تؤكد لي صعوبة الظفر بـ(حسن التعليل) في الشعر، صعوبة إنشاء هذا اللون من المحسنات البديعية عند الشعراء . لكنني اليوم ظفرت بأبيات رائعة تزخر بحسن التعليل للشاعر الصوفي عفيف الدين التلمساني
610 - 690 هـ / 1213 - 1291 م
عَيْنَاكِ إنْ سَلَبَتْ نَوْمي بِلاَ سَبَبِ """ فَالنَّهْبُ يَا أُخْتَ سَعْدٍ شِيَمةُ العَرَبِ
وَقَدْ سَلَبْتِ رُقَادَ النَّاسِ كُلِّهُمُ """ لِذَاكَ جَفْنُكِ كَسْلانٌ مِنْ التّعَبِ
هَلْ ذاكَ لاَمِعُ بَرْقٍ لاَحَ مِنْ إِضمِ """ أَمْ ابْتَسَمْتِ فَهَذَأ بَارِقُ الشَّنَبِ
وَتِلكَ نَارُكِ بِالجَرْعَاءِ سَاطِعَةٌ """ أَمْ ذَاكَ خَدُّكِ وَهَّاجُ مِنَ اللَّهَبِ
لاَ أَنْقَذَ اللهُ مِنْ نَارِ الجَوَى أَبَداً """ قَلْبي الَّذي عَنْ هَوَاكُمْ غَيْرُ مُنْقَلِبِ
إِنْ عَذَبَتْهُ بِنَارٍ مِنَ مَحَبَّتِهَا """ نُعْمَ فَذَاكَ نَعِيمٌ غَيْرُ مُحْتَجُبِ
منْ رامَ ذِكْرَ سِوَاهَا يَلْتَمِسْ أَحَداً """ غَيْرِي فَذِكْرُ سِوَاهَا لَيْسَ مِنْ أَرَبي
إِنْ حَدَّثَتْهُ الأَمَانِي أَنَّنِي أَبداً """ أَسْلُوا هَوَاهَا فَقَدْ أَصْغَى إِلى الكَذِبِ
لقد قدّم لنا عفيف التلمساني حسن التعليل مكرراً في أربعة أبيات متوالية؛ ففي البيت الأول :
عَيْنَاكِ إنْ سَلَبَتْ نَوْمي بِلاَ سَبَبِ """ فَالنَّهْبُ يَا أُخْتَ سَعْدٍ شِيَمةُ العَرَبِ
فأخت سعد - حسب الترميز الصوفي للشاعر - هي حبيبته،وقد مارست في حقه فعلي "السلب والنّهب" غير المبرّرين بحق، وذلك عندما سلبت النوم من عينيه ، وكي لا توصم حبيبته بفعل شائن يحطّ من شأنها ، يلجأ الشاعر إلى رفع قيمة فعل "النّهب" وتحويله إلى شيمة كريمة ، ثم ينسب هذه الشيمة لجميع العرب، كي لا تنفرد حبيبته وحدها بهذا الفعل .
فمن أراد من العرب أن يعيب على حبيبته فعلها ، فليعب على قومه ما يتحلَّون به من "شيم" .
وهكذا تجدنا نبتسم لهذا الظُرْف في حسن التعليل الطريف الإبداعي الذي قدّمه الشاعر، فنقض به العلّة القديمة المتعارف عليها من الحكم على فعل "النّهب" بالسوء ، وقدّم علّة جديدة طريفة تقول إن "النّهب" شيمة العرب ، ومن ذا الذي ينكر على العرب ما يتحلّون به من "شيَم" . .؟
ونتابع فيما بعدُ ما جاء من حسن التعليل في هذه الأبيات ،إن شاء الله