قفشتك يا لص .. قفشتك يا دُون يا حقير يا حرامي .. ظبطتك يا خراب البيوت .. وقعت أخيراً يا زعيم العصابة يا قائد الحرامية .
امشي قدامى يا لص... يا عديم التربية .. امشي قدامى يا ناقص.. أنا بقى اللي هاربيك التربية اللي بجد .
امشي قدامى .. امشي ، دا انت ليلتك سوده مهببة زى وشك ووش اللي خلفوك .
أمْسكَ العمدة باللص الذى قبض عليه متلبسا فى دوار البهائم من قفاه .. وساقه بيدين غليظتين حيث يرقد الخفير أمام البوابة الخلفية مستغرقاً فى نومه ، محتضناً سلاحه ، ملتحفاً بطانية قديمة ممزقة ساحَ بياضها على سوادها .
ومع فرقعة الكف الذى تلقاه الخفير على صدْغه العريض الحليق اليابس ، جلجل صوت العمدة فى فضاء القرية الصامتة .. وكأنه يريد إيقاظ ناسها وبهائمها وطيورها وحميرها وكلابها وقططها ، ليشهدوا جميعا ما سوف يفعله باللص البائس ، صاحب الحظ العاثر .
قوم .. قوم يا خفير الغبرة .. بقى نايم فى الحراسة.. ابقي شوف مين اللي هاينفعك لما تترمى فى الحبس وينخصم من ماهيتك .. قوم .. قوم نامت عليك حيطة .
قوم بسرعة اندهلى شيخ الخفر ، وحسنين القانونجى ، والشيخ مخلوف خطيب الجامع ،.. فاهم يا بجم .. واندهلى فى طريقك ناظر الزراعة .. فهمت يا خفير واللا أقول تانى .. أنت لسه واقف.. مالك يا وله ، واقف مبلم كده ليه ؟
نظر الخفير برفق وشفقة إلى اللص الذى يشبه الذبيحة فى يد الجزار .. وقال متلعثماً :
يا حضرة العمدة الدنيا تليجة والفجر خلاص قرب يدن وكلهم دي الوقت فى سابع نومه .. خللي المؤتمر ده لبكرة يا حضرة العمدة والصباح رباح والنهار له عنين .
نفذ الأوامر بدون مناقشة يا خفير الغبرة .. وإلا بقت التهمة تهمتين ، نوم فى الحراسة وعصيان الأوامر .
هرشَ الخفير رأسه المغطى بكوفية صوف عتيقة ومضى متثاقلاً متباطئاً .
دفع العمدة بجسده الضخم ويديه الثقيلتين اللص الهزيل بقوة وأدخله صحن داره ، ثم ربطه بحبل غليظ وأجلسه على الأرض ورفع صوته منادياً على بناته وزوجته .
فيه ايه يا عمدة .. ايه الدوشة اللي أنت عاملها فى انصاص الليالى دي .. وإيه ده اللي مرمى على الأرض ده ؟
اصحي يا ولية .. تعالى يا ولية وصحي البنات عشان يتفرجوا على الحرامى اللي قبضت عليه .
هوا فين الحرامى ده ؟
أهه قدامِك مرمى على الأرض أهه .
انت بتهزر واللا جرى لعقلك حاجة .. حرامي ايه يا راجل .. ده حرامي ده واللا هيكل عظمى .. أنت مش شايف شكله عامل ازاى .. دا عنيه مطفية من الجوع .. فك يا راجل يا فاضي الحبل ده على أما أعمل للغلبان ده لقمة ياكلها .
لقمة ايه يا مرة .. باقولك حرامي ظبطته بيسرق لبن البهايم فى الدوار .. تقوليلى لقمة يأكلها ، وعايزة تضيفيه .
يا بنات ... يا هند .. يا كوثر .. يا منال .. يا شريفة .. يا محضية .. يا عطيات .. يا فوزية .. يا جملات .. اصحوا .. اصحوا يا بنات .. قوموا شوفوا الحرامى اللي قبضت عليه .. قوموا عشان تتفرجوا عليا وأنا باحاكمه .
كان العمدة يُطلق صيحاته منتشياً والفتى أمامه مربوط فى ذعره ، يُراوح بنظره الباهت بين الرجل المهووس والمرأة المُشفقة .
استيقظت هند وكوثر ومنال وشريفة ومحضية وعطيات وفوزية وجملات وجلسن سعيدات بمشهد اللص وهو مربوط كأنه فأر وقع فى المصيدة .
دخل شيخ الخفر وفى أثره خفير الحراسة ثم الشيخ مخلوف وحسنين القانونجى بصحبة ناظر الزراعة .
لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
إنا لله وإنا إليه راجعون
مين ده يا عمدة ؟
ده الحرامى اللي قبضت عليه وهو بيسرق لبن البهايم من الدوار وجبتكم عشان تحاكموه .
بقالك أد ايه بتسرق اللبن من بهايم العمدة يا بنى ؟
رد اللص الشاب بصوت واهن ... بقالي شهرين يا عم الشيخ ..
طيب ولما أنت بقالك شهرين بتشرب من لبن بهايم العمدة .. مالك كده دبلان وأصفر وهفتان وهتقع من طولك زى ما يكون جاى من مجاعة ؟
أنا كنت باستحرم أشربه .. اللي كان بيشرب إخواتى وأمي ولولا كده كانوا ماتوا من الجوع .. بس عشان قولة الحق يا سيدنا الشيخ ، أنا كنت ببل ريقي بشفطة أو شفطتين .
لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
إنا لله وإنا إليه راجعون
طيب واشمعنى يا ابني دوار العمدة بالذات ؟
أنا هاقول الحقيقة ... أنا يا اسيادى ابن الشيخ سليم الله يرحمه امام جامع البر الغربى .. اللي مات من سنتين بعد ما جاموستنا اللي حلتنا ضاعت .. ولفينا عليها العزبة كلها ومالقينهاش .. وبالصدفة كده وأنا ماشى جنب دوار العمدة من شهرين .. شفتها .. أيوه والله العظيم شفتها .. أنا عمري ما أغلط فى جاموستنا أبداً .. دا احنا متربيين سوا .. دا أبويا الشيخ سليم الله يرحمه كان ما يحلبهاش إلا وأنا معاه .. وما يحطلهاش أكلها إلا وأنا معاه .. أنا أعرف جاموستنا من بين مليون جاموسة شكلها ، ومعلمها بعلامات .
تحفز أعضاء هيئة المحكمة وزاغ نظر العمدة ووضعت زوجته يدها على قلبها .
أيوه يا بنى وبعدين ..
ولما دخلت دوار العمدة أول مرة واتأكدت انها جاموستنا حلبت منها لإخواتى وأمي وما كنتش باحلب إلا منها .
دخلت هند وكوثر ومنال وشريفة ومحضية وعطيات وفوزية وجملات غرفهن باكيات ... وتقدمت زوجة العمدة فى انكسار وتبتل من الشاب الجالس على الأرض وبدأت فى حنان تفك قيده ..
تلفت الشيخ مخلوف وناظر الزراعة وحسنين القانونجى وشيخ الخفر حولهم فلم يجدوا العمدة ..
ركض خفير الحراسة مسرعاً خلف العمدة الهارب وهو يهتف قائلاً ( امسك حرامي )