أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: طلقة ..

  1. #1
    الصورة الرمزية دينا نبيل أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    الدولة : مصر
    المشاركات : 117
    المواضيع : 19
    الردود : 117
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي طلقة ..

    طلقة ..

    طلقة ..
    وماء يسيل .. من بين رجليها يبلل المقعد ، في الأرضية بركة تغمرُ قدميها ..
    ..
    طلقة ..
    ودماء تنفجر .. بقعة بنفسجية تعلو فستانها الأزرق ، لا تفرق كثيرًا عن لون شفتيها ..
    ....
    لم يرعبني منظرها هكذا .. فقد تلقيت الصدمة كاملة أول ما أبصرتها ! ، بالكاد أتفرسها تحت وميض البرق .. هزيلة تشد شعرها الطويل المتهدل المبتل ، لا تفتر عن طرق المقعد الخشبي بكفيها .. رأسها إلى السماء ، يُرجّع صراخها صدىً يلاحقُ الرعد .. من هذه المجنونة التي تخرج في مثل هذه الساعة من تلك الليلة العاصفة ؟! .. تنتظر الحافلة ؟ .. وحدها ؟! .. أين زوجها أو أحد ذكور عائلتها ؟! ..

    أتلفت حولي عساني أجد لها نجدة ، لم يكن غيري .. نزلت من سيارتي ، أسندتها إلى كتفي وهي تسند أسفل بطنها المتكور المنتفخ بيدها ، جسمها البارد ينتفض بين ذراعيّ .. "ما أفعل ؟! .. إلى أين آخذكِ ؟!" ..

    صراخها يوترني .. أنساني العناوين والأماكن!، كل المباني متشابهة .. ضخمة غارقة في صمت عجيب ، يجعلها أكثر وحشةً من ظل خلفية للوحة أطلالٍ مقبورة ، تستثير هلعي باقتدار! .. في تلك المدينة الغريبة التي هجرها سكانها هذه الليلة فقط ، لا تتحرك سوى سيارتي الهوجاء تدور في متاهة ، تتعملق الدقائق ، تضغط أعصابي .. تنحتها بأزميل .. تتساقط فتاتاً بسيارتي أدهسه ، بينما أنا مشلول على المقود!
    ..
    تتشبث بذراعي وتمرغ وجهها في كتفي ، تسمرني في مدن فزعي التي أجتازها بمركبتي .. أردت قطع ذلك الصراخ الجنوني بنزر حديث عاقل .. " من أنتِ؟ .. كيف أتصل بأهلك ؟ " .. فجأة تبتعد عني .. تتكئ على النافذة وتنخرط في البكاء .. أنظرها في ضوء السماء الكهربائي الخاطف .. مليحة ملامحها .. أجل! .. تبدو يافعة رغم شحوبها وزرقة شفتيها .. وقطرات المطر على الزجاج التي تخطّ وجهها دموعاً قاتمة مبعثرة ..
    أحاول لملمة شتاتها .. " لمَ تبكين ؟ "
    تمسك بأسفل بطنها ترفعه وتضم فخذيها بارتجاف .. " لا أريد أن ألد ! .. ليتني أحبسه في ( عنقي )، تنحشر رأسه بداخلي فيختنق .. قبل أن أسمع صراخه .. قبل أن أراه .. قبل أن أشتم جلده الوردي ، عندما للدنيا أطلقه ! "
    ....

    طلقة .. طلقة ..
    يسيل الماء .. تنفجر الدماء ..
    بركة في أرضية السيارة .. وبقعة على الفستان ..
    وأزرار الفستان على عجل تفكها .. قد استعر جسدها .. ترشح من الثنايا .. تجتاحها الرجفات ، يعلو الصراخ وتمسك ببطنها .." لا .. لا تنزل !!"

    - "سننزل ! .. هيا ، ها هو المشفى !"
    تأبي .. يجذبها بكلتا يديه .. تتشبث بالمقعد وتصيح في وجهه .." دعني أموت هنا ! " .. يحاول إخراجها من السيارة وهي تسحب نفسها إلى الداخل .. تجلس مستعرضة لتنحشر في الباب ..
    تخشى عالماً سيتغير فيه اسمها .. تحزر أن توسم بختم لن يبارحها ..
    حين تنفصل عن بنات جنسها اسماً ومضموناً ..
    حين تتصل بوليدها بذاك الحبل ( السِّري ) كأمّ عرجاء ..
    حين ترسف مترعة بالألم في حجر أمومة شوهاء ..
    ...

    كم هي عسيرة إزاحتكِ ! ..
    مؤلم خمشكِ إياي !
    أ تُراهم يسرعون نحوي يخلصونني من مخالبها المستحكمة ؟! .. يشدونها من ذراعيها ورجليها ليجلسوها على كرسي مدولب .. يمرقون بها وسط سيول الأمطار .. العجلات تنزلق بين طين وماء .. وقطرات دماء .. يشظيني أزيزها تحت دورانها المرتجف ..
    ....
    -- " أسرعوا !!"
    طلقة تدوّي في بهو المشفى .. على إثرها هرع أصحاب المعاطف البيضاء بالنقالة ، والمرأة تلقي بنفسها على الأرض ، تلوثها ببقاياها .. تتلوّى .. لا يزال فيها رمق المقاومة ! .. تحاول الفرار .. يلقون بأنفسهم عليها يثبتونها في الأرض كمجرم رهن الاعتقال .. يتكالبون عليها .. على الذبيحة ! .. كل منهم يتناول طرفاً .. وذاك أسفلها يطالبها أن تفتح رجليها ..!
    وددت لو استدرت وخرجت من الباب مسرعاً.. وددت لو أواري وجهي بين كفي .. لكنني كنت أرتعد كلّما علا بكاؤها .. تنظر إليّ من بعيد معاتبة إياي .. أنا من أحضرتها إلى هنا ، كم رجوت لو أرفعهم جميعاً عنها .. أن ألكمهم خاصة ذلك الذي يضربها على فخذها .. لكن ..

    -- "ها هو الرأس ..! .. هيا .. ادفعي لأسفل قليلاً ! .. تنفسي ! "
    يده تخرج من تحتها ترسم كفّاً من الدماء على الملاءة البيضاء .. يولّدها .. يغتالها .. وأنا منكمش في زاوية الباب .. يرميني بين حين وآخر بابتسامة مواربة ، أنّه قد شرف على الانتهاء منها .. وسيسمح لي بالاقتراب .. لمّا يحين دَوري ! .. أنينها ينحبس .. ينحبس في حلقي ريقاً علقماً ! .. تتصلّب صورتها في محجريّ، وقد بدأت نظراتها تذوي شيئاً فشيئاً ..

    وتعود طلقةٌ جديدةٌ بالقفز إلى هذا الجسد المتفسخ تنطره ، ليطلق صراخاً من جميع الجوانب ، فيجتمع صوتهما في صدري يضجُّ منهما بالبكاء .. يلفّون قطعة لحم حمراء في منشفة كبيرة يأخذونها بعيداً.. تزعق على أمها .. أمها التي غابت عيناها في ضوء الكشّاف المسلط عليها .. حتى .. ألقيت الملاءة على وجهها بلا اكتراث ..
    أخذني الخدر .. قرفصت في الأرض ، لم تعد رجلاي تحملاني .. لم تعد عيناي تبصران ، قد تزاحمت الصور والألوان .. وماهت بين خطوات الأقدام السريعة حولي هنا وهناك ، وتلك اللفافة التي دفعت إليّ دفعاً لأخرج من الباب مذهولاً مما رأيت ..

    في الخارج .. مطر ..
    وصراخ منبعث من تلك اللفافة أستفيق عليه وأنا تحت زخات من المطر .. أدثّر ذلك الوليد الذي فتح فاه وأداره نحو صدري ، فلا يجد سوى ثيابي المبتلة .. راح يلكزني بقدميه الصغيرتين .. أين أذهب به ؟.. أجسّ أطرافه .. بدأت تبرد .. تتيبس .. تتمعدن .. أسحّ فوقه .. عبراتي تقرعه .. سواد ثقيل بلا هواء يتوسدني ، فتغمغم الأصوات من حولي ، لم أعد أعي ما أسمع سوى نشيجي المتقطع ..
    أقلّبه من جميع الجوانب .. تنقشع الغيامات عن عينيّ ..والآن أراه .. أسودَ معدنيّاً .. فاتحاً فاه في وجهي بلا صوت .. أنتظر مِن فِيه طلقة تخرجني من عالمي ..
    فينتظرني أن أضغط على زناده لينفجر في وجهي ! .. كانفراجة " أنت ابن حـــرااا ..! " من بين شفتين عابثتين .. تعيدني في كل مرة إلى حكايتي ذاتها ..
    ...
    والتي بطلتها في كل مرة ..
    تلك التي ألعنُها كل يوم!


  2. #2
    الصورة الرمزية نادية بوغرارة شاعرة
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 20,306
    المواضيع : 329
    الردود : 20306
    المعدل اليومي : 3.19

    افتراضي

    يا لها من مأساة !!!

    لقد جعلتنا نعيشها بتفاصيلها المرّة ، و تداعياتها الأليمة ،

    حمل كأنه الإجرام وولادة كأنها الإعدام ،

    و موت كأنه الخلاص و ذاكرة حية لا يطويها النسيان ، و لا تمحوها الأيام ..

    كل هذا في مشهد درامي تتلاحق فيه الأنفاس ، و هي تشعر باقتراب نهاية

    مسلسل العذاب ليترك المكان لعذاب جديد .

    المبدعة دينا نبيل ،

    كنت هنا بارعة في جعل الطلقة تصيبنا ، و توجع .

    دمتِ و قلمك الرصين .
    http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=57594

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,787
    المواضيع : 392
    الردود : 23787
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    طلقة أحيت وأماتت وأبكت وآلمت
    الرائعة أديبتنا دينا ...
    كانت الأحداث متلاحقة أجبرتنا على المتابعة مشدوهين لروعة الحكي وتألق المشاهد
    تألمت واستمتعت هنا
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية وليد عارف الرشيد شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2011
    الدولة : سورية
    العمر : 60
    المشاركات : 6,280
    المواضيع : 88
    الردود : 6280
    المعدل اليومي : 1.39

    افتراضي

    ما شاء الله لا قوة إلا بالله ... لوخيرتُ بين أرى هذي المشاهد مصورةً أو ممثلة وبين أن أقرأ هذه الروعة لفضلت القراءة بلا تردد
    بارعةٌ أنت لغةً وأسلوبًا ومعاني
    لله درك أخية ما آلم ما اقتحمت به وجداننا وما أجمل ما أمتعت به هذا الصباح
    مودتي كما يليق وتقديري

  5. #5
    الصورة الرمزية علي أحمد معشي أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : السعودية
    المشاركات : 428
    المواضيع : 63
    الردود : 428
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    مغرقة في الألم هذه القصة .. جاذبة للفضول من البداية إلى النهاية.

    الأسلوب .. الكلمات .. السرد كل شي جميل هنا

    سؤال : ( يجذبها بكلتا يديه .. تتشبث بالمقعد وتصيح في وجهه ) من هو هذا الذي يجذبها ؟ اذا كان المولود فكيف يكون ذلك ؟ واذا كان قائد السيارة فلم تغير الخطاب وقد كان يروي القصة من أولها . ربما لم أفهم التسلسل وآمل التوضيح كرماً

  6. #6
    الصورة الرمزية دينا نبيل أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    الدولة : مصر
    المشاركات : 117
    المواضيع : 19
    الردود : 117
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية بوغرارة مشاهدة المشاركة
    يا لها من مأساة !!!

    لقد جعلتنا نعيشها بتفاصيلها المرّة ، و تداعياتها الأليمة ،

    حمل كأنه الإجرام وولادة كأنها الإعدام ،

    و موت كأنه الخلاص و ذاكرة حية لا يطويها النسيان ، و لا تمحوها الأيام ..

    كل هذا في مشهد درامي تتلاحق فيه الأنفاس ، و هي تشعر باقتراب نهاية

    مسلسل العذاب ليترك المكان لعذاب جديد .

    المبدعة دينا نبيل ،

    كنت هنا بارعة في جعل الطلقة تصيبنا ، و توجع .

    دمتِ و قلمك الرصين .

    الأستاذة الغالية ..

    نادية بو غرارة

    تقديري لك على المرور الطيب وتفاعلك الراقي مع ما كتبت .. وهو حمل الجريمة بالفعل ، تلك الجريمة والتي تبقى تلاحق من انتسب إليه إلى آخر عره ..

    امتناني لطلّتك سيدتي ..

    تحياتي

  7. #7
    الصورة الرمزية دينا نبيل أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    الدولة : مصر
    المشاركات : 117
    المواضيع : 19
    الردود : 117
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري مشاهدة المشاركة
    طلقة أحيت وأماتت وأبكت وآلمت
    الرائعة أديبتنا دينا ...
    كانت الأحداث متلاحقة أجبرتنا على المتابعة مشدوهين لروعة الحكي وتألق المشاهد
    تألمت واستمتعت هنا
    تحاياي

    أ / آمال المصري ..

    شكرا لمرورك الجميل وتفاعلك الراقي .. وآسفة إن كنت آلمتك .. ولكن هو الموضوع ، سعدت بتواجدك في متصفحي

    تحياتي

  8. #8

  9. #9
    الصورة الرمزية عايد راشد احمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2009
    الدولة : تائه في دنيا المعاني
    المشاركات : 1,865
    المواضيع : 49
    الردود : 1865
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله

    استاذتنا واديبتنا الفاضلة

    الم ورعب وطلق

    وتيجة طبيعية لخوف ناجم هن خطأ لا يغفره المجتمع

    كنت مع القصة عدة مرات وكانه فيلم سنيمائي يمر امام عيني اراه لا كلمات اقرأها

    رائع ما جدتي به

    تقبلي مروري وتحيتي
    صاحب البسمة والنسمة
    تقيمك بمشاركة مطلوب كما انت تحتاج فلا تبخل

  10. #10
    الصورة الرمزية دينا نبيل أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    الدولة : مصر
    المشاركات : 117
    المواضيع : 19
    الردود : 117
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي أحمد معشي مشاهدة المشاركة
    مغرقة في الألم هذه القصة .. جاذبة للفضول من البداية إلى النهاية.

    الأسلوب .. الكلمات .. السرد كل شي جميل هنا

    سؤال : ( يجذبها بكلتا يديه .. تتشبث بالمقعد وتصيح في وجهه ) من هو هذا الذي يجذبها ؟ اذا كان المولود فكيف يكون ذلك ؟ واذا كان قائد السيارة فلم تغير الخطاب وقد كان يروي القصة من أولها . ربما لم أفهم التسلسل وآمل التوضيح كرماً

    الأستاذ القدير .. علي معشي

    أولا أشكرك على مرورك القّيّم المتميز بما كتبت هنا .. وأشكرك أيضا على التعليق

    ثانيا : بالنسبة لسؤالكم الكريم .. نعم كان الذييجذبها هو السائق وليس المولود طبعا ، أما لماذا تغير الخطاب من الراوي المشارك ( السائق ) إلى الراوي العليم ( بصيغة الغائب ) ، لو لاحظت حضرتك ذلك الجزء ، فإنه وصف لنفسية المرأة حالة خروجها من السيارة .. هذا لم يكن في مقدور السائق التعرف عليه ؛ فكيف يدخل في نفسها ويعرفه ، فتحتم هنا تغيير الخطاب إلى الغائب وهذا مقبول في السرد
    فتعدد الرواة لا بأس به بل هو من سمات الحداثة .. أتمنى أن أكون أجبت على سؤالكم

    وأخيرا تقديري لشخصك المحترم على التفاعل الراقي والحرص على فهم ما كتبت ..

    تحياتي

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. طلقة ! ق ق ج
    بواسطة علياء التميمي في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 40
    آخر مشاركة: 29-10-2015, 03:22 PM
  2. طلقة(ستة نجوم )
    بواسطة حارس كامل في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 27-10-2015, 03:38 PM
  3. طلقة أخيرة
    بواسطة هشام النجار في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-04-2014, 01:17 AM
  4. طلقة
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 10-05-2007, 07:14 PM