراطية ستصيبها قارعة الشيوعية . ولقد تعرضت مجلة الايكونوميست البريطانية في عددها الاول لسنة 1993 لهذا الموضوع وناقشته بدقة .

قرن الكوارث :

يرى الكاتبان ان القرن ال 21 كان قرن كوارث على الديمقراطية الغربية وفشلها يرجع في مجموعه الى الخطا في التفكير والتصور بالاضافة الى انعدام الارادة في الغرب .

اما خطأ التفكير فقد وقع من الاقطاب الثلاثية التي ظهرت بعد سقوط الشيوعية وهي الولايات المتحدة الامريكية , والسوق الاوربية , واليابان , لانها عوض التلاؤم والعمل على تركيز مفاهيم الحرية والرفاهية في العالم شرعت تعمل ضد بعضها البعض , وهذه الخلافات أدت الى تمزيق الحلف التقليدي الذي جمعها عد الحرب العالمية الثانية وسقوطه سنة 2006 اثر سحب امريكا قواتها العسكرية من اوربا واسيا . وكانت الخلافات اقتصادية بالدرجة الاولى , اذا بعد التفاؤل النسبي في بداية التسعينات ما لبثت سياسة الحماية الاقتصادية ان شملت هذه الدول , فلم ينته القرن العشرون الا ولم يعد هناك اي قانون يجمع بين هذه التكتلات .

واما خطا التصور فيرى الكاتبان ان السبب في تعميقه هي اوربا التي راحت عقب سقوط الشيوعية تحاول بسرعة فائقة اجاع ماضيها الذي خسرته بعد الحربين العالميتين , هذه السرعة الفائقة جعلت اوربا تبتعد عن التصور الاصلي وتركز على وحدة اوربا الشرقية, وزاد الطين بلة فشلها في حل الازمة وايقاف المجازر التي حدثت في يوغسلافيا , وتفاقم الفوضى في اجزاء روسيا التي سرعان ما انتشرت لتصل الى الحدود الشرقية الالمانية , اما انعدام الارادة فالسبب في ذلك امريكا . كانت القوة الوحيدة بعد سنة 1992 التي كان بامكانها ايقاف كل الذي حدث خاصة وانها لاتزال تتمتع بقوة اقتصادية وعسكرية جبارة , اضافة الى سعة افقها السياسي الذي يشمل العالم اجمع .

وأخطاء كل المتفائلين الذين كانوا يترقبون من امريكا القيام بدورها , اذا ان المشاكل الاقتصادية و العنصرية داخلها , بالاضافة لتعكر علاقاتها مع اوربا واليابان حطمت ارادتها في المضي قدما لقيادة العالم . ولقد قام الرئيس كلينتون انذاك بمحاولات لاخذ زمام المبادرة , الا انه باقتراب نهاية القرن العشرين باءت كل المساعي بالفشل , وجاء مبدأ بوكانان سنة 2003 ايام رئاسة هذا الاخير والذي صادق عليه الكونغرس صبيحة الذكرى 180 لاعلان مبدأ مونرو ليجعل من امريكا القرن الواحد والعشرين امريكا القرن التاسع عشر وبهذه السياسة غدت امريكا منطوية على القارتين فقط وما ان حل منتصف القرن التالي حتى كانت الديمقراطية تعم كل بلاد امريكا الشمالية والجنوبية تحميها الترسانة النووية الامريكية و وتكونت السوق التجارية الحرة الامريكية .

صحت كل ذلك تراجع الدول الديمقراطية عن ارسال جيوشها في مهام حفظ السلام لما ثبت عدم جدواها ( خاصة بعد احداث الصومال ) , وبعد فشل اوربا في سياستها تجاه يوغسلافيا ارخت ستار فكريا خاصا يحجبها عما يجري في ما وراء فيينا , فلم يعد امر الشرق يعنيها مما جعل شعاع الديمقراطية يختفي .


قوى القرن الواحد والعشرين :

وفي خضم هذه الارتباك وهذه الفوضى ظهرت قوتان عظميان سيطرتا على العالم طيلة القرنين ال 22 وال 23 . اما القوة الاولى فكانت الصين , اذا كان للانتعاش الاقتصادي الذي عاشته في اواخر القرن القرن العشرين الاثر الاكبر في صيرورتها دولة عظمى . وما ان حلت سنة 2020 حتى بلغت ذروة القوة الاقتصادية تصحبها القوة النووية , الا ان الصين رفضت الديمقراطية وبقيت محتفظة بحكومة مركزية قوية .

وكانت اليابان هي الخصم الاساسي في سياستها الخارجية حيث عملت على الحيلولة دون امتلاكه للسلاح النووي ولتخويفه بصورة اكبر قامت الصين بتفجير قنبلة نووية في بحر يوكوهاما سنة 2009 مما اثار الهلع لدى اليابان , فاستكان ولان , واصبح منذ ذلك اليوم يدور في فلك الصين يزودها بالعتاد المتطور والتقنية الدقيقة .

اما الصين الوطنية فتوحدت معها سنة 2007 بعدما اتفق الطرفان على تطبيق نظام السوق الحرة لكن تحت قيادة مستبدة . غير ان الصين وهذه حالها اصبح من الواجب عليها تحديد علاقتها وسياستها تجاه القوى العظمى الاخرى التي برزت في القرن الواحد والعشرين .

لقد بزغت هذه القوة من العالم الاسلامي بنفس القوة التي ظهرت بها قبل 1400 سنة من ذلك التاريخ , وهذه القوة هي الخلافة الجديدة كما اعتاد الاوربيون على تسميتها تهكما حتى تعلموا عدم السخرية منها عندما ظهرت لهم قوتها .
لم يتمكن المسلمون من الوقوف في وجه التحديات الاقتصادية والسياسية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين , رغم ان هذه الشعوب كان لها تاريخ مذهل حققت فيه نجاحات جبارة . ومنذ مطلع القرن العشرين ظهرت في بلادهم ثروة الطاقة التي كانت المحرك الاساسي والعمود الفقري للعالم الصناعي . وكل ما كان ينقص العالم الاسلامي هي الظروف المناسبة لاعادة تنظيمهم في قوة واحدة متجانسة , حتى سنحت لهم الفرصة بالانقلاب العسكري الذي قام به العقيد القصيبي سنة 2011 في العربية السعودية .

وبسبب استيلائه السريع على كل بترول الخليج وتوجيه المسلمين الى هدف سياسي موحد بالاضافة الى الشعور القوي بالوحدة الذي كان يساور المسلمين بوانه حان الوقت للظهور على الغرب الممزق , كل هذه العوامل جعلت العقيد القصيبي ينجح بعدما فشل الكثيرون ممن كانوا يحاولون توحيد المسلمين . قام رجال الثورة بعد استلامهم الامر بتقديم عروض للمسلمين تتمثل في اشراك الجميع في الثروات البترولية مقابل وحدة سياسية خارجية وعسكرية . واستجاب العرب للنداء في الوقت الذي بقي فيه المسلون في الشرق الاقصى بعيدين عن تلبية ذلك . اما ايران فانها اضطرت الى الاستسلام , و قبلت باكستان بالعرض وارسلت جيوشها .

اما القوة الدافعة فلم تكن الدين بالدرجة الاولى , بالرغم من ان الدين يوحد شعورا بالهوية , بل الدافع هو شعور المنطقة بكاملها بضرورة الصعود على مسرح الاحداث السياسية .

كانت تركيا الضحية الاولى لدولة الخلافة عندما قامت هذه الاخيرة باتهامها بخيانة المسلمين اثر محاولتها المضي قدما وراء الفكرة الغربية الفاسدة , فكرة الديمقراطيةوكردة فعل قامت كل من بريطانية وفرنسا بارسال جيوشها لحماية تركيا والحيلولة دون قيام دولة الخلافة بضمها , غير انها باءت بالفشل عندما اكتسحت قوات الخلافة الجديدة البوسفور وهزمت جيوش الدولتين في معركة سنجق عام 2016 وتمكنت على اثرها من ارساء اول قاعدة في جنوب شرق اوربا الا ان الهدف الحقيقي في سياسة هذه الدولة كان جسم روسيا المهترئ , وفي هذا الاطار وجدت دولة الخلافة اساسا مشتركا لعقد حلف مع الصين , وهذه العلاقة الخاصة بين الدولتين جاءت لترسم المسار السياسي خلال القرنين التاليين .

شرعت القوة الاسلامية الجديدة في ازالة الهيمنة الروسية على المناطق الجنوبية للاتحاد السوفيتي و, وحققت نجاحات وانتصارات كبيرة وبينما كانت الصين تزود دولة الخلافة بكافة الاسلحة الضرورية ضمنت دولة الخلافة حماية المنطقة الغربية للصين , وما ان حل القرن الحادي والعشرين (2050 ) حتى انهت دولة الخلافة تحرير كل المناطق الاسلامية , ووجدت إثر قيامها بذلك كافة الطرق مفتوحة لعدم تمكن احد من الوقوف في وجهها ومنعها من ذلك . فالامريكيون انعزلوا على الامريكتين وقالوا بان بقية العالم لايعنيهم و واما الاوربيون فلقد كان لكارثة الهزيمة التي الحقتها بهم دولة الخلافة سنة 2016 , بالاضافة الى الخلافات الداخلية وابتعادهم عن امريكا اثر سلبي على سياستهم .

اما الهند _ القوة النووية الاخرى _ فبعد انسلاخ العديد من الولايات الشمالية منها واكتساح القوة الاسلامية للمنطقة لم يعد بامكانها الا الاستكانة والاستسلام . جيشها مهزوم نفسيا ولم يستطع الوقوف في وجه قوات الخلافة التي تمكنت اثر غزوتين عسكريتين من طرد الروس الى ما وراء جبال الاورال التي اصبحت الحدود الجديدة لروسيا .
وتسببت هذه الحملات العسكرية في تدفق ملايين اللاجئين الى اوربا الغربية مما زاد في مشاكل هذه الاخيرة . ولم تتجرا روسيا على استخدام الترسانة النووية خوفا من ردة فعل مماثلة من الصين . وبسبب امتلاك الاوربيين للاسلحة النووية توقفت القوات الاسلامية عن المضي قدما في الحملات العسكرية . وجعل التحالف بين الصين ودولة الخلافة منهما القوتين العظميين لقرون من الزمان .



هكذا راى الكاتبان الامريكيان العالم وتطوره السياسي خلال القرون القادمة وما كتباه يعبر عما يدور في خواطر الكثير من رجال وعلماء السياسة , وهو محور حديثهم هذه الايام وسبب تصعيد حربهم ضد الاسلام والعاملين على اعادته الى واقع الحياة . ولايسعنا ان نقول ونحن نقرأ ما كتباه أن الخلافة ستقوم باذن الله قريبا مصداقا لقول نبينا صلى الله عليه وسلم (.. ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة ) واعتقادا بوعد الله لنا بالنصر واظهار دين الله على الدين كله . فالله نسال ان يعجل بالفرج ويرزقنا دولة الخلافة التي تحرر المسلمين والعالم أجمع من عبادة العباد الى عبادة رب العباد . امين

_________________

الوعي : عدد 95 رمضان 1415 / شباط 1995