أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: سيدنا يوسف عليه السلام والحكم بنظام كفر

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد سوالمة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : رفح
    العمر : 69
    المشاركات : 488
    المواضيع : 188
    الردود : 488
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي سيدنا يوسف عليه السلام والحكم بنظام كفر

    --------------------------------------------------------------------------------
    من المؤسف حقا ان بعض الجماعات الاسلامية حين ارادت المشاركة في الانظمة الحاكمة اخذت تؤول من النصوص لتبرير عملها وكان في الغالب مسالة سيدنا يوسف عليه السلام
    ولبيان الرد الواضح على ذلك انقل لكم ما جاء في هذا الموضوع واترك لكم الحكم على صحة اوبطلان ما اعتمدوا عليه من ادلة.

    بالنسبة إلى سيدنا يوسف عليه السلام فإنهم يقولون إن المجتمع الذي عاش فيه كان مجتمعاً جاهلياً، وكانت عقيدة الشرك هي المسيطرة. وقد انتشر فيه الفساد الخلقي وتعرض فيه سيدنا يوسف للغواية والظلم، لدرجة أنهم رأوا سجنه من بعد ما رأوا آيات براءته. وقد أخرجه الملك من السجن بعدما أعجب بحسب تأويله للرؤيا وتحقق من نزاهته. فاستخلصه لنفسه وقرّبه منه، فطلب منه سيدنا يوسف عليه السلام أن يجعله على خزائن الأرض، فأجابه الملك إلى طلبه. وبهذا صار يقوم بأعباء الوزارة في حكم جاهلي ونظام مخالف لما كان معروفاً من شريعة بني إسرائيل. وكان سيدنا يوسف من حيث التطبيق على (دين الملك) أي سلطانه وحكمه. حتى أنه لجأ إلى حيلة الاحتكام إلى شريعة يعقوب ليبقي أخاه عنده. وذلك عندما دبّر مكيدة لأخيه بأن اتهمه بالسرقة. وحسب شريعة يعقوب أن السارق يُسْتَرَقّ.
    ويضيفون : ولا يقال إن هذا كان خاصاً بسيدنا يوسف، فالتخصيص يحتاج إلى دليل. لأن الأصل أن كل ما يذكر من سير الأنبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والاقتداء.
    كذلك يضيفون: ولا يقال إن هذا كان من شرع من قبلنا، لأن موضوع الحكم ليس من فروع الشريعة التي يمكن أن تختلف فيها الشرائع بل هي من الأصول المتفق عليها. ولأن سيدنا يوسف أقر ﴿إنِ الحكم إلا لله﴾ وهو مع إقراره هذا فقد شارك في الحكم.
    إن الناظر في الآيات المتعلقة بموضوعنا من سورة يوسف يرى أن هذا الرأي، وهو جواز المشاركة في أنظمة الكفر، مبنيّ على آيتين وهما : ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك﴾، ﴿اجعلني على خزائن الأرض...﴾ ففسروهما تفسيراً يتفق مع ما ذهبوا إليه. متناسين كل الأصول المخالفة التي ينبني عليها الإسلام، ومتغافلين عن كل الآيات التي تعارض هذا الفهم، وضاربين عُرْضَ الحائط بموضوع عصمة الأنبياء. ومتى تهاوى فهمهم المتعلق بهاتين الآيتين تهاوى كل ما بنوه على موضوع سيدنا يوسف عليه السلام.
    إن الأنبياء هم أصفياء الله في خلقه ومُجتبوه. يختارهم لنشر دينه، فهم الأسوة والقدوة لقومهم، وهم الآيات الصادقة في التعبد والالتزام حيث يقومون بأمره خير قيام. ويعصمهم الله من المعاصي ويحفظهم من الفتنة ويثبتهم على الحق، ويعينهم عليه. وسيدنا يوسف عليه السلام هو من هذه الثلة المصطفاة. وقد مدحه الله وأثنى عليه ثناء عطراً في غير آية، قال تعالى:﴿وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويُتِمُ نعمته عليك...﴾ وقال تعالى: ﴿ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين﴾ وقال تعالى: ﴿.. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلَصين﴾ وقال تعالى: ﴿وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، نصيب برحمتنا من نشاء، ولا نضيع أجر المحسنين﴾.
    وقد كان داعياً إلى الله على أرفع طراز. فقد ذكر القرآن أنه قال لصاحبيه في السجن عندما سألاه عن تأويل رؤيا كلٍ منهما : ﴿أأرباب متفرقون خير أم اللهُ الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلاّ أسماءً سميتموها أنتم وآباؤُكُم ما أنزل الله بها من سلطان، إنِ الحكمُ إلاّ لله، أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إياه، ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعملون﴾.
    وقد كان عفّاً موصولاً بالله مستعصماً، فصرف الله عنه كيد النسوة وكيد امرأة العزيز التي ذكر القرآن قولها : ﴿ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَننَّ وليكوناً من الصاغرين. قال ربِّ السجنُ أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه، وإلاّ تصرفْ عني كيدهنَّ أَصْبُ إليهن وأكن من الجاهلين. فاستجاب له رَبُّهُ فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ﴾ وشهد له الناس بالعفة والإحسان والصدق فقد قال له صاحبا السجن: ﴿نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين﴾ وقال له أحدهما الذي نجا بعد أن رأى الملك رؤياه ﴿يوسف أيها الصديق أفتنا...﴾ وقالت النسوة بعد أن رفض أن يخرج من السجن إلاّ من بعد أن تظهر براءته: ﴿حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء. قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ﴾ وقال الملك بعد أن أعجب به ﴿ائتوني به استخلصه لنفسي﴾ وقال له إخوته بعد أن قرر أن يأخذ أخاه ﴿.. فخذ أحدنا مكانه، إنا نراك من المحسنين﴾ وقد قرر سيدنا يوسف عليه السلام أن ما منَّ الله به عليه فلتقواه وصبره على الطاعة وبعده عن المعصية حيث قال: ﴿قال أنا يوسف وهذا أخي قد منَّ علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾.
    أفيعقل بمن هذا هو حاله، وشهد له الله به، ولم يكن متهماً عند أحد ممن التقاهم، أن يكون متهماً عند بعض مسلمي اليوم، إنه لم ترد حتى ولا إشارة واحدة في القرآن، تدل على أنه كان يحكم بشريعة الملك. بل لم يرد سوى حكم واحد حكم به وهو حكم ﴿قالوا جَزَاؤُهُ من وجد في رحله فهو جزاؤه﴾ وهذا الحكم كان بحسب شريعة سيدنا يعقوب. ولم ترد أية إشارة من علم تدل على أنه حكم بغير ما أنزل الله. والشبهة عندهم أتت من قوله تعالى: ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك إلاّ أن يشاء الله...﴾ وهذه الآية متى فسرت تفسيراً صحيحاً أزيلت هذه الشبهة وسقطت هذه الدعوى.
    الآية أشكلت على أصحاب هذا الطرح، ففسروها بما يناسب موقفهم، فتراهم يقولون :
    بعد أن حلت سنوات المجاعة وصار الناس يأتون من كل حدب وصوب إلى يوسف ليعطيهم من الغلال التي وفرها بتدبيره، والتي فوَّض إليه الملك أمر توزيعها، جاء إخوته فعرفهم وهم له منكرون. فأخبر أخاه الصغير أنه أخوه حتى لا يبتئس، ودبر مكيدة لأخوته بأن جعل السقاية في رحل أخيه على غفلة من الجميع. ففقده وأذن مؤذن أن أصحاب العير سارقون، وجعلوا جائزة حمل بعير لمن جاء به. فرد إخوة يوسف عنهم الاتهام بكل تأكيد. فقال القائمون على أمر التوزيع من أعوان يوسف ﴿قالوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِين﴾ قال إخوة يوسف ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ من وجد في رحله فهو جزاؤه ﴾ أي أن السارق له يسترقّ، وكان هذا على شريعة يعقوب. فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، فكان جزاؤه الاسترقاق والاستعباد. ثم بعد كل ذلك جاءت الآية لتقول عن سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك﴾ففسرها البعض على معنى شريعة ونظام الملك. أي أن الملك في مصر كانت له شريعة ونظام وكان سيدنا يوسف عليه السلام يحكم بشريعة هذا الملك ونظامه. أما في هذه المسألة فقد دبر حيلة يستطيع بها أن يبقي أخاه إلى جانبه. فلجأ وبكيد لطيف لأن يجعلهم ينطقون هم بالعقوبة ليحاسبوا على أساسها، فلم يقل لهم ان جزاء السارق بحسب شريعة الملك هي كذا وكذا، وإنما جعلهم ينطقون بالحكم بحسب شريعة يعقوب ليبقي أخاه عنده.
    فتفسير هذه الآية على هذا النحو هو الذي جعلهم يخرجون بمثل هذا الفهم.
    ولو عدنا إلى كلمة دين في اللغة العربية لوجدنا أنها من الألفاظ المشتركة التي تحمل أكثر من معنى: فقد جاء في لسان العرب: فالدين تعني القهر والطاعة. تقول: دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا. والدين تعني الجزاء والمكافأة. تقول: دنته بفعله ديناً أي جزيته. ويوم الدين يعني يوم الجزاء. والدين تعني الحساب ومنه قوله تعالى: ﴿مالك يوم الدين﴾. والدين تعني الشريعة والسلطان ومنه قوله تعالى: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فِتنةٌ ويكون الدين كله لله﴾ والدين تعني الذل والاستعباد. والمدين هو العبد. والمدينة هي الأمة المملوكة. ومنه قوله تعالى: ﴿أئنّا لمدينون﴾أي مملكون. ومنه كذلك قوله تعالى: ﴿فلولا إن كنتم غير مدينين. تَرْجِعونَها إن كنتم صادقين﴾ أي غير مملوكين.
    وهناك معانٍ أخرى لها.
    فأي معنى بالتحديد هو المعنى الذي يريده الله سبحانه في الآية ؟. وانتقاء معنى من هذه المعاني لا بد له من قرينة تجعلنا نأخذ هذا المعنى دون غيره. ومن هنا يتبيّن أن من يأخذ المعنى الذي يناسبه ويناسب توجهه إنما يحكّم هواه في الشرع. ومن يأخذ المعنى المنضبط والمقيد بقرائن شرعية تدل عليه يَكُنْ محكّماً لشرعه ملتزماً أمر ربه. فأي معنى هو المعنى المراد ؟.
    فإن قلنا أن المعنى المراد من كلمة دين هو شريعة وجدنا أن القرائن الشرعية تمنع هذا الفهم إن كان سيؤدي إلى أن سيدنا يوسف قد شارك. فهذا حرام على الأنبياء والمؤمنين، ومخالف لطبيعة الرسالة التي تقوم على إفراد الله في العبودية والتشريع، يقول تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون﴾ فيوسف عليه السلام الذي يقول للناس : ﴿إنِ الحكم إلاّ لله، أمر ألا تبعدوا إلاّ إياه، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ لا يمكن أن يخالفهم في ذلك ويقبل بحكم الأرباب المتفرقة. وفي مثل هذا يقول سيدنا شعيب لقومه الذين يدعوهم: ﴿… وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، ان أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت وإليه أنيب﴾ وتفسير ذلك عند القرطبي : " أي ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه، كما لا أترك ما أمرتكم به ".
    وإن قلنا بأن المعنى المراد من كلمة دين هو استعباد، وصار أخوه مديناً أي عبداً مملوكاً فهذا المعنى ينسجم انسجاماً تاماً مع ما سبق الآية من قول إخوة يوسف إن السارق يسترقّ. فيكون معنى الآية: ما كان ليأخذ أخاه في استرقاق واستعباد الملك وجعله مديناً أي عبداً مملوكاً له إلاّ أن يشاء الله. وهذا هو المعنى الأقرب إلى الصواب. وليس من قرينة شرعية تمنعه. بل ينسجم انسجاماً تاماً مع ما قبله، وينسجم تماماً مع ما وصف الله به سيدنا يوسف من أنه من المحسنين والمخلصين وما شهد له الناس به.
    وبهذا ينتفي مثل هذا التفسير الذي يتعارض مع عصمة الأنبياء، وعدم وقوعهم في المعصية، أو أن يقولوا ما لا يفعلون.
    أما تفسير قول سيدنا يوسف لملك مصر ﴿اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم﴾ بأنه طلب منه لوزارة الخزانة أو المالية، وأنه أثناء توليه لهذا المنصب لم يطبق في حكمه شريعة يعقوب وإنما نظام الملك غير القائم على أساس العدل هو تفسير فيه تعسف كبير، وحَيْدٌ واضح عن مذهب الحق. ولا بد من الوقوف على بعض النقاط لتجلية الموضوع.
     إن واقع الحكم في تلك الفترة كان ملكياً، والنظام الملكي في التاريخ أخذ شكلين :
    أحدهما : النظام الملكي المطلق حيث كان الملك هو الحاكم بأمره، المستبد برأيه، فما يراه يجب أن يسير عليه الناس، ولا يعقب أحد على حكمه. وكانت تتجمع في يده السلطات الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية. وكان يعين أعوانه ويعزلهم متى شاء، وقد يختارهم لولائهم له أو تزلفهم له، أو لحصافة رأيهم وحسن تدبيرهم. وهؤلاء الأعوان يكفي أن يكونوا موالين له مطيعين، حتى تطلق أيديهم فيحكموا بأمرهم ويستبدوا برأيهم ويصبحوا صورة مصغرة عن الملك.
    ثانيهما : النظام الملكي المقيَّد، وقد أضحى الملك في هذا النظام صورة أكثر منه حقيقية، حيث نزعت منه صلاحياته المطلقة. وصارت السيادة في هذا النظام للدستور والقانون وليس للملك. وقامت هيئات تشريعية تسن القوانين بدل الملك، وهيئات تنفيذية تنفذها بدل الملك، وأخرى قضائية تقضي في الخصومات وتفض المنازعات بين الناس بدل الملك. وهذا الشكل عرف بعد انتشار فكرة الديمقراطية مؤخراً. لذلك سمي النظام الملكي المقيّد. فأي شكل من هذين الشكلين أخذه نظام الملك في مصر زمن يوسف عليه السلام ؟.
    إنه لا يتصور أن ملك مصر زمن يوسف عليه السلام كان مقيداً بدستور ونظام. وما ورد من كلمة ( دين الملك ) لم تكن على المعنى الذي أوردوه أي: شريعة الملك. وإن قياس نظام الملك زمن يوسف عليه السلام على أنظمة اليوم التي تحكم تصرفات الحكام هو قول فيه مجانبة للصواب، وفيه قياس خاطئ.
     إن طلب سيدنا يوسف من الملك أن يجعله على خزائن الأرض واجابته إلى طلبه، لا يعني أن طلبه هذا متعلق بالحكم. والموضوع الذي ذكره القرآن كان محصوراً بموضوع الرؤيا، ولم يتعدّه إلى سواه. وهو متعلق بغلال القمح وسنوات الخصب وسنوات الجدب، وما يجب العمل فيها. فطلب سيدنا يوسف أن يسند إليه أمر تخزين القمح وتدبير التوزيع في سنوات الخصب بما يتناسب مع ما سيأتي من سنوات الجدب، من غير أن يفرط في مهمته ولا أن يخون. وهذه مهمة صعبة لا يستطيع أن يقوم بأعبائها إلاّ من كان مكيناً، أميناً، حفيظاً، عليماً، كيوسف عليه السلام، حتى إن ما حدث بين يوسف وإخوته كان متعلقاً تحديداً بهذا الموضوع. ونحن لا نستطيع أن نجعله يتجاوز هذا الإطار، وأن نوسع دائرة مهمة سيدنا يوسف من عندنا. ولا يحق لنا القول إن مهمته هذه كانت متعلقة بسنة قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته وجنده ورعيته. وهذه لا بد أنها ستجري بحسب نظام الملك وليس شريعة يعقوب. فهذا التوسع يحتاج إلى دليل.
     يلاحظ أن الملك عندما أعجب بحصافة رأي يوسف ورجحان عقله ونزاهته، قربه منه، وأعطاه صلاحية تدبير هذا الأمر الجلل الذي شغله منذ أن رأى رؤياه. ولا بد أن يكون قد أطلق يده في ذلك كي لا يتدخل فيه أحد.
     ويلاحظ أن سيدنا يوسف لم يفسِّر رؤيا الملك فحسب، بل أعطاه العلاج والتدبير المناسب. مما دفع الملك إلى الاطمئنان إلى طلب يوسف عليه السلام أن يجعله على خزائن الأرض وإطلاق يده. ولم يقل له : عندي شريعة أو نظام يجب أن تسير عليه. بل رضي بتفسيره للرؤيا ووضعه للعلاج فقلده وظيفة التخزين والتوزيع على رأيه.
     لا بد أنه بعد أن أتت سنوات الجدب، صار يوسف هو الملجأ الذي يلجأ إليه النساس لينقذوا أنفسهم من الجوع، ولا بد أنه قد صار حديث الركبان بعدله وتدبيره. وهذا من شأنه أن يعزز مركزه عند الملك ويجعله أكثر تقرباً منه. وقد يكون هذا هو الذي مكنه من الانتقال من كونه العزيز، كما خاطبه إخوته بقولهم: ﴿يا أيها العزيز...﴾، إلى إيتائه الملك بعد مجيء والديه إليه من البدو حيث دعا ربه فقال: ﴿رب قد آتيتني من الملك...﴾، ومن ثم قوله تعالى عنه: ﴿ورفع أبويه على العرش﴾ مما يعني أن الأمر قد انتقل إليه في النهاية.
     إن الحكم الوحيد الذي ذكر القرآن أنّ سيدنا يوسف نفذه هو استرقاق أخيه بحسب شريعة يعقوب. فلماذا لم يؤخذ بمخالفته لنظام الملك إن كان للملك نظام ثابت خاص ؟.
     إنه لا يتصور أن يصدر من سيدنا يوسف عليه السلام أية مخالفة شرعية، ذلك لأنه نبي معصوم، وصفه ربه بأنه كان محسناً ومخلصاً وتقياً. وهو الذي فضل السجن على الغواية. وهو الذي كان يدعو في السجن، وهو الذي رفض أن يخرج من السجن دون أن تظهر براءته، وهو الذي بعفته ونزاهته أعجب به كفار مجتمعه، من امرأة العزيز إلى نسوة المدينة إلى صاحبي السجن إلى الملك حتى إخوته قبل أن يكشفوا أمره.
    وتجدر الملاحظة أن تفسير واقع ما كان عليه سيدنا يوسف أو حال الملك : هل اسلم أم بقي كافراً، أم أن المُلْك قد انتقل إلى يوسف بسبب موت الملك، أو تنحيه، أو أنه صار عزيزاً بعد عزل العزيز السابق أو موته … أو موته أو تفسير ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك ﴾ أو تفسير ﴿اجعلني على خزائن الأرض...﴾ كل هذا سيكون تفسيراً ظنياً من أية جهة أتى. لأن القرآن لم يزودنا بالتفاصيل اللازمة، ولأن تفاصيله مما لا يلزم لنا كتشريع نسير عليه. ولا يعدو ما ذكرناه نحن أيضاً أن يكون ظنياً كغيره. ولكن يفترق عن غيره أنه ينسجم مع ما يليق بالأنبياء من التقوى والإيمان، ولا يتعارض مع عصمة الأنبياء المقررة في أصول الدين. وكم هو بعيد هذا الفهم عن الحق عندما يعارض كلاماً قطعياً أتى على لسان يوسف نفسه عندما أنكر على الآخرين عقيدة الشرك وترك التحاكم لله وحده، كما مر معنا. ونحن بسيرنا على هذا المنوال ببيان ما كان عليه سيدنا يوسف عليه السلام لا نريد أن نطلع برأي آخر يدعم رأينا بعدم جواز المشاركة في أنظمة الكفر، فرأينا هو حكم الشرع وليس حكماً شرعياً ظنياً، وهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
    إذا قال قائل: إن يوسف عليه السلام كان يحكم بشريعة الملك بإذنٍ من الله، ولم يكن في ذلك مخالفاً لربه. فالجواب عن ذلك هو : إمّا أن يكون هذا الإذن لسيدنا يوسف هو إذناً خاصاً به، وإمّا أن يكون الإذن عامّاً للجميع، أي أن الحكم بشرائع الكفر كان مشروعاً حينئذ ٍ.
    في الحالة الأولى، أي إذا كان الأمر مجرد إذنٍ خاصًّ لسيدنا يوسف عليه السلام فليس لغيره من البشر أن يعمل بموجب هذا الإذن، وليس لنا الآن أن نقتدي أو نحتج به.
    وفي الحالة الثانية، أي إذا كان هذا الأمر مشروعاً في زمنهم فإنه يكون شرعاً لمن قَبْلَنا. وهل يكون شرع مَنْ قبلنا شرعاً لنا أيضاً ؟ فريق من علماء الفقه والأصول وضعوا قاعدة : " شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا " مستدلين بكثير من النصوص التي تفيد أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم نسخ الشرائع السابقة جملةً، ونسخ بعض أجزائها تفصيلاً من باب التأكيد. وإذا أخذنا برأي هذا الفريق من العلماء فلا يحلّ لنا أن نقتدي أو نحتج بما عليه يوسف أو غيره من الأنبياء السابقين. فريق آخر من علماء الفقه والأصول وضعوا قاعدة أخرى هي : شرع مَنْ قبلَنا شرعٌ لنا ما لم يُنْسَخْ ". وهؤلاء أيضاً لهم استدلالاتهم، إذ لو لم يكن للشرائع السابقة أية فائدة لنا لما ذكرها القرآن لنا. وهؤلاء لم يقولوا بأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم نسخ ما قبله جملة واحدة. هؤلاء يقولون بأن ما ذكره القرآن ( والسنة ) لنا من شرائع الأنبياء السابقين يعتبر شرعاً لنا، إلا ما نسخه من أحكام وأعطانا بدلاً منه أحكاماً جديدة.
    وإذا طبقنا هذه القاعدة على المسألة التي بين أيدينا فماذا نجد ؟ هل جاءت في شريعتنا نصوص تحرّم الحكم بغير ما أنزل الله ؟ هل جاء في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعة القرآن ما يحذّر كل التحذير الحيد قيد انملة عن هذه الشريعة المحمدية ؟.
    نعم إن الشريعة المحمدية قد منعت من التحاكم إلى غيرها، وحرّمت بشكل قطعي أخذ أي حكم من أحكام الكفر والجاهلية. فإذا قال قائل بأن هذا كان مشروعاً في زمن سيدنا يوسف نقول له : على فرض أنه كان مشروعاً فهو محرّم ( أي منسوخ ) في شريعة القرآن.
     إن القول بأن الحكم بما أنزل الله هو من الأصول وليس من الفروع هو كلام في غير محله. ذلك أن العقائد محلها القلب والأحكام الشرعية محلها الجوارح. والعقائد تشكل الأساس للأحكام الشرعية، بينما الأحكام هي ثمرات العقيدة.

    والحكم الشرعي المتعلق بأفعال العباد يحمل جانبين :
    أحدهما نظري اعتقادي يجب الإقرار به :
    فهو من هذا الجانب متعلق بالعقيدة. وعدم الإقرار به قد يؤدي إلى الكفر أو المعصية بحسب واقعه إن كان قطعياً أو ظنياً.

    وثانيهما عملي يتعلق بتنفيذه :
    فالصلاة فرض ويجب الإقرار بها كفرض، وعدم الإقرار بها كفرض يؤدي إلى الكفر.
    والصلاة فرض ويجب القيام بها كفرض وعدم القيام بها كفرض يؤدي إلى المعصية.
    والخمرة محرمة ويجب الإقرار بتحريمها واستباحتها تؤدي إلى الكفر.
    والخمرة محرمة ويحرم شربها. ويؤدي شربها إلى المعصية.
    وكذلك الحكم بما أنزل الله هو فرض. والإقرار بذلك متعلق بالإيمان للنص القطعي الذي تناوله. أما تنفيذه فهو طاعة وعدم تنفيذه فهو معصية. فالذي لا يحكم بما أنزل الله يكفر ان كان غير مُقِرٍّ به أو جاحداً له، ويعصي من ( غير كفر ) إن كان مقراً به ولكنه غير مطبق له. لذلك فإن القول بأن الحكم بما أنزل الله هو من الأصول المتفق عليها فإنما يعني الجانب الأول. وهذا صحيح. أما الجانب الثاني أي الجانب العملي فإنه يتعلق بالشريعة وتطبيقها، أي بالفروع، وليس بالأصول، وهو من هذه الزاوية يدخل في موضوع : هل هو من شرع من قبلنا أو ليس من شرعهم.
    ومن هذه الزاوية فقد أثبتنا أن سيدنا يوسف لم يشارك في الحكم ولا يجوز تفسير ذلك على هذا النحو. ولكن أمثال هؤلاء ممن يدعون العلم فإنّ مقالتهم هذه مردودة عليهم من نفس لغتهم. لأن شرع من قبلنا كان للعلماء فيه رأيان : رأي يقول بأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، وعلى هذا يكون فهمهم بجواز المشاركة في الأنظمة الجاهلية مردوداً عليهم بهذا الرأي. ورأي ثانٍ يقول بأن شرع من قبلنا هو شرع لنا ما لم ينسخ. وقد دلت الآيات الكثيرة، ودل واقع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخط الطريق لإقامة الحكم بما أنزل الله، ودلت العقيدة، وأصول الحكم كلها على عدم جواز المشاركة. بل ان الإسلام بكليته ليرفض مثل هذا الفهم. أي لو كانت المشاركة في الأنظمة الجاهلية مشروعة في شرع من قبلنا فهي مما نسخته شريعتنا لورود الأدلة الكثيرة التي تحرّمه.
    وإن القول بأن كل ما يذكر من سير الأنبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والاقتداء. فهذا القول يحتاج إلى تفصيل.
    إن الأنبياء جميعهم يشتركون في أمر العقيدة. فقد دعوا جميعهم إلى الإيمان بالله الواحد الخالق المدبِّر والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. قال تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون ﴾.
    ويشتركون في أمر التبليغ وتحمل وعثائه ومشقاته، والصبر على أمر الله، والتضحية في سبيله. قال تعالى: ﴿ولقد كُذِّبتْ رسل من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ﴾ وقال تعالى: ﴿ ما يقال لك إلاّ ما قد قيل للرسل من قبلك﴾.
    ويشتركون في دعوة قومهم إلى الالتزام والطاعة. قال تعالى:﴿وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله ﴾.
    ويشتركون في تكذيب أقوامهم لهم واستهزائهم بدعوتهم. قال تعالى: ﴿يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون ﴾ وقال تعالى: ﴿ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودُنّ في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكنّ الظالمين. ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ﴾.
    ويشتركون في أن الله جعل العاقبة والنصر لهم في نهاية الأمر، قال تعالى: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ﴾.
    وهكذا كانت الدعوات جميعها تشترك في أمور كثيرة ذكرنا بعضها. وقد كان للسابقين مواقف تذكر. وقد ذكرها الله سبحانه لنا من أجل أن نتعلم منها وأن نعتبر ونتعظ ونتذكر لما فيها من تثبيت للإيمان وتقوية للعزائم وإحسان للصبر، ولنتأكد أن سلسلة الدعوة واحدة في عقيدتها ودعوتها إلى الالتزام بمنهج العليم الخبير، وعاقبتها. وقد جاءت الآيات لتنير للمسلم درب الدعوة وتحدثه عن طبيعة الناس في المواجهة، وعن استحكام العداء بين الكفر والإيمان، وعن الصراع بينها الذي لن يتوقف، وعن الولاء لله والبراء من الشرك، وعن التدخل الرباني بعد اختبار الإيمان وتمحيص العزائم...
    على أن سيرة الأنبياء يُقتدى بها في المواقف ولا يقتدى بها في التشريع. لأن الله سبحانه قد جعل لكل نبي نظاماً مختلفاً قال تعالى: ﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ﴾ ولأن كل نبي كان يبعث إلى قومه خاصة بينما بعث الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة. وكانت رسالته رسالةً خاتمةً، أَمَرَ اللهُ أصحابَ الأديان الأخرى باتباعها وأن يتركوا ما عندهم. قال تعالى: ﴿ إنَّ الدين عند الله الإسلام ﴾ وقال: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾. وقال تعالى: ﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق، مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ﴾.
    ثم إن طبيعة الرسالة التي أنزلت على سيدنا محمد تختلف عن غيرها من حيث كونها خاتمة وشاملة، وتشكل الدولة الإسلامية فيها جانباً هو من أهم جوانبها، حيث تعتبر هي الطريقة الشرعية للمحافظة على الإسلام وتطبيقه ونشره. بينما نجد عند الأنبياء الآخرين الخصوصية في الدعوة , فقد جاءت لأقوام الأنبياء دون غيرهم من الأقوام. وهذا يعني اقتصارها على زمان ومكان معينين. على خلاف الإسلام الذي جاءت أحكامه الشرعية الثابتة صالحة لكل زمان ومكان. وهذا الاختلاف لا يسمح بالقياس بين الإسلام وغيره. ويجعل المسلمين يقتصرون على الأخذ منه دون غيره، لأن أحكامه مترابطة مع بعضها ترابطاً يتناسب مع طبيعته. ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر رسالة سيدنا عيسى فإنها تختلف اختلافاً واضحاً عن رسالة سيدنا محمد. من حيث أنها كانت خلقية روحية ليس فيها دعوة إلى إقامة دولة، وخاصة ببني إسرائيل. فكيف تتشابه الأحكام الشرعية بينهما ؟.
    إننا نأسف أن يأخذ منا البحث في أمر بديهي من أمور الدين كل هذا الوقت، وأنه ليدل على المستوى الذي انحدر إليه دعاة اليوم وليس لنا أن نقول إلاّ ما قاله القرآن الكريم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني … ﴾.

    بقلم: أحمد المحمود / عن كتاب "الدعوة إلى الإسلام
    [motr]من اراد الله به خيرا فقهه في الدين[/motr]

  2. #2

المواضيع المتشابهه

  1. رسالة سيدنا موسى عليه السلام إلى بنى إسرائيل
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-01-2024, 08:28 PM
  2. رسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام " ومعنى الحنيفية "
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-03-2017, 09:07 PM
  3. رسالة سيدنا موسى عليه السلام إلى : فرعون وقومه
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 14-02-2017, 10:37 AM
  4. الملة الحنيفية .. ورسالة سيدنا إبراهيم عليه السلام
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-03-2015, 09:04 PM
  5. أدب الحوار في لغة سيدنا إبراهيم عليه السلام
    بواسطة عطية العمري في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-11-2006, 08:13 AM