أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الموسيقى والصنعة في شعر صدر الإسلام-حسين علي الهند=اوي

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2016
    المشاركات : 710
    المواضيع : 706
    الردود : 710
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي الموسيقى والصنعة في شعر صدر الإسلام-حسين علي الهند=اوي

    الموسيقى والصنعة
    في شعر صدر الإسلام
    أولاً- الموسيقى والصنعة في الشعر الإسلامي
    حسان بن ثابت:
    تغنَّ بالشِّعر إما كنت قائله ... إنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْر مِضْمَار
    1- الشعر العربي نشأ نشأة غنائية:
    رأينا أن صناعة الشعر توفَّر لها في العصور القديمة من الخصائص والصفات والقيود والمصطلحات ما جعلنا نزعم أن الشعراء كانوا يتكلفون جميعًا في نماذجهم؛ فهم يصدرون في عملهم وحرفتهم عن جهد فني اصطلحنا على تسميته باسم "الصنعة" وقد رأينا آثار هذا الجهد في تصويرهم، وكان يرافقه جهد آخر في موسيقى شعرهم وما يوفرون لها من قيم صوتية كثيرة، وبخاصة في "الشعر الغنائي" فقد كان للغناء الذي صاحبه تأثير واسع في تغيير أوزان الشعر العربي وأوضاعها القديمة. وأكبر الظن أننا لا نأتي بجديد حين نزعم أن شعرنا العربي نشأ نشأة غنائية كغيره من أنواع الشعر الأخرى؛ فمن المعروف أن الموسيقى كانت ترتبط بالشعر منذ نشأته، نرى ذلك عند اليونان القدماء، فهوميروس كان يغني شعره على أداة موسيقية خاصة، ونرى ذلك عند الغربيين المحدثين؛ فقد كانت توجد في العصور الوسطى جماعات تؤلف الشعر وتغنيه وهي المعروفة باسم تروبادور " وكان عندنا في مصر إلى عهد قريب جماعات "الأدباتية" وهي جماعات تؤلف الشعر وتنشده على بعض الآلات الموسيقية، ولا يزال "الشاعر" معروفًا في الريف، وهو يلقي أشعار أبي زيد الهلالي وعنترة وغيرهما، مضيفًا إلى إنشاده الضرب على أداته الموسيقية المعروفة باسم "الرَّبابة". وهذه الظاهرة نفسها تقترن بالشعر العربي ونشأته الأولى في العصر الجاهلي؛ فإن من يبحث في تاريخه يجده مشبهًا من بعض الوجوه لتاريخ الشعر اليوناني من حيث الغناء وما يتصل به من ضروب الرقص والموسيقى؛ فنحن نعرف أن الشعر القصصي عند اليونان القدماء كان يصحب إنشاده بالضرب على بعض الأدوات الموسيقية البسيطة، وسرعان ما تعقَّد هذا الجانب الموسيقي عندهم مع ظهور الشعر الغنائي؛ إذ وجدت الجوقة مع الشاعر ووجد الرقص وتعقدت الموسيقى ضروبًا من التعقيد. وهذا نفسه نجده ظواهره في الشعر الجاهلي القديم؛ فقد كان الشعراء يغنون أشعارهم، والأدلة على ذلك كثيرة؛ فالمهلهل أقدم شعراء العرب وأول من قصد القصائد، كان يغني شعره، ومما غنى فيه ورواه الرواة قصيدته:
    طَفْلَةٌ ما ابنةُ المحلَّل بيضا ... ءُ لعوبٌ لذيذةٌ في العناقِ
    أما امرؤ القيس فقد ذكر إعجاب بعض النسوة بصوته؛ إذ يقول:
    يَرِعْنَ إلى صوتي إذا ما سَمِعْنَه ... كما تَرْعَوِي عِيطٌ إلى صوت أَعْيَسَا
    ويقول أبو النجم في وصف قينة:
    تَغَنَّى فَإنَّ اليوم يومٌ من الصِّبَا ... ببعض الذي غَنَّى امرؤ القيس أو عمرو
    ولعله يريد عمرو بن قميئة صاحب امرئ القيس. وروى صاحب الأغاني أن السُّلَيْكَ بن السُّلكة غنى بقوله:
    يا صاحبيَّ ألا لا حَيَّ بالوادي ... سوى عبيدٍ وآمٍ بين أَذْواد
    وكان علقمة بن عبدة الفحل يغني ملوك الغساسنة أشعاره5 ويقول مُزرِّد
    ابن ضرار يتوعد خصومه:
    فقد علموا في سالف الدهر أنني ... معَنٌّ إذا جَدَّ الْجِرَاءُ وَنَابلُ
    زعيمٌ لمن قاذفتُه بأوابدٍ ... يُغنِّي بها الساري وتُحْدَى الرَّواحلُ
    ويقول عنترة كما في بعض الروايات: "هل غادر الشعراء من مترنَّم"؛ فالشعراء ما يزالون يترنمون بأشعارهم، وكأنهم لم يتركوا -في رأي عنترة- موضعًا للترنم والغناء إلا وترنموا به وغنوا فيه. وأيضًا فنحن نعرف هذا الحداء الذي يذكره مزرد، والذي كان غناء شعبيًّا عامًّا يشدو به العرب في أسفارهم. ومهما يكن فإن الشعر ارتبط بالغناء في العصر الجاهلي، ولعلهم من أجل ذلك كانوا يعبرون عن نظمه وإلقائه بالإنشاد؛ بل إنا لنراهم يعبرون عنه بالتغني. وقد بقيت من هذا بقية في نصوص العصر الإسلامي، يقول ذو الرمة:
    أحِبُّ المكان القفر من أجل أنني ... به أَتَغَنَّي باسْمها غير مُعْجِمِ
    وقال عمر بن الخطاب للنابغة الجعدي: "أسْمعنِي بعض ما عفا الله لك عنه من غنائك، يريد من شعرك"، وفي أخبار جرير أن بعض بني كليب قالوا له: هذا غسان السليطي يتغنى بنا أي يهجونا فقال جرير:
    غضبتم علينا أم تَغَنَّيْتُم بنا ... أنِ اخضرَّ من بطن التلاع غَمِيرهُا
    وليس من شك في أن هذه النصوص تشهد بأن الغناء والشعر كانا مرتبطين عند العرب في العصور القديمة. وهم يقصون عن ثعلب أن العرب كانت تعلِّم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"5؛ فأساس الشعر عندهم كان تعلم الغناء وألحانه، وكما أن الموسِيقِيّ يبدأ ويستمر، كذلك كان الشاعر عندهم يبدأ بألحان وترنيمات ثم يستمر. يقول حسان بن ثابت:
    تغنَّ بالشعر إما كنت قائله ... إن الغناء لهذا الشعر مضمار
    ونحن لا نتقدم إلى أواخر العصر الجاهلي حتى نجد شاعرًا مشهورًا يكثر من غناء شعره، وهو الأعشى الشاعر المعروف، وقد سُمِّي بصنَّاجة العرب، وأكبر الظن أنه كان يوقع غناءه على الآلة الموسيقية المعروفة باسم الصنج. وأكْثَرَ الشاعر الجاهلي من ذكر الغناء والقيان والأدوات الموسيقية المختلفة؛ مما يدل على ارتباط ذلك كله بشعره. يقول علقمة بن عبدة الفحل في ميميته:
    قد أشهد الشربَ فيهم مِزْهَرٌ رَنَمٌ ... والقوم تَصْرَعُهُم صهباءُ خُرْطُومُ
    ويقول الأعشى في معلقته:
    ومستجيبٍ تَخال الصَّنْجَ يُسْمِعُهُ ... إذا تُرجِّع فيه القَيْنَةُ الفُضُلُ
    ويقول طرفة في معلقته:
    ندامايَ بيض كالنجوم وقينَةٌ ... تروح علينا بين بُرْد ومُجْسَد
    رحيبٌ قطابُ الجيب منها، رفيقةٌ ... بِجَسِّ الندامى، بضَّةُ الْمُتَجَرِّدِ
    إذا نحن قلنا اسمعينا انبرتْ لنا ... على رِسلها مطروفة لم تشدَّدِ
    إذا رجَّعَتْ في صوتها خلتَ صوتها ... تجاوبَ أظآرٍ على ربع رَدِي
    ونجد في ديوان الحماسة شاعرًا جاهليًّا يسمى سُلْمِيُّ بن ربيعة يذكر أن الحياة ليست إلا الشرب والعزف وما يتبعهما من نساء بيض يتبخترن في الثياب الأنيقة المزركشة، يقول:
    إن شِواءً ونشوةً ... وَخَبَبَ البازل الأمُون
    يجشمها المرء في الهوى ... مسافة الغائط البطين
    والبيض يرفلن كالدُّمى ... ففي الرَّيْطِ والْمُذْهَبِ المصُون
    والكُشْرُ والخفض آمنًا ... وشِرَع الْمِزْهَرُ الحنون
    من لذة العيش، والفتى ... للدهر، وللدهر ذو فنون
    ثانياً-موجة الغناء بالحجاز في أثناء العصر الإسلامي:
    إذا تركنا العصر الجاهلي إلى العصر الإسلامي وجدنا موجة واسعة من الغناء والرقص كان لها تأثير شديد في نمو الشعر الغنائي الخالص ونمو مقطوعاته. وهي حال تعتبر في الواقع امتدادًا لما كان عليه القوم في العصر القديم؛ فلما جاء الإسلام نمتْ هذه الحال وبخاصة في الحجاز إذا عرف في هذا العصر بكثرة الغناء والمغنين، وكان أكثرهم من الموالي: من الفرس والروم وغيرهما، واشتهر منهم طويس وسائب خاثر ثم تبعهما ابن سريج وابن مسجح وابن محرز بمكة، ومعبد ومالك بالمدينة، أما المغنيات فقد امتلأت بهن المدينة؛ إذ نجد جميلة وسلامة القسسِّ وعزة الْمَيلاء وحَبابة وبلبلة ولذة العيش وسعيدة والزرقاء وعُقَيْلَة وخُلَيْدة والشماسيَّة وغيرهن كثير . وكان المغنون من الأجانب يؤثرون في الغناء العربي بما يدخلونه من النغم الأجنبي الفارسي أو الرومي، كما حكى ذلك أبو الفرج عن ابن مسجح؛ إذ يقول عنه إنه "نقل غناء الفرس إلى غناء العرب ثم رحل إلى الشام وأخذ ألحان الروم والبَرْبَطِيَّة والأسطوخوسيَّة وانقلب إلى فارس فأخذ بها غناء كثيرًا وتعلم الضرب، ثم قدم إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم وألقى منها ما استقبحه من النبرات والنغم التي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب، وغنى ابن مسجح على هذ المذهب" . وحكى أبو الفرج هذا الصنيع أيضًا عن ابن محرز فقد شخص إلى فارس فتعلم ألحان الفرس وأخذ غناءهم، ثم صار إلى الشام فتعلم ألحان الروم وأخذ غناءهم وأسقط من ذلك ما لا يستحسن من نغم الفريقين وأخذ محاسنها فمزج بعضها ببضع وألف منها الأغاني التي صنعها في أشعار العرب. وأدخل هؤلاء المغنون من الموالي في الغناء العربي آلات. جديدة للطرب لعل أهمها العود وقد يسمى البَرْبَط. ويروي أبو الفرج أن أعرابيًّا رآه في إحدى رحلاته إلى الشام؛ فعجب منه عجبًا شديدًا إذ قال: "رأيت ضاربًا خرج فجاء بخشبة عيناها في صدرها، فيها خيوط أربعة؛ فاستخرج من خلالها عودًا فوضعه خلف أذنه ثم عرك آذاناها وحركها بخشبة في يده، فنطقت وربِّ الكعبة، وإذا هي أحسن قينة رأيتها قط، وغنَّى حتى استخفني من مجلسي فوثبت فجلست بين يديه وقلت بأبي أنت وأمي ما هذه الدابة فلست أعرفها للأعراب وما أراها خلقت إلا قريبًا؟ فقال: هذا البربط، فقلت: بأبي أنت وأمي فما هذا الخيط الأسفل؟ قال: الزِّير، قلت: فالذي يليه، قال: المثنى، قلت: فالثالث؟ قال: المثلث، قلت: فالأعلى؟ قال: البَمَّ، قلت: آمنت بالله أولًا وبك ثانيًا وبالبرط ثالثًا وبالبَمّ رابعًا". ودخلت آلات موسيقية أخرى منها الطنبور وهو فارسي، وكذلك الناي، ومنها القانون وهو يوناني، إلى غير ذلك من آلات نقلها المغنون عن الفرس واليونان، وقد عرض لها المسعودي في كتابه مروج الذهب بالتفصيل.
    وعُرف الغناء في العصر الإسلامي على ضروبه المختلفة؛ فعُرف الغناء العادي كما عرف الغناء المصحوب بجوقة تضرب على الآلات الموسيقية بينما يغني المغنون، روى أبو الفرج: "أن الناس اجتمعوا عند جميلة فضربت ستارًا وأجلست الجواري كلهن فضربْنَ وضربت، فضربن على خمسين وترًا فتزلزلت الدار، ثم غنت على عودها وهن يضربن على ضربها" ، وروى أبو الفرج أيضًا: أنها جعلت على رءوس جواريها شعورًا مُسدلة كالعناقيد إلى أعجازهن، وألبستهن أنواع الثياب المصبغة، ووضعت فوق الشعور التيجان وزينتهن بأنواع الحلي، ووجهت إلى عبد الله بن جعفر تستزيره؛ فلما جاء قامت على رأسه وقامت الجواري صفين ... ثم دعت لكل جارية بعود، وأمرتهن بالجلوس على كراسي صغار قد أُعدَّت لهن فضربن وغنت عليهن.... وغنى جواريها على غنائها" وليس ذلك كل ما أثر عن جميلة في هذا العصر؛ فنحن نرى عندها الغناء المصحوب بالرقص. روى أبو الفرج أنها: "جلست يومًا ولبست برنسًا طويلًا وألبست من كان عندها برانس دون ذلك ... ثم قامت ورقصت وضربت بالعود، وعلى رأسها البرنس الطويل وعلى عاتقها بردة يمانية، وعلى القوم أمثالها، وقام ابن سُرَيْج يرقص ومعبد والغَريض وابن عائشة ومالك، وفي يد كل منهم عود يضرب به على ضرب جميلة ورقصها؛ فغنت وغنى القوم على غنائها، ثم دعت بثياب مصبَّغة، ودعت للقوم بمثل ذلك فلبسوا، ثم ضربت بالعود، وتمشَّت وتمشى القوم خلفها، وغنت وغنوا بغنائها بصوت واحد"
    رابعاً-تأثير الغناء الإسلامي في موسيقى الشعر الغنائي:
    هذه الموجة العنيفة من الغناء والرقص في الحجاز في أثناء العصر الإسلامي هي التي أعدت لما نراه من تطور يحدث في موسيقى الشعر الغنائي؛ فقد قلَّ النظم على الأوزان الطويلة التي عُرفت في العصر الجاهلي من مثل البسيط والطويل والكامل، وحلَّت محلها أوزان أخرى كثر النظم فيها من مثل الوافر والمديد والسريع والخفيف والرمل والمتقارب والهزج، وقد يأتي الشعر على الأوزان الطويلة؛ ولكن بعد أن تحوَّر وتجزَّأ كهذا الغناء المجزأ الذي كان يصحبها والذي أشار إليه إسحاق في نصه السابق. ونحن نحس إزاء هذا التطور أن المغنين كانوا يلقون كثيرًا من العناء في إحكام أصواتهم ونغماتهم حتى يشاكلوا بينها وبين الأشعار التي يغنونها، وحتى لا يخرجوا بهذه الأشعار التي يلحنونها عن إيقاعاتها الموسيقية الخاصة، وأقبل الشعراء يحاولون التخفيف عنهم باقتراح أوزان لم تكن شائعة في الشعر القديم، أو كانت شائعة ولكنهم رأوا أن يعدلوا فيها حتى تتلائم وهذا الغناء الذي كانت تدخل فيه نغمات أجنبية كثيرة، كما ذكر أبو الفرج "على نحو ما مر بنا" عن ابن مسجح وابن محرز. ولعل أهم شاعر قام بجهد وافر في هذا الجانب هو عمر بن أبي ربيعة؛ فقد عرف كيف يُلين الأوزان لهذا الغناء الجديد، ولعله من أجل ذلك كان أقرب شعراء الحجاز إلى ذوق المغنين؛ فقد كانوا يعجبون به وبأشعاره، وروى أبو الفرج كثيرًا من أصواتهم في مقطوعاته، فمن ذلك صوت ابن سُرَيْج وهو من مجزوء الخفيف.
    قل لهندٍ وَتِرْبِهَا ... قبل شَحْطِ النَّوَى غَدَا
    إن تجودي فطالما ... بِتُّ ليلي مُسَهَّدَا
    ومن ذلك أيضًا صوته وهو من مجزوء الوافر:
    أليستْ بالتي قالت ... لمولاة لها ظُهُرا
    أشيري بالسَّلام له ... إذا هو نحونا خَطَرَا
    ومن ذلك أيضًا صوت ابن محرز وهو من مجزوء الرَّمَل:
    أصبح القلب مهيضًا ... راجع الحبَّ الغَرِيضا
    وأجدَّ الشوقَ وَهْنًا ... أن رأى برقًا وميضا
    وعلى هذه الشاكلة أخذ الشعراء الحجازيون من أمثال ابن أبي ربيعة ينظمون على هذه الأوزان القصيرة التي تتفق وألحان الغناء الجديد. ولعل من الطريف أن نجد في هذا العصر شاعرًا كأعشى همدان يلزم النَّصْبِيَّ المغني يؤلف له قطعًا من الشعر ليغنيها . وكان المغنون كثيرًا ما يضطرون الشعراء إلى أن يؤلفوا لهم قطعًا من الأوزان القصيرة، كما صنع ابن عائشة بعروة أبن أذينة؛ إذ طلب إليه أن يصنع له قطعة من الهزج فصنع:
    سُلَيْمَى أزمعت بينًا ... فأين تقولها أينا
    وقد قالت لأترابٍ ... لها زُهرٍ تلاقينا
    تعاليْنَ فقد طاب ... لنا العيش تعالينا
    وكان بعض الشعراء يتعلمون صناعة الغناء حتى يستطيعوا أن يؤلفوا أشعارًا تتفق وألحان المغنين وأصواتهم، وممن عُرف بذلك ابن أذينة فقد كان يصوغ الألحان والغناء على شعره، وحكى له صاحب العقد الفريد صوتين مما يغنِّي فيه الحجازيون2. ولعل ذلك هو السبب في أن موسيقى شعره تمتاز بأنها مصفاة تصفية شديدة كما نرى في قطعته المشهورة :
    إن التي زعمت فؤادك ملَّهَا ... خُلقتْ هواك كما خُلقْتَ هَوَىً لَهَا
    وكما أن الشعراء وجدوا الحاجة ماسة إلى تعلم الغناء، كذلك وجد المغنون نفس الحاجة إزاء تعلم الشعر فاصطنعته جماعة؛ منهم أبو سعيد مولى فائد وكان مغنيًا4 وشاعرًا، وكذلك سَلَّامَة القَسِّ، وكانت مغنية وشاعرة، ومن شعرها الذي غنت فيه قولها ترثي يزيد بن عبد الملك مولاها وتندبه وهو من مجزوء الرَّمَل5:
    قد لعمري بتُّ ليلي ... كأخي الداء الوجيع
    ونَجِيُّ الهم مني ... باتَ أَدْنَى من ضجيعي
    انتقال الغناء من الحجاز إلى الشام:
    ووجود سلامة في بلاط يزيد يجعلنا نفكر في هذه الحال الجديدة، وهي انتقال
    خامساً-الغناء من الحجاز إلى الشام
    في أواخر العصر الإسلامي؛ فنحن نجد في بلاط يزيد غير سلامة، حباية وابن سريج ومعبدًا ومالكًا وابن عائشة والبَيْذَق والأنصاري وابن أبي لهب، كما يوجد في بلاط ابنة الوليد معبد وعَطَرَّد ومالك وابن عائشة ودحمان الأشقر وعمر الوادي وحكم الوادي ويونس الكاتب والهذلي والأبجر وأشعب بن جابر وأبو كامل الغزيل ويحيى قَيْل ، ونجد بجانب هؤلاء كثيرًا من المغنيات. وكان لهذا أثره في الشعر الشامي؛ فقد شاع الغناء والرقص والطرب وبخاصة في قصور الخلفاء، وأثَّر ذلك في الشعر وخاصة في عصر يزيد بن عبد الملك الذي قال عنه أبو حمزة الخارجي في خطبته إنه: "يشرب الخمر ويلبس الحلة قوِّمت بألف دينار ... حبابة عن يمينه وسلَّامة عن يساره تغنيانه؛ حتى إذا أخذ الشراب منه كل مأخذ قدَّ ثوبه ثم التفت إلى إحداهما فقال ألا أطير". وروى صاحب الأغاني أن معبدًا غناه صوتًا فاستخفه الطرب حتى وثب، وقال لجواريه: افعلن كما أفعل، وجعل يدور في الدار ويَدُرْنَ معه وهو يقول من الرَّجز:
    يا دار دوريني ... ياقَرْقَرُ امسكيني
    آليت منذُ حين ... حقًّا لتصرميني
    ولا تواصليني ... بالله فارحميني
    لم تذكري يميني!
    وليس من شك في أن هذا "شعر إيقاعي" قيل في أثناء هذا الدوران والرقص. وصنيع الوليد بن يزيد في هذا الباب أوسع من صنيع أبيه، يقول عنه صاحب الأغاني: "وله أصوات صنعها مشهورة وقد كان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشى بالدفّ على مذهب أهل الحجاز"4. وهو إلى ذلك كان شاعرًا يحسن الشعر، وأكثر من نظمه على الأوزان القصيرة التي أشاعها الغناء. في هذه العصور؛ بل لقد كان أول من اقترح -فيما نعلم- وزن المجتث إذا غَنَّى في قوله :
    إني سمعت بليلٍ ... وَرَا المصلَّى برنَّه
    إذا بنات هشامٍ ... يندبنَ وَالِدَهُنَّه
    يندبن قَرْمًا جليلًا ... قد كان يعضُدهنَّه
    ونرى من ذلك أن موجة الغناء والرقص في العصر الإسلامي أهَّلت لشيوع الأوزان القصيرة والبحور المجزوءة في شعر الحجازيين وشاركهم أهل الشام في هذا الصنيع.( منقول بتصرف)


    المستشار الأدبي
    حسين علي الهنداوي
    شاعر وناقد
    مدرس في جامعة دمشق
    دراسات جامعية-في الأدب العربي
    صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
    حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
    سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
    السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
    أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
    ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
    ج-نشر في العديد من الصحف العربية
    د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
    ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
    و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
    ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
    ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
    ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
    ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
    ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
    1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
    2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
    3- عضو تجمع القصة السورية
    4- عضو النادي الأدبي بتبوك
    مؤلفاته :
    أ*- الشعر :
    1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
    2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
    3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
    4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
    5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
    6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
    ب*- القصة القصيرة :
    شجرة التوت /1995
    ج – المسرح :
    1- محاكمة طيار /1996
    2- درس في اللغة العربية /1997
    3- عودة المتنبي / مخطوط
    4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
    د – النقد الأدبي :
    1- محاور الدراسة الأدبية 1993
    2- النقد و الأدب /1994
    3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
    4- أسلمة النقد الأدب
    هـ - الدراسات الدينية :
    1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
    2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
    3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
    4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
    5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
    و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
    1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
    2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
    3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
    4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
    5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
    6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
    7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
    8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
    9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
    10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
    11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)

  2. #2

المواضيع المتشابهه

  1. الصعلكة الشعرية في عصر صدر الإسلام المستشار الأدبي حسين علي الهند
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-05-2016, 01:03 PM
  2. أسلوب الشعر في عهد صدر الإسلام-المستشار حسين علي الهننداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27-05-2016, 01:17 PM
  3. قضايا الشعر في عصر صدر الإسلام-المستشار:حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27-05-2016, 01:15 PM
  4. العرب الإنسان والمكان واللغة-المستشار الأدبي:حسين علي الهند=اوب
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-05-2016, 04:55 PM
  5. تأثير المقامات في القصة الأروبيةالمستشار الأدبي حسين علي الهند او
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-05-2016, 11:07 PM