بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص الشخصية الدونجوانية عند موليير
د. ضياء الدين الجماس
الدونجوانية شخصية منحرفة نفسياً نتيجة فقدان حنان الأم وعدم النجاح في إحراز المكانة الاجتماعية بين الرجال فيتجه إلى عصيان الأب وكراهية سلطته من جهة وإثبات شخصيته بين النساء ، مع أنَّ غالب الدونجوانيين عاجزين جنسياً فيميلون للإغواء الظاهري للنساء حتى إذا ما أوقع إحداهن بحباله تركها وهجرها انتقاماً منهن. وهكذا ينتقل من ضحية إلى أخرى كلما سنحت الفرصة.
ويصور موليير في مسرحيته "دونجوان" هذه الشخصية من الناحية الدينية بأنها كافرة وقد ترتدي لباساً دينياً بأسلوب النفاق ، ويستخدم العبارات الدينية كشبكة للإيقاع بضحاياه.
الدونجوان يحب ظاهراً كل نساء العالم ولا توجد محبوبة معينة يميل إليها ، ولكنه يصور حبه الفائق للضحية التي يريد إيقاعها فإذا وقعت كرهها وهجرها إلى غير رجعة.
إن تأكيد صفة الفحولة عند الدونجوان ما هو إلا تعبير كلامي فقط عن الحالة, و ذلك نتيجة الخشية من فضح قصوره الجنسي الذي يناقض معنى الفحولة.
وإن النفسية الدونجوانية نفسية مضطربة ومتناقضة النزعات حيث تتناقض بين النرجسية وبين الدونيّة أو بين الفحولة والقصور الجنسي. ويغيب عن الدونجوان مفهوم الكرامة, فأفضل القيم الأخلاقية منسية لديه, تقع آلية عمله في السعي الغزلي المتواصل المصاغ مسبقاً دون صدق, ودون الالتفات إلى الصدود المحتمل أو إلى ردات الفعل العنيفة ،إنه يحاول تنفيذ مشروعه مع أكبر عدد من النساء لكي يصطاد فريسة واحدة في نهاية المطاف, يبتلع كل مرّة الإهانة وقوة الصّد, ويجري لها عملية محوٍ سريع من ذاكرته, منتقلاً إلى فريسة أخرى.
تناول الأدب المسرحي موضوع الشخصية الدونجوانية , وبرع في تصويرها الكاتب المسرحي موليير في مسرحية ” دونجوان ” فكشف لنا الستار عن (( خلاعتها و استهتارها وشهوتها الحيوانية ، ليتدرج بعد ذلك إلى الكشف عن كفرها و إلحادها و نصبها على الدائنين من أمثال التاجر ديمانش , ثم عقوق والده عندما رأيناه يتلقى نصائح أبيه بتمني موت هذا الأب المسكين ، وأخيراً نفاق دونجوان الذي فطن في النهاية إلى أن التظاهر بالإيمان قد ييسر له سبل إجرامه , خيراً من التظاهر بالكفر و عدم المبالاة برأي الناس فيه . وهكذا رسم موليير جميع قسمات شخصية دونجوان وقدم منه نموذجاً بشرياً تتجسد فيه أقبح رذائل البشر ))
تحليلات
تذكر جميع الروايات أن لدونجوان أباً وطبقة من الأشراف ولكن الأم غائبة عن كل المعالجات المسرحية والقصصية , وكأن مطاردة النساء هي عبارة عن البحث عن الأم المفقودة وإحلال تلك الفرائس الغرامية محل الأم التي هي قاعدة الثبات والانتماء في حياة الإنسان .
و هناك تأويل آخر يرى في دونجوان رمزاً لضعف الذكر لا لقوته , وإن مطاردة النساء التي لا تأتي بلذة الحيازة هي شبه اعتراف بأن ميول البطل غير متجهة نحو الجنس الآخر .
و هناك تحليل آخر يرى أن شبق دونجوان ما هو إلا صورة من صور حب الاستطلاع , وتأويل آخر يجعل من دونجوان مجرد خاطئ وضحية شبقه .
أعطى موليير لدونجوان زوجة شرعية هي "الفيرا" التي اختطفها من دير راهبات . ومع ذلك سرعان ما تغلبت فطرته الشهوانية على التزاماته الزوجية فهجرها في سبيل سلسلة من المغامرات الغرامية المتصفة بالرياء و المخادعة من جانبه في آخر الأمر . واستطاع كذلك أن يفلت من ثأر أخي زوجته بالخدعة والمداهنة
حاول موليير الإحاطة بالحالة الدونجوانية من كافة الجوانب فصورها في حالة بانورامية تصور العمق النفسي والاجتماعي والفلسفي لها ولم يركز على الجوهر الحسي لدى هذه الشخصية كما بين ذلك كيرجارد.
لقد تناول موتزارت هذه الشخصية في أوبرا "دون جيوفاني" كما تناولتها أفلام سينمائية عديدة وكل من تناولها له وجهة نظر خاصة طرحها من خلال عمله الفني.