قراءة في دماغ
قصة قصيرة بقلم : نزار ب. الزين*
" خبر علمي هام : تمكن العلماء لأول مرة في التاريخ من قراءة ما يحويه الدماغ من معلومات حتى بعد الموت ؛ و ذلك باستخدام عدة أجهزة صوتية و مغناطيسية تعمل معاً ، و تتضمن القراءة تكوين الشخصية و ترجمة المشاعر و عرض الأحداث التي مرت بصاحبها "
*****
ما هذا ؟
قضيب حديدي يمتد ؟!
رأس القضيب معكوف ، تذكرته الآن ، نفس القضيب الذي اعتقل به زعيمنا السابق !
جَرّوه من بين رعيته المسكين ، و السبب لا زال مجهولا !
و عيَّنوني بدلا عنه ..
رضيت ، لا لأنني أحب السلطة و لكن حرصا على مصالح رعيتي ..
لا يجوز أن تترك أمة بدون زعيم ....
إنهم سادتنا على أي حال !
أعتقد ...
أنه نفس القضيب الذي اعتقلوا به إثنين من أبنائي في الشهر الماضي ؛ و السبب لا زال مجهولا أيضا !
إختفت أخبارهما منذئذ .
و لكن لا بأس فنحن نتكاثر و نعوض !
كلما فقدنا فردا منا ، عوضناه بعشرة !
تكاثرنا سلاحنا في هذا الزمن الرديء ...
*****
لا بد أن عائلتي تذكرت القضيب سيء الذكر ايضا ...
فالفوضى تعم
صياح .. ضجيج .. رعب ...
بعضهن يتنططن فوق بعض ..
الصغار يحاولون الاحتماء بأمهاتهم و لكن الأمهات يتجاهلنهم ...
الخوف أيقظ فيهن غريزة التشبث بالبقاء فأنساهن حتى صغارهن ..
عدا القلة التي تحاول المقاومة ...
*****
أحاول التهدئة و السيطرة على هذه الفوضى ...
و لكن صوتي يضيع وسط الضجيج ...
القضيب يتحرك يمينا و يسارا ...
و نحن عُزَّل ، لا نملك من سلاح ندافع به غير أظافرنا و أصواتنا ..
يزداد الذعر ....
يزداد الفزع ...
يزداد النواح ...
يزداد العويل ...
يا للهول !
القضيب يقترب مني ...
مني أنا ؟
من زعيم هذه الأمة ؟
يقترب القضيب مني أكثر فأكثر
أحاول الفرار دون جدوى
إنه يكبل قدميَّ الإثنتين الآن ، و يشلهما تماماً...
أحاول الفكاك ..
أصرخ .. أستغيث . . و لات من مغيث ...
فهنَّ لا زلن يتنططن فوق بعضهن بعضا ، رعباً و هلعاً ، متجاهلات حتى صغارهن !
فالخوف أيقظ فيهن غريزة التشبث بالبقاء فأنساهن حتى صغارهن ..
و لكن بعض أبنائي دبت فيهم النخوة ، و بكل شجاعة حاولوا الإنقضاض عليه و لكن دون جدوى .....
فهو قضيب من الحديد ، و لا يفل الحديد إلا الحديد !
*****
القضيب يجرني ...
سيدي يجرني بالقضيب ...
يجرني إليه ..
ماذا يريد مني سيدي ؟
ترى ، لِمَ سيدي يرغب في اعتقالي ؟
يزداد صياحي ...
أطلب النجدة بأعلى صوتي ...
و لكنهن لا زلن يتنططن – رعباً و هلعاً - فوق بعضهن بعضا ، متجاهلات حتى صغارهن !
فالخوف أيقظ فيهن غريزة التشبث بالبقاء فأنساهن حتى صغارهن ..
و مع ذلك ، بعض أبنائي دبت فيهم النخوة ، و بكل شجاعة حاولوا الإنقضاض عليه و لكن دون جدوى .....
فهو قضيب من الحديد ، و لا يفل الحديد إلا الحديد !
*****
يخرجني سيدي من بين رعيتي عنوة ؛
يغل ذراعيَّ بيد و يفك أسار قدميَّ باليد الأخرى ؛
أصرخ ...
أستغيث ...
أنتفض محاولا الخلاص ...
و عندما أعجز ، يعلو صراخي أكثر فأكثر ..
أصبحت أصوات أفراد عائلتي ، بعيدة الآن ..
أصبحت بعيدا الآن عن رعيتي ..
ينتفض جسدي مجدداً ...
أنتفض أكثر محاولا الخلاص ...
أصرخ أكثر لعجزي و فشلي ...
" دعني يا سيدي أرجوك ! "
و لكن سيدي يزداد قسوة ؛
يضع قدمه الآن فوق ذراعيَّ ؛
يشل حركتي تماماً ...
يؤلمني ...
أتوسل أن يتركني لشأني ..
(!!! لم يعد أمامي غير التوسل !!!! )
و لكنه – وا أسفاه - لا يفهمني ..و لا يدرك مشاعري ....
قلب سيدي قُدَّ من حجر صوان ، هذا اليوم !
سيدي الذي غمرني و غمر عائلتي بأفضاله ،
سيدي هذا يقسو عليَّ اليوم لذنب لم أدركه بعد ..
*****
" ماذا جنيت يا سيدي كي تعتقلني و تعذبني ؟
ماذا جنيت يا سيدي حتى تبعدني عن رعيتي ؟
ألم اؤذن لك صباح كل يوم لصلاة الفجر ؟؟
هل قصرت يوما في ذلك ؟؟؟
ألم أحث زوجاتي على الإنتاج الغزير يقدمنه لك صباح كل يوم ؟
ألم أجعلهن ينجبن لك أجيالاً بعد أجيال ؟
هل قصرت يوماً في ذلك ؟؟
هل جزائي أن تهينني تحت حذائك يا سيدي ؟ "
أصرخ و أصرخ و أصرخ ....محتجا تارة .. و مستغيثا تارة أخرى ...
و سيدي ماضٍ في غيِّه متجاهلا عذاباتي دون أن أفهم السبب ...
" أتستغل ضعفي ياسيدي أمام جبروتك ؟
أتستغل عدم قدرتي على الخطاب أمام فصاحتك ؟
لِمَ تبعدني قسراً عن رعيتي يا سيدي ؟
و هم الذين انتخبوني أكثر من مرة و بنسبة 99% !
لِمَ لا تُقِم وزنا لمشاعري يا سيدي ؟
أو لإرادة شعبي ؟
ألست صنيعتك و أثيرك يا سيدي ؟ "
أصرخ مجدداً و أصرخ و أصرخ ...
بُح صوتي من الصراخ ...
و لكن حريمي هدأن الآن ..
و أطفالي كذلك هدؤوا و عادوا جميعاً إلى حياتهم المعتادة ..
عدا القلة الذين حاولوا الدفاع عني ، لا زالوا يحتجون ...
لم يعد أمامهم غير الإحتجاج !
*****
وا فجيعتاه !
سيدتي ، بليره ؛ تحمل سكينا !
كبيرة هي هذه السكين....
نصلها يلمع ....يخطف الأبصار.....
تقدمها لسيدي ، أبو جريج ؛ و هي تبتسم ...
يا لضياعك يا أبا صياح
يا حسرتي عليك يا أبا صياح ....
الآن فقط أدركت حقيقة نواياك يا سيدي ...
يبدو أن لديك ضيفا يا سيدي على الغداء ...
أواه ثم أواه !!
فقد حان أجلك يا أبا صياح ..
لقد انتهيت يا أبا صياح ...
" و لكن صبراً سيدي ؛
أليس ( الطلب الأخير ) من حق المحكوم بالإعدام ؟
طلبي الأخير ياسيدي ...
ألا تطهوني سيدتي مع البصل ..
فانا أكره البصل .. أكرهه !
و أكرهك !
و أكره كل من لا يعرف معنى الوفاء ! "
" هذا ما تمكن العلماء من قراءته حتى الآن ، في مخ ديك ذُبِح حديثا ، و القراءة مستمرة ......
من قال أن الطيور غبية ؟!!!! "
* نزار بهاء الدين الزين
مغترب في الولايات المتحدة الأمريكية من أصل سوري
الموقع : www.FreeArabi.com