ريشةٌ في مهبِّ الرِّيح!
لعلَّها أفاقتْ من نومِها...نظرتْ إلى سقفِ الغرفةِ..جدرانها..إلى الصُّورِ المعلّقةِ عليها...إلى النافذةِ...إلى الأشجارِ الخضراءَ...إلى شمسِ الصباحِ التي ذهَّبْت الفضاءَ ..إلى السماءِ الزرقاءَ..فأحسّت أن الجمالَ في الحياةِ لهُ معتى..
تحسّستْ وجهَها بيديها...جسمَها...قالت: حمداً لله لم يكن ذلكَ إلا حُلما...تحسّستْ الفراشَ جانبَها..لم يكن نائماً إلى جوارِها...لعلّهُ ذهبَ خلسةً إلى المطبخِ ليجهِّزَ لها فنجانَ القهوةِ، الذي طالمَا كانتْ تصحو من غفوتِها العميقةِ على شذى نكهتِها النافذةِ...لكنَّها تصحو الآنَ على شفا حُلمٍ مزعجٍ أقضً عليها هناءةَ نومتَها..فلم تجدش القهوةَ ولا صاحبَها..شدَّتها المرآةُ المنتصبةُ أمامَ السَّريرَ ففزعتْ إليها قائمةً...تلكَ المرآةُ التي همسَت في أذُنِها كثيراً كلَّ يومٍ عن جمالهِا وسحرِها...سألتها المرآةُ عن مدى سحرِها وأنوثتِها..فاستدارتْ حولَ نفسِها مسدَّتْ وجهَها وجبينِها وأنفِها الذي نفخَهُ النومُ ليعودَ صغيراً أقنى على طبيعتِهِ...
صرخَ في وجهِها أمس قائلاً: ..إن الحياةَ معهاَ لم تعدْ تُطاقُ.. إنَّ مالكَ الشُّقةِ ينتظرُهُ كلَّ يومٍ عندَ أسفلَ سُلمِِّ الدرجِ يطالبُهُ بأجرةِ البيتِ الذي انقطعَ دفعُهُ حتى اليومِ ثلاثةَ أشهرٍ..فيجرِّعُهُ الذلّ والأسى كلَّ يومٍ..حتى قال: قد عيلض صبري منكم...وسأرفعً الأمرض إلى المحكمةِ.. تناولتْ أدواتِ الزينةِ التي اصطُفَّتْ كجيشٍ يحاربُ منافِحا عن عرشِ جمالِها..فمرَّت بها على وجهِها وعينَيها وخدَّيها..وكفَّيها وباقيَ جسمِها...طلبَ إليه يوماً أن تخففً من عدد الجنود الذي يبنونَ سوراً يحولُ بينَهما..ذلكَ الجيشُ الذي يستنزفُ معظمَ راتبِه ..قال: إنه يحب جمالهَا على طبيعتِه..نظرتْ إلى المرآةِ ثانيةً، فنالتْ من أذنيها الكبيرتينْ..فامتنعتْ وسحرَتها انوثتُها ثانيةً..أجابتْ المرآةَ بصوت هامس مسموع: اخرسي..اخرسي.. سأغطِّيهما. قالت المرآةُ: إذنْ يا غبيَّةُ لا حاجةَ لظهورهما..عادت لتغطيهِما..ثمَّ نظرتْ من جديدٍ فسحرتْها أنوثتُها.. وقالت ساخرةً : ها..ها..إنَّهُ لن يستطيعَ! ثمّ انتفشتْ شعرَهاُ فأيُّ طاووسٍ يواري انتفاشتَها. عادَ الحلمُ فوكزَ غفلَتها:
رأتْ كما يرى النائمُ انها ارتكَبت طاووساً..فلما أن حاولَ الفرارَ منها..انتزعتْ منهُ ريشةً
فغرستها في شَعرِها...فما أنْ رآها زوجُها حتى انتزَعَها وأطلقَها في الهواءِ..فصفعتْهُ على وجهِهِ..فسحبَ مسدَّساً من داخلِ معطفِهِ وأطلقَ عليها النّارَ!
وعادتْ فتذكَّرت أنه صرخَ أمسِ في وجهِها.. قالَ: إنَّهُ سيجدُ الحلَّ...حتماً سيجدُهُ وفي أسرعَ وقتٍ!...
رنَّ جرسُ البيتِ..قالتْ: إنَّهُ هوَ..إذنْ ها هوُ قد عادَ..عادتَ فتفحصت حالها على تدلُّلٍ ومَهلٍ..ونفثتْ عطراً على جسمِها ..عادَ الجرسُ يرنُّ من جديدٍ: اصبرْ يا هذا.. إني في عجلةٍ أشدُّ من عجَلتِك..ثمّ طرقٌ متَّصلٌ على البابِ..فأسرعتْ وبيدها زجاجةُ العطرِ ناسيةً..فما إن فتحتْ البابَ حتى ألفتْ مُحْضِرَ المحكمةِ لدى البابِ يحملُ أوراقاً..فأفلتتء زجاجةُ العطرِ من يدِها فانكسرَت..وفاحَ العطرُ في الأنحاءِ..ومرَّ بهما ساكنٌ من العمارةِ...وقد أغلقَ أنفَه وفمَه بكفِّهِ اليُمنى، ونزلَ على السُّلم مُسرعا..
قالَ محضرُ المحكمةِ وقد شرعَ يكتبُ:
أهذا بيتُ السَّيدِ...؟