تحدث الدكتور اسماعيل سراج الدين فى بداية مؤتمر " العالم العربى نداء الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية " الذى شاركنا فى فعالياته بمكتبة الاسكندرية بصحبة نخبة متميزة من المفكرين والكتاب العرب 2- 4 ابريل 2014م فأثار الشجون ، حيث خالف السائد وتحدث فى المسكوت عنه وغير المتداول على ألسنة المحللين والمثقفين والكتاب خلال حديثهم عن الثورات والطموحات وأحلام التغيير والاصلاح . لن أعيد كل ما قاله الرجل لكن باختصار شديد هو يقول لنا أننا لا شئ يُذكر فى فعاليات ثورة العلم وانتاج المعرفة ، وحال عالمنا الذى لا يزال يبحث عن صيغة مشتركة للتعايش ويفتش عن منهج مشترك للتوافق والتوحد بين فئاته وتياراته ، ويضحى من أجل اعلان وجوده أخيراً فى العالم الحر الديمقراطى المتحضر يدعو للاحباط ، فحجم التفاوت مخيف ، ومساحة حضورنا الضئيلة جداً على مستوى الثورة المعرفية والعلمية تدخلنا فى حيرة كبيرة ؛ وتساؤلات سوداء حول جدوى ما يدور ان كان هو البداية والمنطلق الحقيقى للحاقنا بهذا الركب وامتلاكنا ما يمتلكه من نهضة ونفوذ علمى واسع ، أو أنه فى حد ذاته يعرقل هذا الانطلاق ويتسبب فى صرفنا عن أسباب التقدم الى مزيد من الاضطرابات والانقسامات والصراعات . تحدث الدكتور اسماعيل عما لا يتحدث عنه غالبية المفكرين فى معرض حديثهم عن الثورة والاصلاح والتغيير ، وأربك تفكيرنا بوضعنا بالأرقام والاحصائيات والحقائق المفزعة أمام حجمنا الحقيقى بميدان الثورة الحقيقية الكبرى فى العالم اليوم فى العلوم والتكنولوجيا والمعرفة ، فهل سينتظر عالمنا كثيراً ليكبر وينال نصيبه من هذا الخير ، كما انتظر كثيراً لينال حقه من الحريات والكرامة ، أيضاً متأخراً كثيراً بعدما نالتها دول وأمم قبلنا بقرون ؟ هناك ما هو مسكوت عنه فى حديث الدكتور سراج الدين عن " المسكوت عنه " ، وقد جنح كعادته للعمق وابتعد عن التبسيط والنظرة الأحادية للحقائق وأراد منا جميعاً النظر للأمور والأحداث والمتغيرات فى العالم نظرة شاملة ، ندرك من خلالها مدى تعقد وتشابك المشكلات وننطلق فى الاتجاه الصحيح بعد أن نكون وعينا مدى قدراتنا وامكانياتنا بما يحمى مسيرنا للتغيير والاصلاح ويسير به بالتدرج المنضبط نحو امتلاك ما يمتلكه غيرنا على كافة المستويات فى مكانه وأوانه ، دون قفزات فى الهواء ولا تشبث بأوهام وخدع كاذبة تطلق لأغراض حزبية وسياسية . الدولة التى أقامها قادة طالبان الأفغانية فى أفغانستان قبل الغزو الأمريكى لها ، سرعان ما انهارت فى أول اختبار واجهته على صعيد المدافعة الحضارية مع الغرب ؛ لغفلة من أقاموها عن أهمية بناء دولة عصرية حضارية قوية قادرة على حماية الشريعة التى تحكم بها وقادرة على المنافسة والبقاء بتقنيات وعلوم ومعارف العصر . فطن الغرب أنهم أمام عدو هزيل وانتهزوا الفرصة واستغلوا الفوارق الكبيرة بين ما يمتلكونه وما تمتلكه تلك الدولة الفقيرة المنعزلة المتقوقعة على ذاتها فهدموها قبل أن يستكمل بناؤها . طالبان أثبتوا بقدرتهم العسكرية أنهم موجودون ويستطيعون الرد فى ميدان القتال ، لكنهم لم يستطيعوا اقامة دولة قادرة على التدافع الحضارى مع الغرب دون أن تطلق رصاصة واحدة من رشاش أحد مقاتليها . فى المؤتمر تحدثت الكاتبة أمينة شفيق لاحقاً عن عبقرية أيمن الظواهرى فى الطب وعن محمد عطا الذى درس هندسة الطيران فى أمريكا ، وأضيف للقائمة النابه أنور العولقى والشاب النيجيرى عمر الفاروق .. الخ وهم واجهوا منفردين الطغيان الأمريكى بصورة خاطئة وأضاعوا على الأمة فرص الاستفادة من عقولهم عبر مسيرة الثورة العلمية الممتدة التى لن يكتب لها النجاح الا بارادة أمة وبقرارات دولة عزمت على التحرر من التبعية . أخشى من خديعة الغرب والأمريكان لنا كخديعتهم للمجاهدين والقاعدة بعد توظيفهم فى محاربة الشيوعية حتى انهيار الاتحاد السوفيتى . المجاهدون لم يمتلكوا ما يمتلكه الغرب وأمريكا للثأر والرد الموازى ، وهل تمتلك دولنا وعالمنا العربى ما يمتلكه الغرب للرد بعد اكتشاف الخديعة والتلاعب والعبث ؟ دعونا نمتلك قوتنا وقدراتنا وامكانياتنا قبل اللعب مع الغرب ، حتى لا يكون مصير حراك الجماهير والثورات كمصير بن لادن والعولقى . هم أرادوا للأمة أن تتحرر وتنافس وتقوى ، ونحن نريد أيضاً لكن كيف ؟