|
أَعدُّ لكِ الأيامَ يا ليلةَ القدْرِ |
ويحفزُني شوقي على قلّةِ الصبرِ |
وفي خاطري ثَبْتٌ بكلِّ مؤمَّلٍ |
تتوقُ إليه النفسُ في مَيعةِ العُمرِ |
تزاحمُ آمالٌ عِراضٌ بمهجتي |
وتُشرفُ غِيدُ الحُلمِ من كُوّةِ الصدرِ |
تلألأَ دينارٌ بسَقفِ مطامحي |
وحفنةُ أرقامٍ على أولِ السطرِ |
جهدتُ قيامًا عند عشرٍ أواخرٍ |
ولُذتُ بمحرابي إلى مطلَعِ الفجرِ |
وقبلَ بُزوغِ الفجرِ واليأسُ مُطرِقٌ |
تجلّى ملاكٌ ناصعُ اللونِ والطُّهرِ: |
أنا قَدْرئيلٌ فَادعُ ما شئتَ يُستَجبْ |
ولو جَلَّ ما تدعو عن الوصفِ والحصرِ |
تلعثمتُ مما قد عرانيَ دهشةً |
فما أهتدي والنورُ عندي فلا أدري |
نسيتُ بياني والملاكُ يحُثُّني |
على وقعِ لحنٍ في سكونِ الدجى يسري |
فصحتُ:أغِثني يا سليمانُ إنني |
أرى الأمرَ قد أودى إلى قمةِ الكفرِ |
أريدُ سليمانًا ليحكمَ بيننا |
ويرفعَ ما نالَ العبادَ من الضرِّ |
يقولُ:سليمانُ بنُ داود عليهما |
السلامُ؟ أتدري ما ترومُ من الأمرِ؟! |
يشدُّ تلابيبي ويصرخُ مُحْنَقًا: |
أتدعو نبيَّ اللهِ يا أوقحَ الزُّعرِ؟! |
وما دعوتي يا سيدي لابنِ مُرسَلٍ |
وما حاجتي في عالِمٍ منطقَ الطيرِ؟ |
ولكنني في ابنِ الخلائفِ طامعٌ |
نَمى لمنافٍ وارتقى لبني فِهرِ |
إليَّ بابنِ الأكرمينَ أميةٍ |
فنعم ملوكُ العُربِ في تالدِ العصرِ |
أميةُ بين الخافقينِ تربّعوا |
ملوكًا على الدنيا من البِيضِ والصُّفرِ |
وكيف تعودُ القهقرى أُمّةٌ خلتْ |
ونحن على وشْكِ القيامةِ والحشرِ؟ |
وهَبْهُ أتاك اليومَ حيًّا فمَن له |
بمملكةٍ في الأرضِ يا باردَ الفكرِ؟ |
إذًا حسبُهُ الآنَ الشآمُ دويلةً |
وأطلقْ يديه حاكمًا ثَمِّ في مصرِ |
فلا حُكمَ أوِ استقرارَ فيها،وإنهُ |
سليلُ غطاريفٍ وأَولى مِن الغيرِ |
وهل يرتضي مَن كان في مثلِ مُلكِهِ |
بدكّانةٍ زوراءَ في شارعٍ مُزرِ؟ |
وإنْ رغبَ السلطانُ صيفًا بِ"رَملةٍ" |
فمَن ذا الذي يُنبيهِ قاصمةَ الظهرِ؟ |
مدينتُه صارت مطارًا معاديًا |
وغَطّى مع"اللدِّ" اسمَها باسمِه العِبري |
وجومٌ ورأسي فوق حِجري تطأطأتْ |
نكأتَ جراحًا عارياتٍ على صدري |
تململَ جنبٌ لا يقرُّ على جمرِ |
إلامَ يُطيقُ الحُرُّ صبرًا على القهرِ؟ |
وخلفَك تاريخٌ بعزِّك متخَمٌ |
فكيف رضيتَ الجوعَ من قِسمةِ الدهرِ |
وسالفُ أسفارٍ لمجدٍ مؤثَّلٍ |
مَحتْها حواشي الذلِّ في حاضرِ السِّفْرِ |
صحائفُ أسلافٍ طهورٌ نواصعٌ |
ودُنِّسَ بالأحفادِ أُنموذجُ الطهرِ |
سليمانُ من خلفِ الجيوشِ يزُجُّها |
إلى المجدِ من نصرٍ تسيرُ إلى نصرِ |
لنا أمراءٌ في السياسةِ أبدعوا |
وأما الوغى فالفأرُ قادَ إلى الفرِّ |
فهاتِ أبا أيوبَ يومًا يسوسُنا |
فقد يبسمُ الحظُّ المعسَّرُ باليسرِ |
أغثني بمَن لا حَلَّ إلا برأيِهِ |
فقد جَلَّ فسقُ القومِ عن طاقةِ الحُرِّ |
يُقوِّمُ أَمتًا واعوجاجًا بخُلقِهم |
فهلاّ نفختَ الروحَ في رِمّةِ القبرِ؟... |
أنا الملِكُ الأسنى إمامًا متوَّجًا |
فمَن ذا دعاني قبل داعيةِ النشرِ؟ |
هلمَّ أبا أيوبَ فالقومُ أفحشوا |
وأفضى بهم لِينُ السماعِ إلى العهرِ |
ثنى عِطفَه نحوي ونادتْهُ أزمانُ |
وأقبلَ من خلفِ القرونِ سليمانُ |
هناك سورُ الصينِ حدًّا لشرقِهِ |
يدوسُ ثراهُ باهليٌّ وفرسانُ |
وعند مياهِ الأطلسيِّ غروبُهُ |
وما جازَ أقطارَ الجزيرةِ إسبانُ |
كأنّ الردى ما مسَّ فاهُ بكأسِهِ |
ولا لفَّعتْ جسمَ الخليفةِ أكفانُ |
سلوهُ ألا كم قد لبثتَ فربما |
يُجيبُ:كرى ليلٍ وها أنا يقظانُ |
تمطّى من الخدْرِ الثقيلِ مزمجِرًا |
فما اعتادَ إطلاقَ الجوارحِ جثمانُ |
يُداهمُه ضوءُ الحياةِ فيتقي |
بكُمٍّ كما يزورُّ في الصحوِ وسنانُ |
تقدَّمَ نحوي والسؤالُ يشدُّهُ |
فُضولاً:لِمَ استدعيتَني أيها "المانُ"؟! |
أظنُّك يا "قدْرالُ" أخطأتَ بُغيتي |
أهذا شلومو أَم مُرادي سليمانُ! |
لعلك جاورتَ الفِرنجَ ببرزخٍ |
فبِتَّ تُحاكي ما يقولُ الأمِركانُ! |
أوَ أنك جاسوسٌ كغيرِك؟لا.وهل |
يفوقُ ملاكَ اللهِ في المكرِ إنسانُ |
دعوتُ أميرَ المؤمنينَ لمُعضِلٍ |
وأمرٍ جليلٍ في الرزايا له شانُ |
فيا سيدي أنّى تلفتَّ حولَنا |
أمامَك أقحابٌ وخلفَك خِصيانُ |
ترنّحَ في وسطِ الجموعِ وكلُّهم |
بلا طربٍ لكنْ سُكارى وسَكرانُ |
يُغنّي ببنطالٍ يُرجرجُ رِدفَهُ |
فسِيانِ إنْ يلبسْهُ أو هو عريانُ |
ووجهٌ من الحَفِّ الدقيقِ مورَّدٌ |
وزيدتْ عليه من مساحيقَ أطنانُ |
وأُقسِمُ لو أني بصقتُ بوجهِهِ |
تزحلقَ بصقي فوقَهُ وهْو عجلانُ |
ايُعقلُ هذا يا رجالُ؛مخنّثٌ |
ولكنهُ عند الجماهيرِ فنّانُ! |
وغانيةٍ تَثني قوامًا مكبَّلاً |
بضِيقٍ كما ينسابُ في الرملِ ثعبانُ |
تغنّي ففيمَ الرقصُ والقصفُ ماجنًا |
وما حسُنتْ صوتًا بلِ الجسمُ إحسانُ |
تفِحُّ بصوتٍ للنشازِ مرادفٍ |
وما هَمَّهم صوتٌ إذا الجسمُ ريّانُ |
مُصنَّعةٌ لا شيءَ فيها مؤصَّلٌ |
فنفخٌ وشفطٌ والسليكونُ ألوانُ |
وما عجزوا عن نفخِ سُفلِ عجيزةٍ |
فما أسفلَ الأنسانَ!(للعَينِ إنسانُ) |
ولو أنهم ضِمْنَ المواخيرِ أفحشوا |
ولكنهم ضِمنَ المساكنِ مُجّانُ |
أطلّوا من التلفازِ في كلِّ مَسكَنٍ |
كأنهمُ في الوُقْحِ والقُبحِ غِربانُ |
فكيف استتارُ المرءِ في بيتِهِ وهم |
لهم بين ظَهرانِيهِ في البيتِ أغصانُ |
ولو تُرِكوا هانوا ولكنهم لهم |
هنا من بني الإعلامِ والحكمِ أعوانُ |
إذا عنهم الآذانُ صُمَّتْ تسوّروا |
عليك وللجدرانِ في الحيِّ آذانُ |
تُطاردُك الألحانُ في كلِّ شارعٍ |
وتدخلُ عُقْرَ الدارِ ما ثَمَّ جُدرانُ |
لقد بلغوا منا بأهونِ حيلةٍ |
هوانًا كَبا عنه عدوٌّ وشيطانُ |
رأيتَ؟لقد جَلّتْ رزيّةُ أُمةٍ |
فجرِّدْ لها رأيًا ودونَك سلطانُ |
تعجَّب من شكوايَ تلك سليمانُ |
وهاجتْهُ من شجوِ الشكايةِ أشجانُ |
وكيف يُطيقُ العيشَ حُرٌّ بحالِكم؟ |
وهل عربٌ أنتم أمِ القومُ رومانُ؟ |
بأمرِ أميرِ المؤمنينَ: عليكم |
بخصيِ جميعِ المطربينَ،ولا تانوا! |
ونفيِ جميعِ المطرباتِ فشرِّدوا |
بهنَّ إلى الصحرا يسُسْهنَّ رُعيانُ |
رويدًا أميرَ المؤمنينَ فعندَنا |
محاذيرُ يقضي أخذَها منك حُسبانُ |
سقى اللهُ أيامًا كماجدِ عصرِكم |
كَفاهُ لأمرٍ مِن جنابِك فرْمانُ |
إذا شاء ظِلُّ اللهِ في الأرضِ حاجةً |
أطاعتْ له من فورِه الإنسُ والجانُ |
ولكنْ هنا يا سيدي الشرعُ والهوى |
دساتيرُ إفرنجيةٌ وهْي قرآنُ |
حقوقٌ وجمعياتُ رِفقٍ ومجلسٌ |
يُديرُ وميثاقٌ يُنيرُ وإعلانُ. |
تبرّمَ مني نافدًا منه صبرُهُ: |
هراءٌ وحسبي عن هرائك ديوانُ |
أشاءُ فيُملي بالمشيئةِ كاتبٌ |
وتصدعُ بالطاعاتِ والسمعِ بلدانُ. |
بلى إنما دَعنا نصوغُ بيانَه |
بلهجتِنا فالأمرُ يجلوهُ تبيانُ: |
على كلِّ مَن شاءَ الغناءَ شهادةٌ |
تفيدُ بتأهيلٍ ويشفعُ برهانُ |
على أن ذا المذكورَ خاضَ جراحةً |
طواعيةً واستأصلَ الخصوَ فنانُ |
وذلك تجويدًا لصوتٍ مقَدَّرٍ |
ودافعُهُ فَنٌّ وهاديهِ إيمانُ |
يُضحّي لأجلِ الفنِّ دونَ تردُّدٍ |
ويخلو له إذْ زالَ عن قلبِه الرانُ |
يُطهّرُ نفسًا بالختانِ ثانيًا |
مُجِدًّا على فنِّ كما جَدَّ رُهبانُ. |
تضاحكَ ضيفي هازئًا:والنساءُ هل |
لهنَّ ختانٌ مثلما سِيقَ إخوانُ؟! |
أراك خفيفَ الظلِّ يا أمويُّ،هل |
تُطيقُ إذا رامتْك بالكيدِ نسوانُ؟ |
فدعْ عنك ما قد يستثيرُ حفيظةً |
لديهنَّ،لا يُجدي مع النقصِ نقصانُ |
فأما الجواري فالمفاتنُ فتنةٌ |
وإنْ سُترتْ ما ثَمَّ في الناسِ ولهانُ |
فتأمرُ أن يلبسنَ زِيًّا موحَّدًا: |
خِيامًا فلا رأسٌ تبدّتْ وسيقانُ. |
وأين افتتانُ الصوتِ إن سالَ رائقًا |
فجُنَّ رشيدٌ أو تحامقَ نشوانُ؟. |
ومَن قال إن الأُذْنَ تفقهُ قولَها |
وكلُّ الورى في فتحةِ الصدرِ أعيانُ! |
رضيتُ غناءَ الغانياتِ إذاعةً |
ولكنْ على التلفازِ لا؛ فهو كفرانُ |
دلالٌ وغنجٌ في سفورٍ وعورةٍ |
فتهتزُّ أخدارٌ ويهتاجُ شُبّانُ |
إذا كان صوتُ المطرباتِ كجمرةٍ |
فعينُ تلوِّيهِنَّ للناسِ نيرانُ. |
بيومينِ نصفُ المطربينَ تقاعدوا |
ونصفٌ على بابِ العياداتِ زحمانُ |
وأعمدةٌ للنورِ ترفعُ خيمةً |
وكانت قديمًا بالمفاتنِ تزدانُ |
فتلك "وَبالٌ" خيمةً فوق مسرحٍ |
"ووطفاءُ" من بينِ التصاويرِ صِيوانُ |
تبسّمتُ والتلفازُ ساجٍ هدوؤهُ |
فنشرةُ أخبارٍ تُذاعُ وإعلانُ |
أمامي سليمانٌ يُشاهدُ واجمًا |
وأخبارُنا زِفتٌ يسيلُ وقطرانُ |
بمُقلتِهِ دمعٌ تشبّثَ جاهدًا |
ومِن جبهةٍ غرّاءَ تطفرُ أحزانُ |
أتبكي،أميرَ المؤمنينَ،أيُعقَلُ؟! |
عزيزٌ علينا أنّ عينَك تهمِلُ |
أأشجاك تذكارُ الحبيبِ ومَن خَلَوا |
وشاقَك مِن أيوبَ ما كان يفعلُ؟ |
وفِعلُ بني العباسِ في قطعِ رَحْمِهم |
وذاك الفتى نحوَ الجزيرةِ يُوغِلُ |
فحسبُك أنْ ولّيتَ بعدَك عادلاً |
وقد كنتَ في حقِّ الرعيّةِ تعدلُ |
ولم تُبقِ للحَجّاجِ والظلمِ صفحةً |
وخلّفتَ شعبًا بالرفاهةِ يرفلُ. |
تأوّهَ ثم انهارَ كالطفلِ باكيًا |
وأسرعَ بالكُمِّ المبلّلِ ينشِلُ |
مصائبُكم جَلّتْ فيا بؤسَ أُمةٍ |
وكلُّ مُصابي في أُميّةَ يسهلُ |
بأيّةِ حالٍ جئتَني بعد رقدتي |
وهل بعد هذا يستقرُّ مزلزَلُ |
تجرّعتُ كأسَ الموتِ أولَ مرةٍ |
لماذا تُثنّيهِ؟ألَم يكفِ أوّلُ؟ |
دعوتَ من الأجداثِ آمِنَ روعةٍ |
وها أنا حيًّا من دعائك أُقتَلُ |
وفي ذمّةِ التاريخِ ،في غُرّةِ السَفْرِ |
تمدّدَ جنبًا مُتعَبًا في حشا القبرِ. |
وفي هدأةٍ من ليلةٍ راقَ صمتُها |
سمعتُ دبيبَ النملِ في نقرةِ الصخرِ |
نسيتُ سليمانًا وما بؤتُ مِن أسىً |
عليه فقد أصلحتُ مَفسدةَ الدهرِ |
أنامُ على حُلْمٍ يراودُه الكرى |
وأُغمضُ أجفانًا إلى مطلعِ الفجرِ |
ولكنّ كابوسًا يؤرّقُ غَفوتي |
وصوتًا بعيدًا نَفّرَ الحُلْمَ في الخِدرِ: |
"حبيبي على الدنيا إذا غِبتَ وحشةٌ..." |
نسينا،أميرَ المؤمنينَ، خُصى فخري!! |