نظرات غريبة عند التقاء العيون في مرآة السيّارة , السّائق المسرع في الطّريق الصّحراوي , والسيّدة الشّابة الّتي أقلّها مع زوجها , بعد أن وجدهما عالقين في الطّريق حيث توقّفت بهما سيّارتهما .
هو أيضا مع زوجته , وكلّهم عائدين من عطلة صيفية في شرم الشيخ , وكل السيّارت عائدة مسرعة مع انتهاء موسم الإصطياف .
بعد عدّة نظرات عرفها وعرفته , ربع قرن من الزّمن يغيّر الكثير في ملامح الوجوه , أحسّ أنّ النّظرات زادت عن المعقول , وبدأت تلفت الإنتباه , فقال بكلمات سريعة : هذا زوجك بكل تأكيد , وعندكم أولاد , أين هم ؟ أجابته بارتباك دون أن تنزع نظرها عن عينيه في مرآة السيّارة فوق عجلة القيادة : نعم أحمد ومنى , قال ضاحكا : أحمد حلمي ومنى زكي . دقّت الأسماء جرس الذّاكرة , وسرحت بعيدا عن الرّمال الممتدّة على طول الطّريق .
كانت تجلس بجانبه في المقاعد الخلفية المظلمة , في قاعة السّينما أثناء عرض فيلم " تيمور وشفيقة " عرفت أنّ نرجس سبقتهما الى القاعة عندما سمعت بأنّهما قادمين وجلبت معها خالد , وترمقهما بين الفينة والأخرى بنظرة فضول , تتابع تطوّرات الموقف .
وفي اللحظة المنتظرة حين اقترب وجهه ليقبّلها , صرخت نرجس عاليا , فزع الجميع وأشعلوا الأضواء , وحرمتها من قبلة خطيبها الموعودة .
أخرجها زوجها ( الجالس على المقعد الجانبي ) من هذا المشهد , حين حرّك كتفها بكتفه , وهمس في أذنها باسما : افرحي يا ست , حتى مطربتك المفضّلة هنا , كانت أنغام تغنّي في مذياع السيّارة : " عن فرح غايب , وعن حبايب كانوا هنا " تتابع الكلمات المعبّرة , مع احساس المطربة العالي , أنزل دمعة حارّة من عينيه , غيّرت صورة الطّريق أمامه , وتذكّر بهو الجامعة , حين كانا واقفين .
أخرج قرصا مضغوطا من محفظته , سلّمه لها قائلا : أصلي , جديد أنغام . لم يحس باليد المستلمة قدر احساسه بالنّظرة النّاريّة الّتي أرسلتها نرجس من بعيد .
كانت أيّام الخطوبة الأولى , لم يدرك هو , ولا هي , أنّ هذا الحسد بكل هذه الخطورة . نرجس بنت خالته أفسدت علاقتهما بكل الوسائل , ونجحت , أرادت أن تغيظها بخالد ابن خالتها الّذي كان يحبّها , تآمرت معه , ونجحت في افساد الخطوبة وفسخها .
قرّبت الزوجة شاشة هاتفها من وجهه , وقالت باسمة : زينة ترسل لك قبلاتها . ضرب الإسم القلب قبل الأذن , فزينة كان اسمها .
يبدو أنّ الجميع في سعادة , آباء وأبناء , والحب القديم ترك آثاره على الأسماء أيضا . فجأة , انتبهوا لهيكل سيّارة انقلبت في الطّريق .
أوقف سيّارته , ونزلوا جميعا ليشاهدوا ما وقع عن قرب . سيّارة مقلوبة , داخلها شخصان قتيلان , رجل وامرأة تسيل الدّماء على وجهيهما . نظرت مذهولة , ونظر مذهولا , نعم هما , هما , انّه خالد , انّها نرجس .