أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: واقع القافية في الشعر العربي، وواقعها في نظام الخليل؛ وأمور أخرى

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي واقع القافية في الشعر العربي، وواقعها في نظام الخليل؛ وأمور أخرى

    واقع القافية في الشعر العربي، وواقعها في نظام الخليل؛ وأمور أخرى


    الباحث العروضي/ وصاحب علم عروض قضاعة: أبو الطيّب ياسر بن احمد القريـــــــني البلوي القُضاعي

    كانت رؤية الخليل رحمه الله للقافية رؤية صحيحة في مجملها، لم يفسدها عليه سوى نظرته إليها نظرة لغوية خالصة. فليست القافية العربية حرف الرّوِي فقط، كما يرى بعضهم (العمدة، ج1/ 153)، وليست هي آخر كلمة من البيت انطلاقاً من مدلول كلمة (قافية) في اللغة على ما قال الأخفش (القوافي للأخفش، ص 3).
    بل هي أكثر من ذلك، تماماً كما قال الخليل؛ فالقافية العربية مركبة من حروف وحركات بكيفية معيّنة هي ما يمنح القافية العربية موسيقى خاصة بها؛ هذا مع ضرورة انسجامها مع الوزن طبعاً [مع إيقاع القصيدة]. فلو كانت القافية حرف الروي فقط، لجاز للشاعر أن يجمع بين (ماثِلْ) و(مِثْلْ) و(تمثالُ) و(مثالُ) و(تمثيلْ) و(متَمثّلْ). وهو ما لا يجوز لاختلاف القافية مع اتفاق الروي [الذي هو حرف اللام].
    فأي نعم أنّ القافية العربية يمكن أنْ توصف بأنها مؤلفة من حروف وحركات، لكن الخليل عرضها بطريقة جعلت علم العروض في واد والقافية في واد آخر، مع أنّ القافية لا انفصام لها عن وزن البيت. وهذا ما جعل من علم القافية في نظامه معقداً، مع أنه علم سهل في أصله كما سنرى في الكتاب الأم لعروض قضاعة [وفي كتاب المنتج الجاهز لعروض قضاعة المتاح على الانترنت، والذي سيصدر منه نسخة جديدة منقحة قريباً جداً بإذن الله].

    وسنعرض أولاً أهم مصطلحات القافية المتقاطعة مع علم العَروض، من وجهة نظر الخليل، والتي هي صحيحة بالمجمل.

    — الرّوِي: لا بد لكل شعر عربي من قافية، ولا بد للقافية من روي تُبنى عليه قافية القصيدة، يلتزم الشاعر تكراره في نهاية أبيات القصيدة، وإليه تُنسب القصيدة، فيقال قصيدة رائية أو ميمية. فإذا غاب الروي غابت القافية وغاب معها استحقاق البيت بأن يوصف بكونه شعراً عربياً.
    والروي قد يكون ساكناً فيُلتزم سكونه، فيسمّى (مُقَيَّد) عندئذ، ويقال معه [تَـقييد الروي]، وتسمّى قافيته التي وُجِد بها (قافية مقيّدة)، لأن رَوِيها قُـيّد عن الحركة بالسكون، وهذا من نحو روي الراء في: (نُــوْرْ – دارْ – عِيـْرْ – عابِرْ – قَبـْرْ – أسْفَرْ- نَصَرْ- نَصْرْ [وَارْبَعـْنْ]). وقد يكون الروي محركاً فيُلتزم تحريكه بنفس الحركة، ويقال له [إطلاق الروي]، ويسمّى (مُطْـلَق) عندئذ [روي مطلق]، لأنه أُطلِق بالحركة فلم يعد مقيّداً بالسكون، وتسمّى قافيته التي وُجِد بها (قافية مطلـقة)، وهذا من نحو: نُــوْرُ، نُــوْرُهْ، نُــوْرُهُ – دارُ، دارُهْ، دارُهُ – قَـبْـرُ – أسْفَرَ.

    وإذا انتهت القافية برويّ مطلق ليس بعده هاء، فيجب إشباع حركة الروي، لأنه لا وقوف لقافية عربية على متحرك. فينتج عن إشباع حركة الروي حرف مدّ ساكن موافق لصوت الحركة المشبعة [أحد حروف واي: قاتِلُ: قاتِلُـوْ]. فلأجل ذلك لا يكون الروي حرف مد إلّا في حالات مخصوصة (من نحو: بُشرَى). ولا يكون الروي تنوين. ولا يعتبر الروي هو حرف الهاء أو الهمزة إلّا إذا سبقهما ساكن فيعتبران عندئذ أنهما الروي، من نحو (أعلاهُ - حاشاهُ، إعلاءُ - سَماءُ). إنما قد يلحق الروي الصحيح المطلق حرف الهاء كوصل له، فتوصف القافية بأنها (موصولة).
    وقد تكون هذه الهاء ساكنة من نحو: (قائِلُهْ – قَولُهْ – قَتـْلُهْ – يقتُلُهْ)، أو قد تكون الهاء محركة من نحو: (قائِلُهُ – قَولُهُ – قَتْلُهُ – يقتُلُهُ). فإذا كانت الهاء محركة فلا بد حينها من إشباع حركتها لأنه لا وقوف لقافية عربية على متحرك، فينتج عن إشباع حركتها حرف مد ساكن موافق لصوت الحركة المشبعة (واي) [(قاتِلُهُ – قاتِلُهُوْ)، (قاتِلُها)، (قاتِـلِهِ- قاتِلِـهِـيْ)].

    وهناك ملاحظات إضافية حول الروي ليست مجال بحثنا الآن. ولبعض ما ذكرناه أسماء تفصيلية عند القوم لا تُسمن ولا تُغني من جوع، بل فيها إرباك للذهن نحن في غنى عنها طالما أنّ وصف واقعها يغني عن مسمّياتها المربكة.

    — الرِّدْف [القافية المردوفة]: الردف هو أحد حروف المد الثلاثة الساكنة (واي)، أو حرفـيّ اللين، الواو والياء الساكنتين، والتي تقع قبل الروي مباشرة دون فاصل بينهما. ويجب التزام الردف كما يُلتزم الروي، لِما لذلك من تأثير مخرّب جداً لموسيقى القافية العربية فيما لو جرى الإخلال به.
    ومثال الردف بالياء المدية من نحو: (قَتِيلْ، قَتِيلُ، قَتِيلُهْ، قَتِيلُهُ - صَهِيلُ)، ومثال الردف بالياء الليّنة: (ذَيْلْ، ذَيْلُ، ذَيْلُهْ، ذَيْلُهُ - سُهَيْلُ)، ومثال الردف بالواو المدّية: (طُولْ، طُولُ طُولُهْ، طُولُهُ – نُحُولُ)، ومثال الردف بالواو اللينة: (قَـوْلْ، قَـوْلُ، قَـوْلُهْ، قَـوْلُهُ- حَوْلُ – هَوْلُ)، أمّا مثال الردف بالألف التي لا تكون إلّا مدّية، فمن نحو: (قالْ، قالَ، قالَهْ، قالَهُ – مالَ - جِبالَ – إذلالا).
    فإذا كان هكذا هو حال القافية برويّها مع الردف، فتوصف القافية بأنها مردوفة. ولا يمنع هذا الوصف من إضافة وصف آخر للروي من جهة المطلق والمقيّد، فتكون مردوفة مطلقة [قَتِيلُ، قَتِيلُهْ، قَتِيلُهُ]، أو تكون مردوفة مقيّدة [قَتِيلْ].

    هذا مع ملاحظة أنه لا يجوز الجمع بين المد واللين في قصيدة، بل يُقتصر على أحدهما لِما في ذلك من تخريب لموسيقى القافية فيما لو حصل. ومع ملاحظة أنه إذا كان الردف بالياء جاز تعاقب الردف بالواو معها دون خلط المدية باللينة في القصيدة، أي أنّ التعاقب هو ضمن المدّيات مع بعضها، وضمن الليّنات مع بعضها. أمّا الألف المدية فلا تُعاقب أحداً ولا يعاقبها أحد.

    — التأسيس - القافية المؤسَّسَة [ألف التأسيس - دخيل التأسيس]: التأسيس ألف ساكنة يحجز بينها وبين حرف الروي حرف واحد فقط، يسمّونه الدخيل، من نحو: (قائِلْ، قائِلُ، قائِلُهْ، قائِلُهُ). فالألف كما ترى تظل ملتزمة مهما كان حال الروي، أهوَ مقيّد أم مطلق، موصول بهاء ساكنة أو محركة أم غير موصول بأحدها. أمّا الدخيل، وهو في هذا المثال حرف الهمزة؛ فتُلتزَم حركته لا حرفه كما رأيت، وهي هنا الكسرة، وغالباً ما تكون هي الكسرة في شعر العرب.
    ففي القافية المؤسسة قد تجد هذه الكلمات في قصيدة واحدة في موضع القافية، ممثلة للقافية المؤسسة المقيدة [الفَواضِلْ – الصَّوَاهلْ- الذَّوابلْ- قائِلْ- أوائِلْ، ..الخ]. وعلى الأغلب تقع هذه المكونات التي قد تؤلف القافية المؤسسة في كلمة واحدة، إلّا في حالات معيّنة ليس هذا أوان بحثها.

    فلا انفكاك في القافية المؤسسة بين ألف التأسيس والدخيل، ولا انفكاك بين الدخيل الذي هو حرف محرك، وبين الروي. فلا تكون الألف ألفُ تأسيس إلّا بوجود الدخيل، ولا يكون الدخيل دخيلاً إلّا بوجود ألف التأسيس وبعده الروي مباشرة. فهذه الكلمات (مثاكِيلُ – أضالِيلُ – تعالِيلُ- تماثِيلُ - أبابِيلُ- منادِيلُ- قنادِيلُ) لا تشير للقافية المؤسسة، لأنه حجز بين الألف فيها وبين الروي الذي هو اللام، حرفان وليس حرفاً واحداً. وعلى ذلك فالألف فيها هي ألفُ مد، فلا توصف بغير ذلك. والحرف المحرك الذي يتبع الألف فيها لا يسمّى (دخيل)، إنما هو فقط حرف محرك. فتلك الكلمات على الحقيقة، إنما هي مثال على القافية المردوفة بالياء.
    فإذا كان هكذا هو حال القافية برويّها مع الدخيل وألف التأسيس، فتوصف بأنها قافية مؤسسة. ولا يمنع هذا الوصف للقافية بكونها مؤسسة، من إضافة وصف الروي لها من جهة المطلق والمقيّد، فتكون قافية مؤسسة مطلقة [قائِلُ، قائِلُهْ، قائِلُهُ]، أو تكون قافية مؤسسة مقيّدة.

    — القافية المُجرّدة: لو خلت القافية من الردف أو التأسيس، من نحو: (قَـلْبْ، قَـلْبُهْ، قَـلْبُها، قَـتْـلُهُ- مَـقْـتَـلُهُ)، حينها يأتي مصطلح المجرّد الضروري في نظام الخليل، ليحل هذا الإشكال، فيقال: (قافية مـجَرّدة)، أي مجرّدة من الردف والتأسيس كتعميم.


    ولعلك قد لاحظت أنه لا علاقة لهذين المصطلحين، المطلق والمقيّد؛ بمفاتيح القافية الثلاثة في نظام الخليل (المجرّدة، المؤسسة، المردوفة)؛ فقد تكون القافية مردوفة ومطلقة في نفس الوقت، وقد تكون مردوفة ومقيّدة في نفس الوقت. ففي قولنا (قافية مقيّدة): فإلى جانب أنها مقيّدة، فهذا الوصف يتسع للمجرّدة والمردوفة والمؤسسة جميعاً. أمّا إذا لم تكن القافية مجرّدة، فلا مناص من احتوائها إمّا على الردف وإمّا على التأسيس. فلا وجود لقافية تجمع بين الردف والتأسيس في آنٍ معاً، فهذا ممتنع في اللغة وفي اللفظ.

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    الآن بعد هذا العرض الموجز لصورة القافية في نظام الخليل، هل لاحظت معي أن لقافية في نظام الخليل لها مفصِلَين تتفرعان من عندها، هما مفصِل التفريق بين المطلق والمقيّد من جهة، ومفصِل التفريق بين الردف والتأسيس والمجرّد من جهة ثانية؛ وهما متداخلان جدا ببعضهما، وقام على كل مفصِل منهما تفريعات.

    وهل لاحظت أيضاً أن عدد حروف القافية كما قررها الخليل هي ستة في الظاهر، لكنها على الحقيقة خمسة حروف فقط. وقد تجتمع هذه الحروف الخمسة كلها في قافية واحدة، وقد لا يجتمع إلّا اثنان منها، أحدهما الروي طبعاً، مع حرف آخر قبله. فحروف القافية عند الخليل بحسب اتجاه سير القافية في النطق: ألف التأسيس، الردف، الدخيل، الروي، الوصل، الخروج. (انظر الصورة)

    قافية- واحة.jpg

    فالوصل عنده يتفرع إلى فرعين بنفس المسمّى: 1- حرف المد الناتج عن إشباع حركة الروي المطلَق؛ لأنه لا وقوف لقافية عربية على متحرك [وهذا بنفس مفهوم الخروج]. والفرع الثاني هو الهاء الساكنة الموصولة بالروي المطلق.

    فالخليل لم يعطِ كل حرف من حروف القافية مسمّى عام به مرتبط بموقعه في تسلسل القافية، بغض النظر عن مفتاح القافية؛ ولو فعل ذلك لأراح العقل في التفكير، والقلم في التسطير. لكنه بدلاً من ذلك، جعل الرّوي قطب الرّحى، وما قبله وما بعده يعتمد عليه لُغوياً ونـحْوِياً في التفريع. وقد أعطى بعض مكونات القافية بنظره مسمّيات مخصوصة، لكنه لم يشرك معها في المسمّى غيرها مما لها نفس الواقع؛ وأشرك بعضها بنفس المسمّى مع أنّ واقع كل منها مختلف عن الآخر..!

    فالحرف الرابع والخامس لهما نفس المسمّى عنده، وهو (الوصل)؛ مع أنّ الحرف الرابع هو حرف مد سينتج عن إشباع حركة الروي غير الموصول بها. والحرف الخامس هو الهاء التي قد تتصل بالروي المحرك؛ وهذان واقعان مختلفان عن بعضهما كما ترى.

    بل أنّ مصطلح الوصل عنده يجمع بين الهاء الساكنة والمحركة، فلم يشركهما حتى بمصطلح المقيّد والمطلق [الساكن والمحرك]، اللذين خصهما بالروي وحده. والحرف السادس الذي هو حرف مد أيضاً، ينتج عن إشباع حركة الهاء فيما لو كانت محركة؛ فقد منحها الخليل مسمّى (الخروج)، مع أنّ واقعها هو نفس واقع الوصل الذي سينتج عن إشباع حركة الروي غير الموصول بهاء.
    والحرف الثاني في القافية العربية قد تنازعه في نظامه مسمّى (الرِّدف) ومسمّى (الدخيل)، فإذا لم يكن ردفاً ولا دخيلاً، فليس له مسمّى عنده. أمّا الحرف الأول في القافية العربية في نظامه، فقد اقتصر على مسمّى التأسيس، فإذا لم يكن هو ألف التأسيس، فليس له مسمّى عنده. وهذا ما جعل وصف هذه الوقائع في نظامه مربكاً للذهن.

    ثم أنّ الخليل صنع لحركات القافية ستة مسمّيات قائمة وحدها (الرّس، الحَذْو، الإشباع، التوجيه، المَجْرى ، النّفاذ). فالرّس هو الفتحة قبل ألف التأسيس، وهذه فعلياً لا داعي لها، فما يسبق ألف المد هو دائماً فتحة. والحذو هو الحركة التي قبل الردف. والإشباع هو حركة الدخيل. والتوجيه هو الحركة التي قبل الروي المقيّد. أمّا المجرى فهو حركة الروي المطلق سواء كان موصولاً بهاء ساكنة أم غير موصول بها [مثلاً: ضمة الباء في كل من: قلبُ - قلبُـهْ]. أمّا النفاذ فهو حركة الهاء التي للوصل [مثلاً: ضمة الهاء في: قلبُـهُ – كسرة الهاء في : سماءهِ].

    فلو أنّ الخليل – كما قلنا- كان قد أعطى كل حرف من حروف القافية المعتبرة مسمّى عام به مرتبط بموقعه في تسلسل القافية، لكان من السهولة بمكان نسبة حركة الحرف المقصود إلى مسمّى الحرف نفسه، دون داع لصنع مسمّى له يرهق الذهن. فمثلاً: قد منح أبو الطيب القضاعي الحرف الذي قبل الروي مسمّى "السّند"، كمسمّى عام في كل مفتاح، ولو أردنا الإشارة لحركته فسنربطها بالمفتاح ونقول: (حركة السند في مفتاح التأسيس)، وهكذا فإنه لا داعي لمسمّى "الإشباع". حتى أنه هذا ممكن تطبيقه في نظامه مع الروي، فبدلاً من مصطلح "التوجيه" الذي لا داعي له، يمكننا القول: (حركة الروي المقيّد)، فهذا أيسر للذهن وأخف وطاة على الذاكرة. فصاحب عروض قضاعة قد قسّم القافية على أساس حروفها الخمسة ومفاتيحها الأربعة، ما جعل مبحث القافية سهلاً جداً. وتفاصيل ذلك سنراها في المقالة القادمة بإذن الله.

    والمذكورة أعلاه، هي أهم مصطلحات القافية في نظام الخليل المتقاطعة مع علم العروض من وجهة نظر الخليل، ذلك أنّ انسجام القافية مع الوزن [مع الإيقاع]، لا مساومة فيه في الشعر العربي. فهذه القوافي المردوفة الملتزمة برويّ اللام: (قتِيلُ– تفصِيلُ – تعوِيلُ- تمثِيلُ - تأوِيلُ - غلِيلُ – تقبِيلُ - مثاكِيلُ - نبِيلُ - قلِيلُ – عوِيلُ – تحوِيلُ – يميلُ - جميلُ – خلِيلُ – تهلِيلُ- يسِيلُ - جلِيلُ)، قد تأتي في قصيدة واحدة لكونها محققة لشروط القافية العربية.
    لكن لابد من تحقيق شرط آخر معها، ألا وهو انسجامها مع الوزن. فهذه الكلمات يمكن أن تأتي في قصيدة واحدة، وعلى أكثر من قالب محدد من البحر الواحد أو من قوالب البحور الأخرى؛ فالمهم أن يكون ضرب القالب منتهي بسبب خفيف، أو منتهي بسببين خفيفين، أو منتهي بثلاثة أسباب خفيفة، ليمكن لهذه القافية المردوفة المطلـقة وغير الموصلة بهاء، أن تلتحم بها، كالتالي:

    خُذا لَذَّةً مِن ساعَةٍ مُستَعارَةٍ ... فلَيسَ لِتَعوِيقِ الـحَوادِثِ تَمثِيلُ
    //0 /0 - //0 /0 /0 - //0 /0 - //0 //0 ... //0 / - //0 /0 /0 - //0 / - //0 /0 /0

    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... فعولُ مفاعيلن فعولُ مفاعيلن
    نعم، لا نعم، لا لا نعم، لا #، نعم ... نعم، نعمم، لا لا نعم، نعمـ#ـم، لا لا

    - جملة وصف نظام الخليل: الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة، ولها ضرب صحيح سالم.
    [- جملة وصف نظام قضاعة: الطويل ذو الصدر الدارع المعقود، والعجز الدارع المتروك. (دارع: # قطيف)]

    ****

    وما ماتَ منّا سَيِّدٌ حَتفَ أنفِهِ ... ولا طُلَّ منّا حَيثُ كانَ قَتِيلُ
    //0 /0 - //0 /0 /0 - //0 /0 - //0 //0 ... //0 /0 - //0 /0 /0 - //0 / - //0 /0

    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... فعولن مفاعيلن فعولُ مفاعلْ
    نعم، لا نعم، لا لا نعم، لا #، نعم (ت=14) ... نعم، لا نعم، لا لا نعم، نعمـ#ـم، لا (ت= 13)

    - جملة وصف نظام الخليل: الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة، ولها ضرب محذوف معتمَد.
    [- جملة وصف نظام قضاعة: الطويل ذو الصدر الدارع المعقود، والعجز الفارع المتروك. (دارع: # قطيف ، فارع: # خطوة)]

    ****

    كَأنّ بين تَراقِيها ولبَّتِها ... جَمراً به مِن نُجومِ اللَّيلِ تَفصِيلُ
    //0 //0 - ///0 - /0 /0 //0 - ///0 ... /0 /0 //0 - /0 //0 - /0 /0 //0 - /0 /0

    متفعلن فعلن مستفعلن فعِلن ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلْ
    نعم نعم، نعمم، لا لا #، نعمم (ت= 14) ... لا لا نعم، لا نعم، لا لا #، لا لا (ت= 13)

    - جملة وصف نظام الخليل: البسيط ذو العروضة التامة المخبونة، ولها ضرب مقطوع.
    [- جملة وصف نظام قضاعة: البسيط ذو الصدر الدارع المجدول، والعجز الفارع المتروك. (دارع: # فتلة، فارع: # فَتيل)]

    ****

    وفِتيةٍ كَالنُجومِ حُسناً ... كُلُّهُمُ شاعِرٌ نَبِيلُ
    //0 //0- /0 //0 - //0 /0 ... /0 ///0- /0 //0 - //0 /0

    متفعلن فاعلن متفعلْ ... مستعلن فاعلن متفعلْ
    نعم نعم، لا #، نعم لا (ت= 10) ... لا نعمم، لا #، نعم لا (ت= 10)

    - جملة وصف نظام الخليل: البسيط ذو العروضة المجزوءة المقطوعة الممنوعة من الطي الجائز فيها الخبن، وضربها مثلها. (مخلّع البسيط)
    [- جملة وصف نظام قضاعة: البسيط ذو الصدر الأحدب المعقود، والعجز الأحدب الأرقط. (أحدب: # قطاع)]

    ****

    1- يا ويلَ أُمِّكُمُ ووَيلَ أبِيكُمُ ... ويلاً تَرَدَّدَ فيكُمُ وعَوِيلُ
    /0 /0 //0- ///0 //0- ///0 //0 ... /0 /0 //0- ///0 //0- ///0 /0

    متْـفاعلن متَـفاعلن متَـفاعلن ... متْـفاعلن متَـفاعلن متَـفاعلْ
    لا لا نعم، نعمم #، نعمم نعم (خ= 12) ... لا لا نعم، نعمم #، نعمم لا (خ= 11)

    2- وسَرى بِكُمْ تَيسٌ أَجَمُّ مُجَذَّرٌ ... ما لِلدَّمامَةِ عنكُمُ تَحوِيلُ
    ///0 //0- /0 /0 //0- ///0 //0 ... /0 /0 //0- ///0 //0- /0 /0 /0

    متَـفاعلن متْـفاعلن متَـفاعلن ... متْـفاعلن متَـفاعلن متْـفاعلْ
    نعمم نعم، لا لا #، نعمم نعم (خ= 12) ... لا لا نعم، نعمم #، لا لا لا (خ= 11)

    - جملة وصف نظام الخليل: الكامل ذو العروضة التامة الصحيحة الجائز فيها الإضمار، ولها ضرب مقطوع ممنوع إلّا من الإضمار والسلامة.
    [- جملة وصف نظام قضاعة: الكامل ذو الصدر التام الحر، والعجز التام الأثلم الحر [= الكامل ذو الصدر التام والعجز الأثلم الحرّين]. (كامل تام: # قنطرة خببية، أثلم: # قطاع خببي)]

    ****

    1- وانْقَضى صَبرُكَ الـجَمِيلُ وما يَـبْـ ... ـقَى على الـحادِثاتِ صَبرٌ جَمِيلُ
    /0 //0 /0 - //0 / /0- ///0 /0 ... /0 //0 /0 - //0 / /0- /0 //0 /0

    فاعلاتن متفع لن فعلاتن ... فاعلاتن متفع لن فاعلاتن
    لا نعم، لا نعم #، نعمم لا (ت= 12) .... لا نعم، لا نعم #، لا نعم لا (ت= 12)

    2- وسَلا مغرم وليسَ بِسالٍ ... وتَجافى عنِ الـخَلِيلِ خَلِيلُ
    ///0 /0 - //0 / /0- ///0 /0 ... ///0 /0 - //0 / /0- ///0 /0

    فعلاتن متفع لن فعلاتن ... فعلاتن متفع لن فعلاتن
    نعمم، لا نعم #، نعمم لا (ت= 12) .... نعمم، لا نعم #، نعمم لا (ت= 12)

    3- بِكَ تَـزكُو الصَّلاةُ والصَّومُ والـحَجْـ ... ـجُ ويَزكُو التَّسبِيحُ والتَّهلِيلُ [والحجُّ: تدوير]
    ///0 /0 - //0 / /0- /0 //0 /0 ... ///0 /0 - //0 / /0- /0 /0 /0

    فعلاتن متفع لن فاعلاتن ... فعلاتن مستفع لن فالاتن
    نعمم، لا نعم #، لا نعم لا (ت= 12) .... نعمم، لا نعم #، لا لا لا (ت= 11)

    - جملة وصف نظام الخليل: الخفيف ذو العروضة التامة الصحيحة الجائز فيها الخبن والكف والشكل، وضربها مثلها يجوز فيه التشعيث من غير لزوم لكن يمتنع فيه الكف. [فلا وقوف لقافية عربية على متحرك]
    [- جملة وصف نظام قضاعة: الخفيف ذو البيت التام المخضود، وغير المعذور صدراً.].



    فضرورة انسجام أحكام القافية العربية مع نهاية إيقاع العجُز [مع جرس العجز]، قد لاحظه الخليل رحمه الله، لكن نظرته اللغوية النحوية الخالصة للقافية، وارتهانه للحرف الصوتي، بالإضافة لخطأ فكرة الجزء في ذاتها كما رأينا في مقالة سابقة في رابطة الواحة "السر الدفين"، ولأمور أخرى ليس هذا أوان طرحها؛ فهذا ما جعل موضوع القافية في نظامه عسيراً على الاستيعاب بسهولة. مع أنّ أمر القافية للإنسان العربي أهوَن بكثير من أمر العروض.

    فالقافية عند العرب هي تذوّق صوتي أكثر منها علم. فالعربي بفطرته العربية المطبوع بها، والتي لم يفقدها لحد الآن، ولا أظنّه سيفقدها؛ يعرف أنّ (ناصرُ) ككلمة قافية، يمكن أن يأتي معها (صابرُ) وليس (صَبَروا)، ولا (صَبْـرُ)، ولا (صَبُوْرُ)؛ دون أن يحتاج أن يعرف أين الروي فيها وأين الردف وأين التأسيس، وهل هي مجرّدة أم مطلَقة أم مقيّدة.

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    وأول ما يلاحظ في مبحث القافية المربك للذهن عند القدماء، هو الغياب الواضح لعلاقة القافية بالإيقاع، مع أنّ هذه العلاقة هي الدافع الأول والأخير لضم علم القافية لمبحث العروض في الكتب. فبدون بيان كيفية اتحاد كلمات القافية وتراكيبها اللغوية بالضرب، فهي مجرّد كلمات من كلمات اللغة قد تأتي في الحشو. فعدم تركيزهم على هذه العلاقة، جعل القافية في كتبهم وكأنها في واد، ووزن الشعر العربي في واد آخر.

    وإذا ما حاولوا ربط القافية بوزن الشعر باستخدام فكرة الجزء الخاطئة ومفهوم الحرف الصوتي القاصر عن بيان ذلك على ما شرحنا في المقالة المذكورة، زاد الأمر بذلك تعقيداً، ولم تنفع تلك الأمثلة المضروبة في ردم تلك الهُـوّة. وأقصد بذلك تفريع الخليل للقوافي إلى خمسة أنواع، بناءً على ما يفصل بين ساكنيها الأخيرين من متحركات. هذه التي توصف أحياناً في كتب العروض الخليلية بأوصاف متعددة: ألقاب القوافي، أضرُب القوافي، أنواع القوافي، عدّة القوافي، حدود القوافي، وهي:

    قافية المتواتِر: كل لفظ قافية فصل بين ساكنيه متحرك واحد. [0 / 0 ، أي ما كان آخره سبب خفيف].
    قافية المتدارِك [بكسر الراء]: كل لفظ قافية فصل بين ساكنيه متحركان. [0 / / 0 ، أي ما كان آخره وتد مجموع].
    قافية المتراكِب: كل لفظ قافية فصل بين ساكنيه ثلاث متحركات متوالية. [0 / / / 0 ، آخره فاصلة صغرى]
    قافية المتكاوس: كل لفظ قافية فصل بين ساكنيه أربع متحركات متوالية. [0 / / / / 0 ، آخره فاصلة كبرى]
    قافية المترادِف: وهي أن يجتمع آخر البيت ساكنان. [ 0 0 ]

    فعدا عن أنّ هذا التقسيم مـختلّ كما سنرى في مقالة قادمة قريباً، لكن لاحظ أنّ هناك تقسيمات أخرى للقافية قد تشتبك مع هذه المصطلحات. فالقافية تُقسّم أيضاً إلى قافية مقيّدة وأخرى مطلقة، وإلى قافية مؤسسة وأخرى مردوفة وثالثة مجرّدة من الردف والتأسيس. فلاحظ أنها جميعاً قد يسبقها كلمة (قافية)..! وفي هذا تشتيت للذهن.

    فكثرة التفريعات المتداخلة فيما بينها عندهم في مبحث القافية، الضروري منها وغير الضروري. ثم هناك تفريع لحركات القافية مع أسماء لها، لا داعي لتفريعها ولا لأسمائها. وهناك تفريعات لعيوب في القافية مبنيّة على تفريعات متداخلة فيما بينها، مشوِّشة جداً للذهن بسبب ما ذكرنا. فعدم استحداث مصطلحات تكون ضرورية في العلم، هو بمثل ضرر استحداث مصطلحات لا ضرورة لها فيه، أو بمثل ضرر مصطلح غير محكم فيه أيضاً، أليس كذلك .. ؟

    رِأْي: (أبو الطيب القضاعي): الظاهر أن الـوَلَع باختراع المصطلحات كان طاغياً على النفس في عصر الخليل وما بعده (ظن ناقب).
    فالخليل هو أوّل من افتتح هذا الولع بصنع ثمانية أسماء للخرم دون أيّ داع [أخرَم - أثرَم – أثلَم - أشتَر – أخرَب – أعضَب – أقصَم – أعقَص – أجَمّ]. فمع رفض عروض قضاعة للخرم، ومع حكم الخليل بكراهته، لكن واقعه واحد لا يشوّش عليه إن جاء مع الجزء السالم أم جاء مع الجزء المزاحف، طالما انه مخصوص بالجزء المبدوء بوتد، وأنه محصور بأول البيت. ثم فوق ذلك قد اخترع الخليل مصطلحي (الموفور) (والابتداء) المتعلقين بالخرم أيضاً..؟! فالجزء المبدوء بوتد ولم يخرم يسمّى (الموفور). أما إذا اعتل بالخرم فيسمى (الابتداء)..!
    وكذلك باقي التوصيفات التي جاءت لتصف حالات البيت مع الزحاف أو دونه (الفصل، الغاية، المُعَرّى). فالفصل هو كل عروضة خالفت الحشو في حكم الزحافات والعلل، فعروضة الطويل مثلاً هي فَصْل، لأن زحاف القبض فيها واجب، في حين أنّ القبض في الحشو على الجواز. أمّا عروضة الرجز التام [مستفعلن]، فلا تسمّى فصلاً، لأن حكم الزحافات والعلل فيها لا يختلف عن حكمها في الحشو.
    ومصطلح "الغاية" هو المقابل لمصطلح الفصل من جهة الضرب، فالغاية هو الضرب الذي يختلف حكم الزحافات والعلل فيه عن حكمها في الحشو. ومصطلح "المعرّى" هو الجزء الذي سَلِم من علل الزيادة مع جوازها فيه، ولا يكون ذلك إلّا في الضروب. فهذه المصطلحات وأمثالها، لم يكن لها أيّ فائدة تذكر في ضبط نظام الخليل وتعليمه، بل أنها أضعفته وشتت الذهن، وأضافت صعوبة فوق صعوبة نظام الخليل المعروفة عنه.

    وقد ركب الأخفش هذه الموجة، وهو المغرم بمخالفة الخليل بأيّ وسيلة تلوح له (ظن ناقِب)، فاخترع مصطلحات لا داعي لاختراعها أساساً، بل كان لاختراعها ضرر على مبحث العروض والقافية [(الغَالِي ومعه الغُلُوّ)، (التَّعَدِّي ومعه المُتَعَدِّي)، الإشباع. (قوافي الأخفش، ص 41)]. [وقد وصل محمد العلمي لنفس هذا الاستنتاج المبرر عن غرام الأخفش بمخالفة الخليل (دراسة في التأسيس والاستدراك، ص 196)]

    واختتم موجة الولَع باختراع المصطلحات، القاضي أبو يعلى التنوخي، وذلك باختراعه مصطلحاً جديداً وجد له مكانا لم يسبقه إليه أحد، فرجا أن يسجل باسمه، قال أبو يعلى: {سألت الشيخ أبا العلاء رحمه الله: ما يسمّى القصد من الرجز تجتمع فيها القافية المتكاوسة والمتراكبة والمتداركة..؟ **، فقال: ما علمت أن أحدا قاله. ذكر هذا. وأنا أسمي هذه القصيدة (الـمُثفّاة) يذهب بذلك إلى لى ثُفَيَّه، ومنه المرأة المثفاةُ، وهي التي نكحت ثلاثة أزواج} !! (القوافي للتنوخي، ص 62).

    والذي منعَ هذا الرأي من استحقاق درجة الثاقب فما فوق، على "سلّم قضاعة" لقياس مستوى الظنيّة في الأفكار (راجع مختصر خريطة العقل للمؤلف)، أنّ هذا يستلزم بحثاً مستقلاً يستغرق كل علماء ذلك العصر، وفي جميع الفنون. أي أن استناد هذه الرأي على مشاهدات الباحث المتواضعة في علم العروض، ومع كونها مشاهدات معتبرة؛ لكنها لا تكفي إلّا لنيل هذه الفكرة لدرجة الناقب الظنية فلا تتعداها [نسبة الصواب في درجة الناقب: 65 - 69 %].


    وأهم تفريع لحركات القافية من جهة عيوبها المؤثرة على علم عروض الشعر العربي، والواجب الإحاطة به هنا لأهميته، هو عيب الإقواء. والذي هو اختلاف حركة إعراب القوافي، أي اختلاف حركات روي القافية المطلَـقة في القصيدة. فحركة الروي المطلَق المحددة [ضمة، كسرة، فتحة]، واجبة الالتزام مثلها مثل حرف الروي. فإذا كانت الضمة، وجاءت قافية بيت في نفس القصيدة وقد حُـرّك رويّها بالكسرة بدل الضمة، فهذا إقواء.

    هذا مع الانتباه إلى أنّ لجوء الشعراء العرب لتسكين الروي هروباً من الإقواء [لجوئهم للقوافي المقيّدة]، ليس عيباً ولا قدحاً في شاعريتهم، فسلامة اللغة ونحوها أمر مقدّم في الشعر العربي على سلامة الإيقاع (ظن جازم). فالقافية إنما هي تتويج للإيقاع وليست هي الإيقاع؛ فالإيقاع هو الأصل والقافية منصهرة فيه كما قلنا. خاصة وأنّ تقييد القافية أو إطلاقها لا يؤثر في سلامة اللغة ونحوها، لأنهما محصوران في موضع يتم به الكلام فيجوز فيه الوقف (التسكين). فلا يؤثر ذلك على المعنى عندئذ، إنما التأثير سيكون على طبيعة موسيقى القافية فقط في هذه الحالة.

    بل قد يلجأ الشعراء العرب لتسكين الروي لأسباب أخري. سواء ترافق ذلك مع حضور مظِنّة الإقواء أو غيابها؛ وهو أنّ التقييد إذا نتج عنه ساكنان نهاية القافية (أي تلوين السكون)، قد يكون مرغوباً لذاته لما يحمله من أثر الصدى المحبّب. ثم أن التقييد قد يكون مطلباً عروضياً [إيقاعياً] في حال كان إطلاق الروي قد يخرجهم عن قانون الإيقاع العربي الواجب المحافظة عليه، فالقافية منصهرة في الإيقاع كما قلنا. ففي هذه القصيدة للمُثَقِّب العَبدِي (جاهلي) التي عدّت ثمانية أبيات، وقد اخترنا منها أول بيتين:

    1- تَهَـزّأتْ عِرْسِيَ واسْتَنكَرَتْ ... شَيْبِـي، فَفيها جَنَفٌ وازْوِرارْ
    //0 //0 - /0 ///0 - /0 //0 ... /0 /0 //0 - /0 ///0 - /0 //0 0

    متفعلن مستعلن مفعلا ... مستفعلن مستعلن مفعلاتْ
    نعم نعم، لا نعمم، لا نعم (ت=11) ... لا لا نعم، لا نعمـ#ـم، لا نعمØ (ت= 11)

    2- لا تُكثِرِي هُزْءاً ولا تَعـجَبِي ... فليسَ بالشَيبِ على الـمَرءِ عارْ
    /0 /0 //0 - /0 /0 //0 - /0 //0 ... //0 //0 - /0 ///0 - /0 //0 0
    مستفعلن مستفعلن مفعلا ... متفعلن مستعلن مفعلاتْ
    لا لا نعم، لا لا نعم، لا نعم (ت=11) ... نعم نعم، لا نعمـ#ـم، لا نعمØ (ت= 11)

    - جملة وصف نظام الخليل: السريع ذو العروضة المكشوفة المطوية، ولها ضرب موقوف مطوي، وهما ممنوعان من الخبن.]
    [- جملة وصف نظام قضاعة: الرجز ذو البيت الأثلم المقرون؛ والمسكون. (رجز أثلم: # قطاع)].


    فتقييد الروي في هذا القالب للسريع [أي التزام تسكين روي الراء]، لازم حتمي، مارسته قرائح العرب بتلقائية. ذلك أنّ إطلاق روي هذا القالب كسر وزن بامتياز. فهذا الإيقاع لا يحتمل أن يضاف عليه سبب خفيف ناتج عن إطلاق الروي بالضمة مثلاً. فإذا حصل هذا [وهو ممنوع]، فلن يعود هذا القالب ينتمي لبحر السريع، ولا لأيّ بحر في شعر العرب.

    أعود فأقول: فسلامة اللغة ونحوها أمر مقدّم في الشعر العربي على سلامة الإيقاع (ظن جازم)؛ وهذا بعكس ما افترض بعض الأصواتيين، من أن المعقول بظنهم هو أن يخطئ الشاعر الجاهلي ومن هو في حكمه في اللغة والنحو، لكن لا يعقل أن يخطأ في الموسيقى..! (تفنيد)

    تفنيد: نظرة بعض الأصواتيون المُحْدَثين لظاهرة الإقواء، وتفنيدها:
    الدكتور أحمد مختار عمر، وهو من الأصواتيين، يظن أن الشواهد في بطون الكتب القديمة الخارجة عن القواعد التي وضعها النحاة، ثم التمسوا لها تخريجاً بعد ذلك، ومن ضمنها شواهد الإقواء، إن هي إلّا بقايا من اللغة العربية في مراحلها الأولى قبل أن تنضج [!!] (البحث اللغوي عند العرب: ص 82).
    وزاد الدكتور مختار فأورد رأي الدكتور إبراهيم أنيس بحق أمثلة الإقواء ليدعم رأيه السابق [موسيقى الشعر لإبراهيم أنيس، ص 259]، فقد قال متابعاً: {**، ويرى الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس أن جميع الأمثلة التي ذكرها العروضيون للإقواء، ليست من قبيل الخطأ الموسيقي، وإنما من قبيل الخطأ النَّحَوِيّ. وعلى هذا فهو يرى أن حسان بن ثابت كان ينشد: ** [البيتين السابقين]، بكسر (الْأَعَاصِيْرِ)، حفاظاً على النغمة الموسيقية، وإن كسر بذلك قواعد النحو (وليس بالرفع كما زعم النحاة حفاظا على قواعد النحو، وإن كان يكسر النغمة الموسيقية)؛ إذ لا يعقل [والكلام ما زال لأنيس] أن الشاعر الفحل يخطئ في الموسيقى وإن عقل أن يخطئ في النحو. وإذا علمنا أن الإقواء كان شائعا بين الشعراء الجاهليين، خرجنا من ذلك بأن اللَّحْنَ كان شائعاً، حتى بين فصحاء العرب وشعرائهم} [!!]. (ص 88 - 89). والى هذا الرأي ذهب الدكتور رمضان عبد التواب أيضاً، وهو من الأصواتيين أيضاً (فصول في فقه اللغة، ط 6، ص 91).

    أقول (أبو الطيب القضاعي): القرائن التي أوردها الأساتذة المذكورين على فكرتهم، قرائن ضعيفة جداً. فأولاً: مقولتهم بكون (الإقواء كان شائعاً بين الشعراء الجاهليين). وبالمناسبة هو قول لم ينفردوا به، بل قال به غيرهم من العروضيين أيضاً، منهم الخليل نفسه (الغامزة /52)، وأبو بكر السراج الشنتريني [الكافي في علم القوافي الشنتريني، ص 47 - 49]. وننقل ما قله الدماميني لأن لنا مغزى إضافي من نقل قوله المنسوب للخليل:
    قال الدماميني: {واستدرك بعضهم لعروضة الطويل المقبوضة ضرباً مقصوراً، وأنشدوا عليه قول امرئ القيس: ثِيَابُ بَنِيْ عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ ... وَأَوْجُهُهُمْ بِيْضُ الْمَسَافِرِ غُرَّانْ [نعم، نعمم، لا لا نعم، لا #، نعم (ت=14) ... نعم، نعمم، لا لا نعم، نعمـ#ـم، لا 0 (ت= 13)]. وهذا من أبيات مختلفة القوافي بحسب الإعراب، أنشدوها ساكنة النون، والخليل يحركها وإن لزم عنه الإقواء، ويرى [أي الخليل] أنه أولى من إثبات ضرب آخر لكثرة الإقواء في كلامهم، وأيضاً يلزم عليه سكون لام مفاعيلن [مفاعيل: نعم لا 0] وهو غير موجود في أوزان الشعر، لا الأصول ولا المزاحفة. هكذا قيل}. (الغامزة، ص 145، 146).

    أقول (أبو الطيب القضاعي): مقولة كون الإقواء كان شائعاً بين الشعراء الجاهليين ومن هم في حكمهم كالإسلاميين والأمويين، هو قول غير مقبول عقلاً..؟ ذلك أنّ مقياس الندرة أو الشيوع، يجب أن يتوجه إلى مقدار كـمّ ما يُقاس، وليس إلى مدلولهما اللغوي المجرّد. فلو عثر الباحث على ألف بيت به إقواء، فهو قدر ضئيل جداً، ذلك أنّ شعر العرب المعتد بنظمهم يبلغ ملايين الأبيات وليس الآلاف..!
    فالذي سيقلل من عدد شواهد الإقواء في نظمهم، أنّ الشاعر الجاهلي ومَن هو في حكمه، مالكٌ لناصية اللغة العربية من جهة الصرف والنحو؛ ونظم هذا الشاعر الجاهلي إنما هو نظم قريحة (نظم شعوري). فقرائحهم مطبوعة؛ فلا يتدخل العقل سوى بمخرجات النظم.
    فلو كان نظمهم نظمُ عقل كله، لكان الإقواء شائعاً جداً (ظن ثاقب). فالإقواء بناءً على مشاهداتي المتواضعة، وبناءً على دراسة محمد العَلمي الإحصائية التي بحثت في 191 ديواناً من دواوين أشهر شعراء الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين والأمويين وبين الدولتين، والتي اهتمت بفشوّ الإقواء لتأثير ذلك على مواصفات القالب الناشئ عن ذلك؛ نادرة جداً.
    وهناك أمر آخر يقدح في مقولة الخليل عن فشوّ الإقواء بين القدماء، إذ هي مقولة مسكونة بهاجس الخليل في الحرص على سلامة نظامه وترابطه وشموليته..؟ فإزالة الإقواء بالتقييد سينتج عنه قوالب كثيرة، ونظام الخليل، وخاصة مبحث العلل في نظامه، إنما صُنع وركّب أساساً على قدر ما وصل للخليل من قوالب، فلا يحتمل نظامه قوالب تضاف إليه تنتج عن تقييد القوافي على الأخص.

    والقرينة المؤيدة لذلك، أنّ الخليل وإنْ كان قد رفض هذه القرينة اللغوية النحوية على إطلاقها، وأثبت الإقواء للشاعر في المثل المذكور؛ وهو فعل محمود ولا شك؛ لكن بعيداً عن هاجسه بترابط نظامه وشموليته، هو لم يخبرنا ما هي الضوابط البديلة التي تحكم الإطلاق والتقييد في كل قوالب نظامه بلا استثناء، لنعرف متى نُقدم عليه عروضياً ومتى لا نُقدم..؟
    خاصة وأن قوالب البحور حيادية من جهة الإطلاق والتقييد، فالقالب الواحد قد يُسكب فيه نظم بروي مطلق [أو هاء مطلقة = خروج]، وفي مرة أخرى يسكب فيه نظم بروي مقيّد [أو هاء مقيدة = روي موصول بهاء ساكنة]، على ما هو مشاهد في شعر العرب. فماذا لو نتج عن الإطلاق قوالب ليست في نظامه ولا مكان لها فيه أصلاً، على اعتبار أنّ الأصل في شعر العرب هو الإطلاق وليس التقييد (ظن عازم). وقل مثل ذلك عن التقييد.

    وهكذا نكون قد فنّدنا – على ما نظن ونرجو- القرينة الأولى في جعبة الأساتذة المذكورين التي أوردوها تأييداً لفكرتهم. ونأتي الآن للرد على صلب فكرتهم فنقول: يجب أنْ لا تكون القرائن على صلب فكرتهم مستمدة من الشعر..؟
    فاللغة في غير الشعر هي ما يجب عليهم أن يلتمسوا الدليل فيها على فكرتهم، فاللغة في غير الشعر هي كلام تفاصيل الحياة اليومية، وهي أكثر الكلام، والتي تتجلى فيها القريحة اللغوية دون ضغوطات عليها. أمّا اللغة في الشعر فهي كلام مخصوص يضغط على القريحة اللغوية بشدة، ما يجعل من التحريف الصوتي للمفردة اللغوية أمراً وأراداً حصوله وليس مستحيلاً..؟ فالجملة في الشعر العربي مقيدة بأطوال سلاسل القالب المسبوكة فيه، وبقوانين صارمة، وتأتي القافية التي هو تتويج للإيقاع غير منفصلة عنه، لتضيف ضغطا آخر على القريحة اللغوية. فنظام عروض شعر العرب نظام فريد لا مثيل له.

    ومع ذلك، وعلى الرغم من ضغط قوانين الإيقاع العربي على القريحة اللغوية لشعراء العرب المعتد بنظمهم، فسلامة اللغة عندهم مقدمة على سلامة الإيقاع، فهي مقدمة عند شعراء زماننا على ما تعانيه لغتنا العربية من ضعف أبنائها فيها، ألا يكون مقدماً عندهم وهم الأولى بذلك منا..!
    وهذا يعني أن تقرير إبراهيم أنيس التالي، والذي يبدو انه تقرير أحمد مختار أيضاً، فهو لم ينكر عليه، هو تقرير باطل وليس خاطئ. فالتقرير الصحيح معاكس لهذا تماماً، ألا وهو: أنه لا يعقل أنّ الشاعر الفحل يخطئ في النحو ليوافق الموسيقى، لأن سلامة اللغة مقدّمة على سلامة الإيقاع. (ظن عازم)

    ......

    انتهت هذه المقالة...