أحدث المشاركات
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 15 من 15

الموضوع: الأوزان العربية في بحر الطويل، التي لم يذكرها الخليل

  1. #11
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    سادساً وأخيراً: القوالب الخضراء الطول في بحر الطويل:
    مع أنّ القوالب الخضراء الطول تنقسم نظرياً إلى قوالب خضراء مضمومة [9- 9]، وقوالب خضراء مفتوحة [9 – 8 أو العكس]. وأن أدنى طول مسموح النزول لعنده في كل بحر عربي، هو طول الأحمر المغلق تلقائياً (7 وحدات)؛ لكن قاطع بحر الطويل الذي لا يجب النزول دونه هو طول الأخضر وليس طول الأصفر ولا طول الأحمر.

    - طويل أخضر (ت= 9): نعم، لا #، لا لا نعم [الجرس قنطرة تكافؤية النظام]
    - سلسلة صفراء تتبع نظرياً لبحر الطويل، وليس تتبع له إيقاعياً (ت= 8): نعم، لا #، لا لا لا [الجرس سكة]
    - سلسلة حمراء تتبع نظرياً لبحر الطويل، وليس تتبع له إيقاعياً (ت= 7): نعم، لا #، لا لا [الجرس وتر]

    فإنه إذا نزلت سلسلة الطويل لطول الأصفر (8 وحدات)، فحينها سينمحق الكيان الإيقاعي الدال على بحر الطويل في السلسلة الصفراء، فلا تعود السلسلة الصفراء تتبع لبحر الطويل إيقاعياً. فبحر الطويل مؤلّف من نسق قنطرة متبوع بنسق فتلة مكرران بانتظام، والطويل كذلك يبتدئ من عند عُقدة قفل وليس من نسق مكتمل، أي ابتدئ اقتطاعه من دائرته من عند عقدة قفل. وحتى يحافظ الطويل على وجوده الإيقاعي في السلسلة، فيجب عليه أمران، الأول: المحافظة على الحد الأدنى لتكرار الأنساق المؤلفة له كما هي في دائرته، وهذا لا يتحقق إلّا عند طول الأخضر له. فالدائرة هي المرجع الكلّي لانتظام الإيقاع في الشعر العربي، على ما شرحنا في مقالات سابقة. والأمر الثاني: هو أن لا يشتبك قالب البحر إيقاعياً مع قوالب البحور الأخرى فيما لو تعارضا من جهة أولوية المرور إيقاعياً. فالمعول عليه في العروض العربي هو التبعية الإيقاعية للبحر وليس التبعية النظرية له. ثم أنّ العرب قد حرصت أشد الحرص على منع التداخل الإيقاعي بين البحور (ظن عازم). وقاطع البحر هو احد أدواتهم المهمة في تحقيق هذا الغرض؛ هذا الذي لم يوله الخليل أهمية في نظامه، وهو لن يستطيع ذلك حتى لو أراد، وذلك لعدة أسباب يأتي على رأسها طبيعة نظام الخليل القائم على فكرة الجزء الخاطئة.

    فمثلاً: بحر المتقارب الذي يبتدئ من عند عقدة قفل أيضاً، هو صاحب أولوية المرور على بحر الطويل فيما لو تعارضا، فالمتقارب يتألف من نسق فتلة مكررة بانتظام. وهذا الكلام قد ناقشناه بعمق في الكتاب الأم لعروض قضاعة.
    وبناءً على ذلك، فلا يوجد لتشكيل الأخضر في بحر الطول، سوى قوالب خضراء مضمومة فقط، وهو قالب وحيد فيها، وسيرتفع التعداد لقالبين عند إضافة تلوين السكون لجرس القنطرة في العجز.

    أ) قوالب خضراء مضمومة في بحر الطويل:
    بسبب ما ذكرناه آنفاً، فلا يوجد إلّا قالبين في هذا التشكيل الأخضر المضموم. احدهما بدون تلوين السكون، والأخر مع تلوين السكون.

    1- الطويل ذو البيت الأخضر الحر. هكذا:
    صدر وعجز معاً: نعم، لا #، لا لا نعم (ت= 9) [الجرس قنطرة تكافؤية النظام، ولها تلوين "حر" الذي يجمع كل خياراتها القانونية كما قلنا (متروكة- معقودة- مجدولة- مربوطة)]

    2- الطويل ذو البيت الأخضر الحر والمسكون. هكذا:
    صدر : نعم، لا #، لا لا نعم (ت= 9) [الجرس قنطرة تكافؤية النظام]
    عجز : نعم، لا #، لا لا نعم 0 (ت= 9) [الجرس قنطرة تكافؤية النظام، ومضاف لها تلوين السكون]

    ب) قوالب خضراء مفتوحة في بحر الطويل:
    لا ينبغي صنع قوالب خضراء مفتوحة في بحر الطويل، فقاطع بحر الطويل الذي لا يجب النزول دونه هو طول الأخضر كما قلنا.

    وهكذا نكون قد انتهينا من حصر جميع احتمالات القوالب الممكنة الصحيحة في بحر الطويل، أي جميع الاحتمالات المتوافقة مع شروط العرب في النظم على هذا البحر. أي التي يتيحها النظام العروضي العربي لبحر الطويل. وما عدا ذلك فهي ليست قوالب عربية تعود للطويل، حتى لو شابهت قوالب العرب في بعض التفاصيل.

    استعارة:
    يشترك نظام قضاعة ونظام الخليل بمصطلحَيّ الصدر والعجُز. لكن أهميتها في نظام قضاعة تفوق أهميتها في نظام الخليل؛ فهما يدخلان في تأليف جُمل الوصف في نظام قضاعة كما رأينا، بينما أنّ استخدامها في نظام الخليل هامشي، لكون أنّ جُمل نظامه، بل نظريته كلها؛ تقوم على فكرة الجزء، خاصة جزء العروضة وجزء الضرب، وكذلك على مفهوم التمام ومفهوم الـجَزء [المجزوء]. لكن هذين المصطلحين، خاصة مصطلح العَـجُز، ثقيل على لسان عرب هذا الزمان، وفوق ذلك هو متشابك إملائياً مع كلمة العَـجْز الكثيرة الدوران على اللسان.
    فلو أننا استعرنا مصطلحَيّ العروضة والضرب من نظام الخليل، وحمّلناهما مفهوم الصدر والعجُز في نظام قضاعة، أي تصير العروضة دالة على سلسلة الشطر الأول من البيت، والضرب دالاً على سلسلة الشطر الثاني منه. وبحيث يؤديان وهما مـحمّلين بالمفهوم الجديد في جُمل نظام قضاعة؛ نفس الدور الذي أداه مصطلحَيّ الصدر والعجُز فيها. وبحيث يبقى مصطلحَيّ البيت والمشطور على حالهما دون تغيير. فلو فعلنا ذلك فأظن أنّ هذا سيكون أجود.
    ولا تقلق على رواج هذا الاقتراح بسبب تأثير نظام الخليل على الأذهان؛ فما أنْ يهيمن عروض قضاعة على الساحة العروضية سيزول هذا التأثير. وإليك خمسة جمل مصاغة بهذين المصطلحين المستعارين من نظام الخليل، من تلك التي مرت معنا في هذا الموضوع.

    1) جملة نظام قضاعة الحالية: الطويل ذو الصدر الدارع المعقود، والعجز الدارع المتروك. (طويل دارع: # قطيف)
    o جملة نظام قضاعة المقترحة: الطويل ذو العروضة الدارعة المعقودة، والضرب الدارع المتروك.
     جملة نظام الخليل: الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة، ولها ضرب صحيح سالم

    2) جملة نظام قضاعة الحالية: الطويل ذو الصدر الدارع المعقود، والعجز الفارع المتروك. (طويل دارع: # قطيف، طويل فارع: # خطوة)
    o جملة نظام قضاعة المقترحة: الطويل ذو العروضة الدارعة المعقودة، والضرب الفارع المتروك.
     جملة نظام الخليل: الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة، ولها ضرب محذوف معتمَد.

    3) جملة نظام قضاعة الحالية: الطويل ذو الصدر التام المتروك، والعجز التام المجدول والمسكون (طويل تام: # فتلة)
    o جملة نظام قضاعة المقترحة: الطويل ذو العروضة التامة المتروكة، والضرب التام المجدول والمسكون.
     جملة نظام الخليل: لم يثبته الخليل في نظامه، ولا مكان له فيه.




  2. #12
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي التعليق الشافي على ما سبق وقدمناه:

    التعليق الشافي على ما سبق وقدمناه:


    سبق لنا في مقالات سابقة أن أشرنا، بأنّ نظام قضاعة العروضي معنيّ بإيقاع الشعر العربي الجاهلي وما سار على نهجه حصراً؛ تماماً كما فعل الخليل. اللهم أنّ الخليل قد أقام نظامه العروضي على قدر ما وصل له من قوالب شعر العرب؛ وهذه القوالب هي ما شكلّت كيان نظامه، النواة وغلافها؛ بحيث انه إذا استُدرك قالب على نظامه من العرب المعتد بنظمهم، ولم يكن له مكان في نظامه، تخلخل نظامه وصنّف هذا القالب بأنه من الشواذ ظلماً.
    فالملاحظ أنّ وصف العروضيين القدامى [وكذلك بعض المحدثين]، لبعض المستدرَكات على الخليل بكونه شاذ، قد يكون أحياناً في محله، وفي أحيان أخرى يكون في غير محله. كما أنّ تعليق سبب شذوذه بكون الخليل لم يذكره على ما قال البعض، هو أيضاً سبب غير مقنع إطلاقاً. كما أنه في ظل عدم وجود قانون موثوق يكون هو الحكم، فإنّ الندرة ليست مقياساً لصحة الشيء أو لبطلانه على طول الخط. (1)

    (1) قرينة الندرة ليست دليلاً على الوجود والعدم، ولا على صحة أو بطلان الدعوى؛ لأنها قرينة قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة. فكثرة الكفار ليست دليلاً على صدق دعواهم، وقلة المؤمنين ليست دليلاً على كذب دعواهم. ولو أردنا تطبيق هذه القرينة على بعض القوالب في نظام الخليل، لتوجب علينا إلغاء ثمانية عشر قالب فيه، لأنها إمّا معدومة الشواهد، وإمّا ورد عليها شاهد واحد فقط أو اثنين على الأكثر؛ وذلك بحسب إحصاء الدكتور مجمد العلمي وبعض كتب العروض التي اهتمت بهذا الشأن. فدراسة محمد العَلمي التوثيقية اشتملت على 191 ديواناً من دواوين أشهر شعراء الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين والأمويين وبين الدولتين.

    فصاحب نظام قضاعة ليس يحجر على الشاعر في نظمه المخالف لشروط العرب من استحقاقه مسمّى شعر؛ لكن لا يحق لناظمه أن يطالبنا بأن نختم له بختم الخليل أو بختم قضاعة، بأنّ نظمه نظم عربي؛ فهذا هو أصل الخلاف في هذه المسألة. فإذا كان نظام الخليل يعجز عن الحكم على الإيقاع المستجد، أهوَ عربيّ أم غير عربي؛ لكن نظام قضاعة لا يعجز عن ذلك؛ وهذا القواعد المذكورة تم إثباتها ونقض ما خالفها في الكتاب الأم لعروض قضاعة.

    فالنظرية العروضية العربية المتينة، يفترض بها أن تكون قادرة على إبراز جميع إمكانات النظم الموافقة لشروط العرب في النظم، سواء وردت موثقة عنهم أم لم ترد. وبالطبع تستطيع إبراز وتمييز النظم العربي عن غير العربي كذلك، وبيان المخالفات في النظم العربي إن وجدت.
    لكن نظرية الخليل كما ظهر لنا لحد الآن، قاصرة عن بيان حقيقة الشعر العربي؛ ومسطرة نظامه حالها حال النظرية التي أنجبتها. فنظام الخليل لا يستطيع الحكم على النوع المستدرَك أو على النوع المستحدث، حكماً صحيحاً؛ ذلك أنّ أسّ نظام الخليل وهو الجزء، هو واقع متوهّم كما ظهر لنا في مقالات سابقة [في ربطة الواحة]، ناهيك عن التقريرات الباطلة في نظرية الخليل بنظرنا، من مثل جعله السريع بحراً مستقلاً عن الرجز، وخطأ دائرة المشتبه في ذاتها، وكذلك خطأ تأصيلات بحور دائرة المشتبه في نظامه.

    فالقياس في نظام قضاعة العروضي أرسخ قدماً في الأرض منه في نظام الخليل. وغاية البحث العروضي الجاد، منذ بزوغ هذا العلم ولحد الآن، هو السعي إلى معرفة القواعد الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب، بأقرب ظن ممكن للصواب؛ بحيث إذا وردت قوالب موثّقة عن العرب المعتد بنظمهم، أم أبدعها شاعر جاء بعد الخليل أو شاعر معاصر؛ حكمنا بكل ثقة أنّ هذا النظم نظم عربي أو غير عربي. فغاية علم العروض العربي النهائية، هي تمييز النظم العربي عن غير العربي؛ وهذا ما قام عليه نظام قضاعة.

    فكما هو ظاهر في هذا الموضوع، فمستخدم علم عروض قضاعة يسير على قواعد عامة ثابتة، وليس مجرد حفظ. وهكذا يفترض بالنظام العروضي المتين. وهذه القواعد الثابتة هي ما أظهرت لنا القوالب التي أثبتها الخليل في نظامه، وتلك التي لم يثبتها مع قدرته على ذلك، وتلك التي لم يثبتها ولا يستطيع نظامه إثباتها كما رأينا هنا. فما أثبته الخليل في نظامه ليس هو كل ما يتيحه النظام العروضي العربي، بدليل أن هناك قوالب مستدركة عليه حقيقة (في غير بحر الطويل)، متوافقة تماماً مع ما يتيحه نظام العرب العروضي؛ ومن هذه المستدركات عليه ما هو ممكن التوصيف في نظامه، ومنها ما يعجز نظامه عن توصيفه كما قلنا..!

    والملاحظ أن البعض يتشنج في قضية القوالب الصحيحة الممكنة الوجود التي لم يذكرها الخليل، سواء تلك المستدركة عليه استدراكاً حقيقا، أو تلك التي يبيحها نظام العرب العروضي. وكأن من يقول بذلك قد خالف أصول اللغة العربية..! وهؤلاء يغفلون عن حقيقة ما كان يجب أن يغفلوا عنها، وهي أن العروض العربي بالأساس هو ناحية إيقاعية وليس ناحية لُغوية. ومثلما أن هناك فرقاً بين ما يتيحه النظام العروضي العربي وبين ما لا يتيحه. فهناك أيضاً فرقاً بين ما يتيحه النظام العروضي العربي، وبين ما تم توثيق استعمال العرب منها كما فعل الخليل بنظامه، فكبّل نظامه كله بمخرجاتها وحدها.

    فمع أن بحور العرب ثابتة العدد، لكن قوالب البحور بالضرورة أكثر عددا من البحور. فالقافية هي تاج الإيقاع العربي، فهي قادحة قرائح العرب لتبدأ النظم وتستمر به، فعلى كلماتها تدور الصور المتخيلة في الذهن ويراد من القريحة نظمها شعراً. بحيث أنه إذا خلا الشعر العربي من القافية، فهو ليس بشعر عربي حتى لو كان صحيح الإيقاع (يقين). ومحل القافية الأصيل هو الضرب، أي العَجُز. ولذلك، قرائح العرب بالضرورة ستحتاج إلى تنوّع قوافي الوحدات الصوتية ضمن البحر الواحد، من جهة التعدين ومن جهة التلوين على السواء؛ وذلك ليلتحم بها مفتاح القافية المعين برنينه المعين.

    وهذا بدوره سيدفع القريحة العربية لخلق تعدّد في قوالب بحور شعر العرب لا محالة؛ وسيكون عددها بالضرورة أكثر من عدد القوالب التي حصرها الخليل فأقام نظامه على أساس ذلك. فجرس النسق نهايته عُقدة، لكن القافية المستخدمة قد تستلزم طوالع الأنساق لتتحد مع قافية الخطوة مثلاً. وسنأتي في مقالة قادمة على موضوع القافية من وجهة نظر علم عروض قضاعة.

  3. #13
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    كما أن نظام الخليل لم يلتفت إلى عدة قضايا في غاية الخطورة، هي علاقة ماسة بهذا الأمر [قوالب البحر الممكنة الوجود]؛ وهي قاطع البحر وأحكام التلوين والمهاد. وحتى لو انتبه الخليل لهذه القضايا الثلاث، فلن يستطيع أن يفعّلها في نظامه بسبب خطأ فكرة الجزء، وارتهانه للحرف الصوتي في التأصيل والتفسير كما قلنا من قبل.

    فقاطع البحر – كما ذكرنا في مقالة سابقة- هي الحد الأدنى من طول السلسلة الذي يظل معه إيقاع البحر حاضراً، وهذه القضية لا يمكن البتّ بها إلّا لو كان المكون الإيقاعي الحقيقي الذي قام عليه عروض شعر العرب هو الحاضر، وهو مفهوم النسق وطوالع الأنساق كما يقول صاحب عروض قضاعة . أمّا أحكام المهاد فهي أحكام بين الشطرين التي اهتم بها العرب جدا، والتي لها علاقة ماسّة بطبيعة بجرس الصدر [تقريباً هو العروضة]. وقد كان لنا مقالة في رابطة الواحة عن "أحكام المهاد"، فارجع لها.

    أمّا أحكام التلوين، فهي أفعال القانونين الصوتيين، التكافؤ والخبب، على الجرس المعين. فقد اشرنا في آخر مقالة لنا في ربطة الواحة [السر الدفين]، إلى أن النسق قد يحتل موضع الجرس كاملاً، وقد يحتله بعض منه بفعل التعدين [الإنقاص من الطول]، وهذا البعض منه أطلقتا عليه في عروض قضاعة مسمّى (طوالع الأنساق). والأنساق والطوالع محدودة العدد، ولها أحكام تلوين راعها العرب بشكل مدهش. بل قد منحنا الطوالع مسمّيات عامة ومسمّيات مخصوصة، وذلك لعلاقتها بأحكام التلوين. على ما ذكرنا في آخر مقالة لنا [وكذلك في كتاب المدخل إلى علن عروض قضاعة المتاح على الانترنت].

    فتسلسل الخطوتان المتجاورتان (لا لا) أينما لزمت الإشارة لهما، فسنطلق عليها مسمّى (وَتـَر)، وذلك كمسمى عام نكرة (والجمع أوتار)، أي هو مسمّى غير مخصّص. وتسلسل الخطوات الثلاث المتجاورة (لا لا لا) أينما لزمت الإشارة لها، فسنطلق عليها مسمّى (سكة) كمسمّى عام نكرة أيضاً (والجمع سِكَك). فعروض قضاعة يفرّق بين مفهوم التسلسل الصوتي ومفهوم السلسلة الصوتية، إذ بينما أنّ الشطر العربي يعتبر سلسلة صوتية مدرجية بامتياز، لكن أيّ تجزيء لها مهما كان طوله الكمّي، سيُعتبَر على أنه تسلسلات فيها. فالحشو تسلسل، وكذلك الجرس إذا لم يكن خطوة منفردة هو تسلسل أيضاً.
    أمّا الأسماء المخصصة لطوالع الأنساق، فملخصها هو كما في هذا الرسم:

    a-1.jpg

    فمن أحكام التلوين أنّ القطيف جرس محروم من الدلال، أي يجب عليه أن يلزم صورة واحدة في أيّاً من جرسَيّ القالب (جرس الصدر وجرس العجز)، فهو إمّا متروك (لا لا)، وإمّا معقود (نعم). وهذا ما تسبّب بتعدّد قوالب البحر في الطول المعين له الذي جرسه قطيف كما رأينا. وهذا بعكس الفَتيل والعَقيل التي هي أجراس يتيمة، أي هي ترد متروكة أينما وردت، على الرغم من أن تنعيم هذه الثلاثة هو نفسه (لا لا)، لكن الأصل الإيقاعي لها هو المختلف وهو الأهم.

    وبالتالي، فالذي أقام نظامه العروضي على مثل ما أقام الخليل نظامه، أي على قدر ما وصل للخليل من قوالب شعر العرب، واعتماده على فكرة الجزء العقيمة، أو اعتماده على الوحدات الصوتية على طول السلسلة باعتبارها هي كلها الكيان الإيقاعي كما فعل الأستاذ خشان في طريقته الرقمية؛ فبالتأكيد سوف نجد قوالب حقيقية مستدركات على الخليل، وسنجد قوالب مختلف عليها بشدة بين أتباع نظامه.

    وعلى ضوء ما بيناه من قوالب صحيحة إيقاعياً في بحر الطويل، والعوامل الإيقاعية الموجبة لها التي قدمناها، والتي اتضح لنا أنها أكثر مما أثبته الخليل في نظامه؛ يتأكد لنا صحة مقولة صاحب عروض قضاعة، من أنّ نظام الخليل ساهم مساهمة فعالة في إماتة قرائح العرب.
    فمع رغبة الشاعر العربي لأنْ يكون نظمه العروضي كنظم العرب القدماء، ومع كون مسطرة نظام الخليل صعبة الاستخدام جداً وعقيمة، وكونها سيفاً مسلّطاً على الرقاب؛ فهي ليست بريئة من إماتة قرائح سواد العرب الأعظم؛ فلا هي تركت القريحة تمرّن نفسها بتنعيم العرب أو بمتيرها دون سطوتها عليها (1)، (2)، ولا هي قدِرت أن تأخذ بيد القريحة لمرادها؛ فكل شيء في الحياة يحتاج إلى تمرين كي يصبح ملَكة يسيّرها العُقيل لا العقل، فالعربي لا يولد شاعراً من بطن أُمّه.

    (1) تنعيم العرب: قد روى أبو بكر محمد القضاعي، قوله: {فإنّ أبا الحسن الأخفش روى عن الحسن بن يزيد أنه قال: سألتُ الخليل بن أحمد عن العروض، فقلت له: هلّا عرفت لها أصلاً..؟ قال: نعم، مررتُ بالمدينة حاجاً، فبينما أنا في بعض طرقاتها، إذ بصُرت بشيخ على باب يعلّم غلاماً، وهو يقول له، قُل: نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم ... نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا. قال الخليل: فدنوت منه فسلمت عليه، وقلت له: أيـّها الشيخ، ما الذي تقوله لهذا الصبي..؟ فذكر أنّ هذا العلم شيءٌ يتوارثه هؤلاء الصبية عن سلَفِهم، وهو علم عندهم يسمّى(التنعيم)؛ لقولهم فيه: نعم. قال الخليل: فـحجَجتُ ثم رجعت إلى المدينة فأحكمتُها}. وشبيه للرواية الأولى ما أورده ابن حجر العسقلاني في إعجاز القرآن (ص 63)؛ هكذا: نعم لا نعم لا لا نعم لَلا ... نعم لا نعم لا لا نعم لَلا، فهي تنتهي بـ ( لَلا) بدلاً من نعم؛ ثم أنها على النوع الأول من الطويل وليس الثاني؛ اللهم أنه قد سقطت فاعلن الثانية (لا نعم) من كلا الشطرين، وهو سقوط تصحيف على الأغلب. ومع تصحيح هذا الخطأ؛ فإنّ كل من رواية ابن حجر العسقلاني وأبي بكر محمد القضاعي، يشتركان في أنّ راوي رواية التنعيم عن الخليل واحد، لكن اختلفت الأسانيد بينهما، وهو الحسن بن يزيد. (انظر كتاب: العروض والقافية- دراسة في التأسيس والاستدراك لمحمد العلَمي – موضوع: ملامح عروضية قبل الخليل، ص 37). كما أنّ هناك رواية ثالثة للتنعيم جاء فيها (التنغيم) – بالغين - بدل العين، سنتعرض لها في موقع آخر من الكتاب الأم.

    (2) المتير: يقول الدكتور محمد العَلمي في الباب الأول- فصل (العروض والقوافي قبل الخليل): {ومن الملاحظات التي سبقت الخليل، ومهدت لعمله العلمي فيما أرجّح، ما يرويه الباقلاني: [قال الباقلاني:] وحكى لي بعضهم، عن أبي عمر علام ثعلب، عن ثعلب، أن العرب تعلّم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول، يوضع على بعض أوزان الشعر، كأنه على وزن: قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ، ويسمون ذلك الوضع (المتير)، واشتقاقه من المتر، وهو الجذب أو القطع، يقال: مترت الحبل، أي قطعته وجذبته. ولم يذكر هذه الحكاية غيره، فيحتمل ما قاله} -[(الباقلاني - إعجاز القرآن، ص 63. نقلاً من كتاب الدكتور محمد العَلمي (العروض والقافية- دراسة في التأسيس والاستدراك، ص 37).


    وفي المقالات القادمة سوف تتناول باقي البحور الأخرى بحرا بحراً، فنبين لكل بحر الأوزان العربية الممكنة، التي لم يذكرها الخليل؛ فنذكر من ضمنها تلك المستدركة عليه استدراكاً حقيقياً فيها، مع تجاهل تلك المستدركة عليه ظلماً. لكن هذا مشروط بتفاعل قرّاء رابطة الواحة بما أقدمه.
    ودمتم برعاية الله.

  4. #14
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي اجابة عن تساؤل

    وجه لي استاذنا عادل العاني في الفيسبوك، تساؤلا عن عنوان هذه المقالة المثير للغلط، وقد رأيت أن تساؤله وإجابتي على تساؤله هذا، سيكون بمثابة إضافة قيمة لهذه المقالة، يجعلها خالية من كل انتقاد على ما أرجو.

    عادل العاني:
    السؤال أخي العزيز : هل الفراهيدي لم يذكرها وهي كانت مستخدمة من قبل الشعراء العرب، أم أن ما تطرحه من أوزان هو اجتهاد..؟ لأن القول بأنه لم يذكرها يعني أنها كانت موجودة، ونعلم أن الفراهيدي تعامل مع ما كان بين يديه من أشعار...
    تحياتي وتقديري

    ابو الطيب القريني البلوي:
    سؤالك أخي الكريم في محله تماماً، وقولك " أن الفراهيدي تعامل مع ما كان بين يديه من أشعار " صحيح تماما أيضاً. فهذه الأوزان المذكورة للطويل هي فعلاً اجتهادات مني. واليك تبريري لسبب استخدامي عبارة " التي لم يذكرها الخليل" بدل أيّ عبارة أخرى:

    يأتي هذا انطلاقاً من أن النظرية العروضية العربية القوية (بحسب ما أؤمن به)، يجب أن تكشف عن القوانين الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب، ومتى كشفت عن ذلك أمكن توقّع جميع الاحتمالات الصحيحة، سواء وردت عن العرب أم لم ترد.

    ما يعني أنه بعد أن تثبت النظرية العروضية المتوافرة في الساحة، بأنها حقاً قد كشفت عن القوانين الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب، بأعلى ظن ممكن من الصواب؛ وتغلبت على ما سواها من نظريات منافسة؛ فحينها تغدو محاولة حصر الأوزان العربية الممكنة لكل بحر، كما فعلنا نحن مع هذه المقالة لبحر الطويل، إنما هو ترف زائد. وتغدو الشواهد الموثقة التي وردت عن العرب، إنما كأمثلة تضرب تمثيلاً على تطابقها مع النظرية التي حققت ذلك. تماماً كما هو حاصل في مبحث علم النحو والصرف.

    وطالما أنّ الخليل إنما أقام نظامه على قدر ما وصل له من قوالب شعر العرب، فقام بتكييف نواة نظامه وغلاف نواته على قدرها فقط، بدليل أن هناك قوالب مستدركة عليه استدراكاً حقيقياً لا مكان لها في نظامه. وطالما أن قوالب البحر هي بالضرورة أكثر عددا من تعداد البحر العربية المحصورة العدد، وهي أكثر مما افترضه الخليل، وذلك لأكثر من سبب. أقول: فطالما أن ذلك كذلك، فحينها تغدو العبارة التي استعملتها " التي لم يذكرها الخليل"، مبررة تماماً.

    وفي نهاية المقالة المذكورة في منتدى رابطة الواحة، وبعد أن حصرت جميع الأوزان العربية الممكنة لبحر الطويل، من وجهة نظر علم عروض قضاعة؛ قد وضعت هذا العنوان " التعليق الشافي على ما سبق وقدمناه"، ذكرت فيه تفاصيل أخرى قد تجيب بوضوح اكبر على تساؤلك، لم نتعرض له هنا منعا للإطالة.
    تقبل تحياتي.

  5. #15
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي


    قد سبق للأستاذ خشان أن وجّه لي تساؤلا يقع في صلب مادة هذا الموضوع، وذلك في مقالة سابقة في رابطة الواحة تحت عنوان " إجابة عن تساؤل للأستاذ خشّان"،هذا هو رابطها:


    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...91%D8%A7%D9%86

    وقد رأيت أن إضافتها هنا لتكون تحت العنوان الأخير لنا في هذه المقالة "التعليق الشافي على ما سبق وقدمناه:"، سيكون مناسبا تماماً.


    النص المستهدف من تلك المقالة:

    "الأستاذ خشان: بعد أن رضيت بإجابتي عن ما سبق وذكرته في تساؤلك، قلتَ في نهاية مشاركتك: (وهذا الاتفاق بيننا ضروري في تقييم ما أذكره مما قرأته في كتابك؛ وأنقل المعنى وأرجو أن تصوبني: عروض قضاعة يشمل ما لم يتعرف عليه الخليل من إمكانات الأوزان التي تطابق ذائقة العرب، وإن لم يصله أو يصلنا شعر عليها. يعني كيف نجمع بين قوليك بأهمية الشواهد وقبول أوزان لم يصلنا عليها شعر ؟).

    والإجابة الشافية على تساؤلك موجودة في كتاب (المنتج الجاهز)، لكنها فيه كانت مفرّقةً تحت أكثر من عنوان، وها أنا سأجمعها لك كاملة هنا مع بعض القرائن والأدلة الدالة عليها، فأقول: عبارتك الأولى وإن كانت صحيحة بالمعنى العام، أي في كون عروض قضاعة يشمل ما لم يتعرف عليه الخليل من إمكانات الأوزان التي تطابق ذائقة العرب، لكنها غير دقيقة فيما يخص الخليل ونظامه العروضي، أي قولك (يشمل ما لم يتعرف عليه الخليل من ذلك). واليك التصويب الدقيق للعبارة التي قلتها.

    فالقول بأن الخليل لم يتعرّف على إمكانات الأوزان التي تطابق ذائقة العرب، هو قول غير محرّر تماماً، ذلك أنّ الأساس الذي انطلق منه الخليل في إقامة بنيان نظامه العروضي، يتناقض مع هذه المقولة؛ فهو أساساً قد أقام بنيان نظامه العروضي على قدر ما وصل له من قوالب شعر العرب؛ وليس على أساس القوانين الصوتية والإيقاعية التي مضت عليها قرائح العرب،كما هو الحال في نظام قضاعة. وهذه القوالب هي ما شكلّت كيان نظام الخليل، النواة وغلافها.

    على أنه يجب التفصيل في مقولة "الأوزان" التي استعملها الأخ خشان، فالأوزان على نوعين: البحور وقوالب البحور. ذلك أنّ حصر بحور العرب هو غير حصر قوالب هذه البحور. فلا مفر للباحث العروضي الجاد من حصر البحور جميعها، لأنها قابلة للحصر قليلة العدد، ولأنها أركان عروضية ثابتة يتفرّع عنها قوالب؛ فالسلسلة لا تستحق لقب "بحر" إلّا إذا حققت عدة شروط إيقاعية، وليس جزافاً. والخليل وأبو الطيب قد حصرا البحور، على الرغم من بعض الاختلافات بين عروض قضاعة وعروض الخليل بهذا الشأن.

    الآن وبعد هذا التفريق نقول: إذا كان الخليل فعلاً قد أحصى 98% من القوالب التي جرى عليها نظمهم، لكن هذا لا يعتبر دليلاً لا للخليل ولا لغيره بأنه قد استوعب جميع إمكانات القوالب التي تطابق ذائقة العرب [وانتبه لكلمة "جميع" في السياق]؛ فإحصاء الموجود الموثّق شيء، وما يتيحه النظام من إمكانات أخرى حتى لو تظهر لها شواهد موثقة شيء آخر.

    ولذلك كان القياس في نظام الخليل محدود الإمكانات جداً، فالقوالب المستدركة عليه أو المستحدثة بعده، والتي لها مكان في نظامه، فهذه يشملها القياس، أمّا القوالب التي ليس لها مكان في نظامه فلا يشملها القياس، سواء كانت مستدركة عليه أم كانت مستحدثة بعده موافقة لذائقة العرب على حد توصيف الأخ خشان.

    وأوضح دليل على قولنا السابق هو مبحث العلل في نظامه، فالخليل لم يحسب حساب جميع إمكانات الأوزان معها إطلاقاً، وقد رأينا أمثلة متعددة على ذلك في كتاب (المنتج الجاهز). والسبب في ذلك أنّ علل نظامه قد صـمّمت أساساً على قدر ما وصل للخليل من قوالب شعر العرب كما قلنا؛ بحيث انه إذا استُدرك قالب على نظامه من العرب المعتد بنظمهم، ولم يكن له مكان في علل نظامه، تخلخل نظامه وصنّف هذا القالب بأنه من الشواذ ظلماً (راجع كتب العروض القديمة والحديثة وسترى مصداق ما أخبرتك به تواً).

    فمثلاً: من احد أهم قرائن د.عمر خلّوف في زعمه بأنّ اللاحق بحر مستقل بذاته، أنّ الخليل لم يذكره في نظامه، وأنه ليس له مكان في دوائر الخليل العروضية. فهذا الزعم بكون اللاحق بحر قائم بذاته غير صحيح برأي قضاعة؛ فاللاحق قالب تابع لبحر البسيط لكن بُنية نظام الخليل لا تستطيع استيعابه، ولا تستطيع دوائر نظام الخليل استيعابه كذلك. وبالتالي فلا مكان لقياسه بغيره في نظام الخليل؛ مع أنّ قصة اللاحق على الحقيقة هي نفس زعم الخليل بأن السريع بحر قائم بذاته مفصول عن الرجز؛ فالشرط الإيقاعي اللازم للحصول على اللاحق من البسيط، هو نفس الشرط الذي طبّقه العرب على القوالب التي فصلها الخليل عن الرجز تحت مسمّى السريع. ويتعذر ذكر هذا الشرط الإيقاعي هنا، لكن قد ذكرناه في كتاب المنتج الجاهز.

    اللهم أنّ السريع وجد له مكاناً في دائرة المشتبه التي صنعها الخليل على عينه، ليضع فيها كل ما رفض أن ينصاع لبنية نظامه التي استقر أمره عليها؛ فمن احد شروط استحقاق السلسلة على لقب (بـحر) في عروض شعر العرب، هو انتماءه لدائرة، إضافة لشرطين آخرين. أمّا اللاحق كقالب للبسيط، فلم يحالفه الحظ في انتماءه لدائرة في نظام الخليل. وهناك أمثلة أخرى غير اللاحق على ما ذكرناه.

    وحتى لو أراد الخليل حساب جميع إمكانات الأوزان معها [وانتبه لكلمة "جميع" في السياق]، التي تتطابق مع ذائقة العرب على حد وصف الأخ خشان؛ فلن يستطيع..؟ وهذا بعكس افتراض الدكتور محمد العلمي بأنّ نظام الخليل قابل للتطوير (دراسة في التأسيس والاستدراك، ص 116 - 117).

    والسبب في ذلك أنّ الأدوات التي استخدمها الخليل في صناعة نظامه، لن تسعفه في بيان ذلك. فنظام الخليل قام على فكرة الجزء وانتهى بها، والدائرة هي روح نظامه؛ فلا شرعية للجزء خارج دوائر نظامه؛ لكن الجزء يشير لواقع متوهّم وليس حقيقي، على الرغم من أنّ الخليل استطاع إقامة نظامه العروضي على فكرة الجزء. نقول هذا بدليل أنّ هناك سلاسل صوتية تامة تشابه سلاسل العرب في كونها أولية وخالية من العثرات؛ لكن فكرة الجزء في نظام الخليل سوف تعجز عن تجزيئها؛ محافظة على شرط صحة الجزء في نظام الخليل طبعاً [احتواءه على وتد وسببين على الأكثر]. وهذا بعكس فكرة النسق في نظام قضاعة التي تشير لواقع حقيقي وليس متوهّم. (راجع مختصر خريطة العقل: البنود 6- 8).

    وهذا ليس بمستغرب..؟ فليس مستحيلاً أن تعثر على فكرة قد تكون خاطئة أو باطلة، ومع ذلك قد تجد لها مكاناً في تطبيق عملي ما. فمثال الفكرة الخاطئة التي وجدت لها سبيلاً في التطبيق العملي هي فكرة الجزء في نظام الخليل كما قلنا. أمّا مثال الفكرة الباطلة التي وجدت لها سبيلاً في التطبيق العملي فهي فكرة الوتد المفروق والسبب الثقيل في نظامه، وكذلك فكرة المقطع التي يقول بها الأصواتيون. أمّا فكرة النسق في نظام قضاعة، فهي تشير لواقع حقيقي وليس متوهم كما قلنا (راجع المنتج الجاهز لعروض قضاعة).

    ولأن نظام الخليل قام أساساً على ما ذكرنا، ولأن فكرة الجزء تشير لواقع متوهم؛ ولأسباب أخرى متعددة لم نذكرها مع أهميتها البالغة؛ فلا يمكن الركون على القياس في نظام الخليل في استشراف جميع إمكانات الأوزان التي تتطابق مع ذائقة العرب.

    الآن وبعد فراغنا من تصويب عبارة الأخ خشان المذكورة، ننصرف للفقرة الأخيرة من كلامه المشار إليه، وهي قوله: (كيف نجمع بين قوليك بأهمية الشواهد وقبول أوزان لم يصلنا عليها شعر ؟).

    فأقول: تكمن أهمية الشواهد في كونها المادة الخام التي ينظر فيها العروضي عند إقامة النظام العروضي بحسب اجتهاده. ثم إذا استقام له النظام العروضي المزمع إنشاءه بناءً على الشواهد التي تحصّل عليها؛ بحيث استطاع توصيف معظم دقائق القوانين الصوتية والإيقاعية التي سار عليها الشعراء بحسب اجتهاده، بشكل محكم ومترابط وشامل ودون تناقضات؛ فيكون النظام العروضي قد قام على قدميه. وإذا استطاع هذا النظام تفسير معظم دقائق عروض الشعر العربي، فهذا علامة ثانية على متانة النظام العروضي الذي تم إنشاءه.

    وبالتالي سيستطيع هذا النظام العروضي من خلال القياس، استخراج جميع إمكانات الأوزان التي تتطابق مع ذائقة العرب؛ حتى لو لم تحضر الشواهد الموثقة عنهم على هذه الأوزان. وهذا ما يستطيعه نظام قضاعة ويعجز عنه نظام الخليل.

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12