أوراق ضاعت في المطر
قصة قصيرة
فجأة بدأ بجمع علبة سجائره وقلمه وعلاقة مفاتيحه وإرتدى سترته مستعجلاً وقال وهو ينظر بالساعة : اعذروني لكني يجب أن أغادر الأن فلدي عمل هام يجب أن أقوم به، وغادر مسرعاً الغرفة التي إجتمعنا فيها مع الأصدقاء كسهرة في بداية الشتاء حول الموقد.
بعد ساعة طُرق الباب، قمت لفتح الباب فوجدته يغطي نفسه بسترته ليتقي البرد وهمّ بالدخول وهو يقول لي : إبتعد عن الطريق بسرعة، الجو في منتهى البرودة في الخارج وأتمنى أن لا يسقط المطر الليلة وينتظر على الأقل حتى غداً.
إستغرب أحد الأصدقاء من أمنيته بعدم سقوط المطر ونحن في بداية الشتاء ونتلهف لسقوط أولى القطرات من السماء لتسمح أثاماً عنا كما تقول جدتي، وتغري الأرض بأن تعبق برائحة أخرى.
جلس قرب المدفأة يرتجف وهو يقول : إن الشتاء جاء مبكراً هذه السنة، لم أتوقع أن يأت بهذه السرعة ولما كنت قد خرجت الليلة.
سأله ذات الصديق الذي إستغرب آمنيته في عدم سقوط المطر قائلاً وبسخرية واضحة : هل خرجت لتحرث الأرض في منتصف الليل لكي تتمنى أن يتأخر سقوط المطر حتى غداً أم أنك خرجت للتعاقد مع صاحب الجرار الزراعي ليقوم بحراثة الأرض لك ؟
هل تحدد للسماء موعداً لبكائها !!
أجابه وفي لهجته نوع من السخرية كذلك على السؤال : هل ما زلتم بسطاء لهذه الدرجة في الفكير، ليست كل علاقات البشر هي علاقة بين العامل وصاحب العمل ... هنالك أمور في الحياة تفوق هذا التصور.
ومن ثم ألقى كالعادة خطابه التنظيري الذي أسمعنا إياه أكثر من مرة حين يأتي علينا نتحدث بأمورنا البسيطة ومشاكلنا اليومية العادية فإستطرد قائلاً : أراهن أن أي منكم لا يفهم معنى السياسة، ولا يفهم دوره القومي أو الفكري في المجتمع، لقد تم حشوكم بأن تعيشوا بسطاء وتموتوا بسطاء.
قاطعته قائلاًً :هل غدت البساطة تهمة أو جرم في مفاهيمك السياسية ومفاهيم حزبك ؟
ألم تكن مثلنا بسيطاً قبل إنتسابك لهذا الحزب الجديد وأنت تعلم عبثية إنتسابك إليه، ألم يكن كلامك سابقاً بأنه من العبث أن يؤمن المواطن العربي بالتغيير الذي يأتي عن طريق أحزاب المعارضة النفعية في ظل هذه الأنظمة، ما الذي غير قناعاتك، وما الذي أفقدك بساطتك في تحليل الأمور ؟
تجاهل كلامي وهو يركض بإتجاه الشباك ويداه فوق رأسه في حركة تشير إلى وقوع ما لا يسره وقال بلهجة مشحونة بالغضب والحزن : يا إلهي ... لقد سقط المطر وذهب كل تعبي هباء، هذه الغيوم الغبية لم تستطع الإنتظار حتى الغد حتى تفتح الناس بيوتها وتقرأ البيانات الملقاة على أبواب البيوت ... حتى السماء تأبى أن يقرأ الناس البيان السياسي الذي أصدره الحزب اليوم... ما هذا الحظ السيئ ... لقد ضاع تعبي تحت مياه المطر .
فقلت في محاولة لمواساته : يا صديقي من يعمل في الليل دون قناعته المطلقة فيما يعمل سيذهب عمله ببساطة أدراج الريح وضحية مياه المطر .. إن بيانك السياسي لن يمنع السماء من أن تمطر ... فحاول أن تتعاطى مع الوضع الحالي وتسخيره لصالحك بدلاً من تمسكك بالأمنيات المستحيلة ... حاول لمرة واحدة فقط أن تعمل في نور النهار خير الف مرة من أن تعتمد على ظلام الليل في إخفائك.
إنتهت
بقلم : مهند صلاحات
عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين