هذا المقال البسيط هو هديتي إلى ملكنا الشاب بمناسبة مرور ست سنوات على تقلده زمام الحكم بالمغرب, وهو بمثابة تجديد البيعة والعقد الاجتماعي بين شريحة كبرى من الشعب المغربي والدولة العلوية الحاكمة, شريطة الالتزام بما جاء به الدستور الوضعي والتشريع السماوي.
واعلموا, فخامة السلطان, أنا على العهد باقون, فرغم الأخطاء التي قد تصدر من جهتكم – عن قصد أو غير قصد – ستجدون أيدينا ممدودة للإصلاح الداخلي والوقوف في وجه أباشات أعداء الوطن والدين.
"الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات.
وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها." الفصل التاسع عشر من الدستور المغربي.
"شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته" الفصل الثالث والعشرون من الدستور المغربي.
"للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش." الفصل الثامن والعشرون من الدستور المغربي.
تظهر الفصول السابقة المقتبسة من الدستور المغربي المكانة السامية التي يخولها هذا الأخير لشخص الملك باعتباره أعلى سلطة في البلاد, تمارس مجموعة مهام دينية وسياسية وبذلك فإن العلمانية – رسمياً- مكسرة في المغرب ولا داعي لتكرار تلك النداءات الباطلة القائلة بحرمان الملك من سلطته العقائدية. وفي هذه النقطة بالذات, أي المسألة الدينية, يجدر إثارة أمر مهم ألا وهو التعدد الإثني -في المغرب- أو تعدد العصبيات بمفهومها الخلدوني.
فلجام ثورة العصبيات هو الدين, والبرابرة على مدى عقود طويلة خضعوا للدول العربية المتعاقبة على حكم غرب إفريقية (المغرب) لأن جلها جعل القانون الرباني منطلق الأحكام داخل المجتمع كما لقب حكامها بأمراء المؤمنين. لذلك, كلما حاولت عصبية بربرية الانقلاب على السلطان ارتدت عن الإسلام أو انضمت إلى طوائف الخوارج. ونفس الحادثة تتكرر اليوم, فمعظم الأمازيغيين متمسكون بالعلمانية لأنها ستخلصهم من ضغط لقب "أمير المؤمنين", وبالتالي سيحصلون على حريات غير صحية قد تدفعهم إلى المطالبة بإسقاط الملكية في وقت من الأوقات.
إن متطلبات الإخوة الأمازيغيين, الآن, لا تعدو أن تكون أشياء سطحية كقضية إضافة اللغة إلى الدستور كلغة رسمية بجوار اللغة العربية, وتمرير برامج تلفزيونية بلغتهم تتحدث عن تاريخهم وحضارهم..., وكل هذه الرغبات تدور في فلك ثقافي يشعرون بأنهم مهمشون ومقصون داخله.
والحل هنا بين يدي الملك فله أن يرضخ لمتطلبات البربر(المواطنون الأصليون) ويقحمهم بشكل حقيقي في المعادلة السياسية والثقافية الوطنية, وعليه سيكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد, فمن جهة ربح عصبية تدعم عرشه وتزيد في عمر مملكته, ومن أخرى سيكون قد قضى على عصابات تدعي التنوير "الديكارتي" والحداثة!!!.
قد يقول قائل أن الدستور في الفصل الثامن والعشرين يسمح للملك بفرض تشريعات "ليست موضوع نقاش". والظاهر أن في ذلك تجبر أو تسلط وديكتاتورية, وهذا صحيح إلى حد بعيد, لكن ما يجب أن يعرفه السلطان هو أن مثل هذه النصوص لا تخدمه ولا ترسخ حكمه – كما يعتقد – بقدر ما تخلق قلاقل في الأوساط المثقفة وخاصة لدى الذين في قلوبهم مرض من أولائك الحاقدين على المملكة سواء من الداخل أو من الخارج.
فإذا حدثت مثل هذه التعديلات الطفيفة على المستوى النصي والعملي سينال الحاكم دعم نخب جديدة, ولا نتكلم هنا عن دعامات شعبية لأن شعبنا الحبيب ما زال يغط في سبات عميق, فهو مع الملك إذا سمع نخبة فكرية تقول: "عاش الملك" وضده إذا سمع أخرى تصرخ:" فلتسقط الملكية".
هناك موضوع حساس آخر يجدر بنا أن ننبه حاكمنا إليه: ما يتعلق بالقصور والأموال التي تصرف على باقي أفراد العائلة المالكة, نقول أنه ونظراً للمعاناة التي يعرفها الشعب من فقر مدقع وتدني في المستوى المعيشي عنده, نطلب من فخامتكم إعادة النظر في تلك القضية والسعي إلى التقشف وإعادة الروح الشبابية للمملكة (بالمعنى الخلدوني لمفهوم "شباب الدولة").
- حسب مبدأ ابن خلدون –, الدولة تمر من ثلاث فترات عمرية كبرى تعد بالأجيال, في المرحلة الأولى يكون خلق البداوة وما يحمله من رزانة واشتراك في المجد ما زال بادياً في تصرفات الحكام الأوائل, أما الثانية فيكون خلالها الجيل الثاني من الحكام قد بدأ بالانسلاخ عن سالف عادات أسلافه بشيء من التوجه إلى الترف والانفراد بالمجد وهو بداية التأسيس لفترة ثالثة, خالية من أي مسؤولية بالمعنى الخشن للكلمة, وهو بناء لقاعدة الانهيار التام للدولة بكل مؤسساتها.
إن كل الثغرات التي تضمرها المؤسسة الملكية بداخلها هي بمثابة قنابل سيفجرها المُلك أنفسهم, لأنهم سيظنون أن عدم ثورة الشعب عليهم هو قبول, بخوف من الردع أو عدمه, لكن هذا خطأ, لأن الشعب يثور نفسياً وبالتالي يفقد النظام الحاكم جزءاً كبيراً من عصبة كانت في وقت قريب إلى جانبه, وهذه الثورة التي أتحدث عنها أو بلفظ أخف هذه "المقاطعة الشعبية للنظام" ستظهر في عدم مساندته له زمن انقلاب تخريبي قد يقوده رجال الجيش وذوي المناصب السياسية العليا, أو تدخل أجنبي إمبريالي سيبقى قائما رغم جدولة كل العلاقات الطيبة للمغرب بالقوى العظمى... .
إن الإصلاح الذي يجب أن يمس بعض العادات اليومية غير الصحية في المؤسسة الملكية هو في واقع الأمر يخدمها قبل أن يخدم أي طرف آخر, لأن الشعب غير خاسر وله أن ينتظر حاكم آخر. لكن الدولة إذا ذهبت فليس لها إلى سدة الحكم عودة ولا إلى بلاط القصر رجعة.
من الواجب, إذن, على محمد السادس أن ينظر إلى مستقبل امتداد الدولة التي بناها أجداده بحكمة كبيرة وسقوها بدمائهم, ولا يغر نفسه بالقول أنه متحكم في زمام الأمر في الوقت الراهن فرغم صحة قوله إلا أنه – إن لم يحاول تغيير تلك التقاليد الرسمية غير الصحية – فإنه سيمهد لفترة حكم حمراء لأحفاده.
ولكم واسع النظر في الأخذ بما قلناه أو تركه والله موفق الجميع إلى ما فيه خير هذه البلاد واستمرارية هذه المملكة ذات الفروع المحمدية الشريفة.
يتبع...