قصائد للريح والرماد
شعر: د. حسين علي محمد
نهايةُ الرحلة
.. وحينما رحلْتُ في عيونِكِ البُحيْرَهْ
(أكنتُ راكِباً بساطَ الموْجةِ المُنطفِئهْ ؟
أكنتُ مُمْسِكاً زِمامَ الماءِ والأعشابِ ..
والطَّحالبِ المُلوَّنَهْ ؟)
كانتْ عناكِبُ الخريفِ في انتِظاري !
تُراقِبُ انكِسارَ ضَوْئها الهتونِ ..
في مدامِعِ النهارِ !
ومرْكبي في الوحْلِ يا صَدِيقْ
أخافُ منْ عوائقِ الطَّريقْ
أخافُ منْ غَدي المجْهولْ ..
الخَوْفُ في خُطايْ ..
والموْتُ فيكِ يا سهولْ
الزقازيق 17/3/1975
***
فـِرار
(1)
جاءَ الصبحُ
ولمْ تُشرقْ فينا الشمسُ
وتركتْ شُرفتَها للريحِ وللظُّلْمهْ
فأعادتْ للقلبِ الجُرْحْ
أنظرُ فاتنتي مُغْتمَّهْ
تهربُ من صَخَبِ اليومِ ،
وتستلقي في مملكةِ الأمسْ
(2)
تحلمُ فاتنتي الغجريَّهْ
بالطُّرق الآمنة الرَّحْبَهْ
لكنَّ الظُّلمةَ تقهرها
تُفزعُها الأصواتُ الفظَّةُ في الطُّرقِ الوحشِيَّهْ
فتراها زائغةَ النظرِ ، وتخطو في رهبَهْ
تهرُبُ من شيءٍ أفزعها !
(3)
تبحثُ فاتنتي
ثانيةً عن بقعةِ ضوْءْ
أبصرُها ذاهلةً تُعطي ساقيْها للريحْ
ـ وهي الثابتةُ الصُّلْبَهْ ـ
وتُولولُ فزعاً ، وتُصيحْ ..
باحِثَةً عن طُرُقِ الأوْبَهْ
الزقازيق 13/7/1976
***
ثلاثة وجوه على حوائط المدينة
(1)
الوجْهُ الأولُ وسْطَ ظلامِ المحنهْ
رفع السيفَ / القشَّ على الرأسِ وأغفى
واستلقى في مملكةِ الصَّيفِ ولمْ ينطِقْ حرْفا
وضعَ على الوجْهِ تعابيرَ الحكمةِ والفِطنهْ
(2)
الوجهُ الثاني رفعَ الكفَّ المغموسةَ بدماءِ الأطفالِ
وخضَّبَ أوجهَنا بالعطْرِ ، وقالْ
اليومَ أُغني ..
(غنى للساحاتِ الرحبَهْ ،
والمُطربِ ذي الصَّوتِ الفظّْ،
وكِلابِ السَّادَهْ ،
والقصْرِ العالي ذي الدَّرَجاتِ الألْفْ ،
وطِيبَةَ ذاتِ البوَّاباتِ السَّبْعْ)
وقالْ :
"الليلةَ عُرْسي يا أشْبالْ !"
غَنَّى ثانِيَةً ..
لكِنْ لمْ يبْكِ الأطْلالْ !
غَطَّى أوْجُهَنا بصراخٍ وضجيجْ
لمْ نُبْصِرْ شَيْئاً
(كانَ الفيَضَانُ الكاسِحُ يجْتاحُ مدينتَنا
بَكَتِ النِّسْوَةُ هلعاً ، والأطفالْ
والفتياتُ جَرَيْنَ عرايا
والوجْهُ الجيفَةُ يبْسَمُ
في بلَهٍ وخَبَالْ !)
(3)
الوجْهُ الثالثُ حارْ :
هلْ يُوضَعُ بيْنَ الوجْهيْنِ الإلْفيْنْ
أَمْ يَرْكبُ فَرَسَ النَّارْ ؟
(4)
في اليوْمِ التَّالي ..
كانتْ صحفُ القُطْرِ تُبارِكُ هذا المشوارْ
"منْ أجلِ مسيرةِ كلِّ الشرفاءِ الأحرارْ"
كانَ الوجْهُ الثالثُ ـ بيْنَ الوجْهيْنِ الإلفيْنْ ـ
مبتهِجاً بعجائبِ هذا الزمنِ الدَّوَّارْ
ولِقاءِ الثُّوَّارْ ! !
ديرب نجم 23/11/1974