أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عن رحيل كبار الأدباء جبرا ابراهيم جبرا

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2013
    المشاركات : 553
    المواضيع : 40
    الردود : 553
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي عن رحيل كبار الأدباء جبرا ابراهيم جبرا

    المقال بقلم عبد الواحد لؤلؤة


    في اليوم الثاني عشر من الشهر الثاني عشر من عام 1994 توقف عن النبض قلب الأديب الفلسطيني العراقي الكبير: جبرا ابراهيم جبرا.
    كانت آخر رسالة وصلتني منه من بغداد وأنا في عمان يوم التاسع من ذلك الشهر، وكنت أنا وكثير من أصدقائه ومحبي أدبه ننتظر مروره بعمان في طريقه إلى تونس، ليحضر مؤتمراً هناك. وكان الوعد أنه سيحضر مؤتمر (جرش) في عمان ذلك الصيف. لكن جوابي المباشر لم يصله في الأيام الثلاثة التي بقيت من حياته، فبقيت غصة في قلبي، أنا تلميذه الذي صاحبه منذ وصوله إلى بغداد بعد طوفان 1984، وبقيت أصاحبه في أيام بغداد ولياليها، وبالرسائل والهواتف إذا فرقتنا البلاد وظروف العمل.
    لم يكن جبرا يشكو من علة أو مرض، على الرغم من تخطيه السبعين من العمر. فقد عرفته دائما جمّ النشاط، يكتب ويترجم ويحاضر في الأدب وفنون الرسم والنحت. كان هذا دأبه دائماً، وقد خلّف لنا أكثر من ستين كتاباً بين تأليف وترجمة في الآداب والفنون. كان جبرا مركز نشاط دائم وسط حلقة من الشعراء والأدباء وأصحاب الفنون التشكيلية الذين كانت تزخر بهم بغداد في خمسينات القرن العشرين. فهو الذي أشترك مع الرسام والنحات الكبير جواد سليم في تأسيس (جماعة بغداد للفن الحديث) عام 1951. وهو الذي كان يرعى أعداداً متزايدة من الشعراء والأدباء في عراق الخمسينات، حتى أواخر أيامه. كانت حركة التجديد في الشعر العربي قد بدأت بشكل واضح تجسد في شعر (نازك الملائكة) وتنظيراتها التي تبلورت في كتاب نشرته عام 1962 بعنوان (قضايا الشعر المعاصر). وكان جبرا أول من ناقش نازك في تسميتها غير الدقيقة للتطوير الذي بلورته بشكل واضح للبحور التقليدية وأطلقت عليه أسم «الشعر الحر».
    في مقال له بعنوان «الشعر الحر والنقد الخاطئ» راح جبرا يشرح مفهوم الشعر الحر كما أورده الشاعر الأمريكي والت وتمن في مقدمة «أوراق العشب» عام 1855 وهي كتابات نثرية تخلو من الوزن والقافية وتنتظم سطوراً مختلفة الطول، اعتماداً على الصورة أو الفكرة التي يريدها الشاعر.
    لقد تنبه أمين الريحاني عام 1911 وهو في مهجره الأمريكي إلى هذا النوع من الكتابة التي تحمل شحنات شعرية واضحة رغم خلوها من الوزن والقافية، فأطلق عليها اسم «الشعر المنثور» وهي تسمية دقيقة، ليتها بقيت في تداول الكتابات النقدية في العربية. لكن ما طورت فيه نازك هو التحرر من «عدد» التفعيلات في بحور الخليل، دون التحرر من التفعيلات ذاتها، ودون التخلي عن القافية التي راوحت فيها وغايرت في ورودها. لذا كان من الأسلم إطلاق تسمية «شعر التفعيلة» على قصائد نازك مثل قصيدة «الكوليرا» 1947 بدل تسمية الشعر الحر، التي اعترض عليها جبرا ببراهين دقيقة. لكن المؤسف ان الخطأ الشائع قد تغلب على الصحيح المهجور، حتى أيامنا هذه.
    كان جبرا إنسانا ذا تواضع جمّ. وهذه صفة لا تجدها لدى كثير من الأدباء في زماننا. كان يصغي باهتمام بالغ إلى ملاحظات يبديها بعض محبي أدبه، ويأخذ بها. فإذا أختلف معك عبّر عن اختلافه بغاية الكياسة والرقة واللطف. كان لا يرد طلبا من أديب أو فنان ناشئ يطلب رأيه في قصيدة أو مقالة أو صورة. ففي أواسط الخمسينات من القرن الماضي كان مسؤولا عن نشاط ثقافي أرادته شركة نفط العراق واستغرب الناس ذلك يومها. فما علاقة النفط والشركات الأجنبية بالثقافة؟ لكن جبرا أسس مجلة شهرية بعنوان «العاملون في النفط» كان فيها قدر يسير من أحاديث النفط والكثير من الأدب والفن. كان غلاف المجلة يحمل صورة لرسام عراقي أو نحات، فنشر بذلك ثقافة فنية ودعاوة لعدد من ناشئة الفنانين. وكانت المجلة تنشر الكثير من القصص والقصائد لأدباء ناشئين، كان جبرا خير مشجع لهم إلى جانب مكافأة لا بأس بها في تلك الأيام، تدفعها المجلة. هذا إلى جانب رعايته للكثير من كبار الفنانين والنحاتين في الكتابة عن معارضهم وتحليل أعمالهم. لا أعرف كم من الناس كان سيتذوق منحوتة جواد سليم الشاهقة في ساحة التحرير ببغداد «نُصب الحرية» لولا ما كتب عنها جبرا من تحليل ودراسة. ومثل ذلك اهتمامه بالنحات الكبير الآخر محمد غني وصنوه خالد الرحّال إلى جانب آخرين كثار.
    أما رعاية جبرا للشاعر العراقي الفذ بدر شاكر السياب فهو مما لا يتحدث عنه جبرا في كتاباته، ولكني واحد ممن يعرف ذلك بالتفصيل، من معرفتي بالناقد والشاعر معاً، ومن معرفتي بزيارات بدر الكثيرة لجبرا في داره، يسأله عن شعر اليوت وإيدث ستويل، عن الأسطورة والرمز، عن شكسبير في المسرحيات والغنائيات. وكان بدر يستمع ويستوعب، ويرفد بذلك كله معرفته المحدودة باللغة الانكليزية وآدابها، من القليل الذي أصابه في سنتين في دار المعلمين العالية. ومن الشعراء العراقيين الذين نعموا برعاية جبرا وتشجيعه بلند الحيدري منذ مجموعة «أغاني المدينة الميتة» إلى أخريات أيامه.
    ومن أمثلة تواضع الأديب الكبير أنه سألني يوماً سؤالاً غير منتظر: هل تعرف كاتب رواية، ممن درست، اشترك مع آخر في كتابة رواية؟ فأجبته أنني أعرف كما يعرف هو أن عدداً من المسرحيين في القرن السادس عشر في بريطانيا كانوا يشتركون مع غيرهم في كتابة مسرحية، ومنهم شكسبير نفسه. لكني لم أسمع بروائي فعل ذلك.
    وكانت المفاجأة أنه قرر أن يكتب رواية بالاشتراك مع عبد الرحمن منيف وأنه سيطلعني على ما يكتب الأثنان أولا بأول، قبل أن يتخذ العمل شكله النهائي، وأنه (وهنا المفاجأة الأكبر) يطلب رأيي الصريح في مراحل ذلك العمل المشترك. يطلب رأيي وأنا تلميذه؟! كم من كبار الأدباء قد فعل ذلك؟ ليخبرني القارئ الكريم. وعندما ظهر العمل بعنوان «عالم بلا خرائط» لم يكن من السهل عليّ دائماً التمييز بين أسلوب رجلين أعرفهما عن كثب، فما بالك بالقراء الآخرين.
    وثمة مثال آخر على تواضع الأديب الكبير لا أستطيع منع نفسي من ذكره في مناسبات عديدة. في عام 1988 منحته بغداد جائزة الإبداع في القصة والرواية. وقبل الإعلان عن الجائزة تسرب خبر للصحافة أن الجائزة منحت مناصفة لجبرا ولكاتب آخر من بلد عربي شقيق، جعلت الأخير يستشيط غضباً ويرسل برقيات احتجاج. وكنا ما نزال مجتمعين مع المحكمين الآخرين قبل الإعلان الرسمي. فلما سمع جبرا بغضب زميله قال ببساطة وابتسامة صادقة: من حقه أن يغضب، فهو أسبق مني في الكتابة ويستحق الجائزة كلها لا نصفها!
    لكن راعي الجائزة قرر أن يُعطى كلٌّ من جبرا وزميله الغاضب جائزة كاملة!
    يكاد ما كتب جبرا من كتب في الرواية والنقد يعادل في العدد ما ترجمه عن الانكليزية من روايات ومسرحيات وكتب في النقد. وهو في جميع ما كتب وترجم كان يرى إلى عمله انه واجب تثقيفي على المثقف العربي أن يقوم به خدمة لأبناء وطنه. تلمس هذا من المقدمات التي كتبها لما ترجم من روايات ومسرحيات. مثال ذلك دراسته الفذة بعنوان «هاملت وضرورة الفعل» التي قدّم بها لترجمته مسرحية «هاملت» التي صدرت عام 1059 وتكررت طباعتها مرات عديدة. ومثل ذلك محاضراته التي كان يلقيها في «الساعة العاشرة» من أيام الخميس في «دار المعلمين العالية» في أوائل الخمسينات من القرن الماضي. ومنها المحاضرات التي كان يقدمها في «معهد الملكة عالية» وهي كلية البنات ببغداد، أو في كلية الآداب لاحقاً، أو في جمعيات الفنانين أو المسرحيين. كانت بعض تلك المحاضرات تحمل عناوين مثل «ما هي السوريالية» أو «ما هي الرومانسية». كان ما يقدمه الرجل جديداً على المجتمع الثقافي ببغداد الخمسينات المتوهجة بعشرات الشعراء والأدباء والفنانين.
    ولا بد من الإشارة إلى كتابين لهما نكهة خاصة هما «البئر الأولى» و»شارع الأميرات». يتحدث الكتاب الأول عن سيرة الرجل منذ طفولته في بيت لحم والقدس بما يشبه الفيلم السينمائي المليء بالأصوات والصور. والكتاب الثاني سيرة من نوع آخر، ملأى بصور لعشرات من رجال الثقافة والأدب من الشرق والغرب ممن عرف الرجل، وكان لهم أثر في الثقافة والمعرفة، مما يشكل مرآة حيّة للحياة في بغداد في النصف الثاني من القرن الماضي.
    وثمة جهد تثقيفي من نوع آخر شغف به الرجل في أخريات أيامه، وهو تثقيف الأطفال، ربما كان ذلك بدافع من شغفه بحفيدته «ديمة» التي كانت ترافقه في «رحلاته المشائية» في شارع الأميرات في المنصور، في «العصاري» الهادئة، وكان يتجاذب معها أطراف الحديث.
    وقد نتج عن ذلك الاهتمام بثقافة الطفل ترجمة كتاب بعنوان «حكايات من لافونتين» وآخر بعنوان «الأمير السعيد» وقصص أخرى من أوسكار وايلد. وإذا كان اهتمام جبرا بتثقيف الكبار قد بدأ بترجمة فصلين من كتاب جيمس فريزر الموسوم «الغصن الذهبي» وجعل لهما عنوان «تموز وأدونيس» ثم كتاب «ما قبل الفلسفة» وبعده «آفاق الفن» ثم «الأديب وصناعته» ثم «الأسطورة والرمز» ثم «شكسبير معاصرنا» ثم «ما الذي يجري في هاملت» والقائمة تطول، فإن للأطفال حقاً في الثقافة كذلك، ومن الخير أن يتعرف الأطفال على كبار الأدباء الذين كتبوا للأطفال.

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2013
    المشاركات : 553
    المواضيع : 40
    الردود : 553
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    1. جبرا إبراهيم جبرا هو واحد من قلة قليلة أبدعت في الترجمة الأدبية , ذلك الفن الذي لم يُعط حقه
    و لم يُسلط عليه الضوء ..., إقرأ إن شئت الملك لير بترجمات أخرى ثم إقرأها بترجمة جبرا إبراهيم جبرا
    لكي تتذوق موهبته و تميزه في هذا الفن .....

    2. المقال يتطرق إلى إشكالٍ قديم جديد حول الشعر الحر أو شعر التفعيلة أو النثر الشعري .... و أزمة المصطلحات
    حول ذلك بالإضافة إلى إسناد تلك المصطلحات لأصحابها .....

  3. #3
    الصورة الرمزية عدنان الشبول شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    المشاركات : 5,981
    المواضيع : 225
    الردود : 5981
    المعدل اليومي : 1.51

    افتراضي

    مررت وقرأت ولا بد من إلقاء التحية


    دم بخير دوما أيهاب الشباطات

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2013
    المشاركات : 553
    المواضيع : 40
    الردود : 553
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان الشبول مشاهدة المشاركة
    مررت وقرأت ولا بد من إلقاء التحية


    دم بخير دوما أيهاب الشباطات
    أهلاً بعدنان و لك مثلها و زيادة ......

المواضيع المتشابهه

  1. كفّ عنْك العتاب جبْرًا لحالي ...
    بواسطة حيدرة الحاج في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 20-11-2016, 07:28 PM
  2. مفاتيح كبار الشعراء
    بواسطة محمد محمد أبو كشك في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 113
    آخر مشاركة: 10-10-2016, 10:57 PM
  3. محضن الأدب والبلاغة .. أساليب كبار البلغاء
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى عُلُومٌ وَمَبَاحِثُ لُغَوِيَّةٌ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 05-05-2011, 09:40 PM
  4. تكريم للمبدع الشامل ابراهيم خليل ابراهيم
    بواسطة عاطف الجندى في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 29-01-2009, 10:55 PM
  5. مفاتيح كبار الشعراء .. في صالون ثقافي .
    بواسطة سمير الفيل في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-04-2006, 10:49 PM