لنبدأ برأي المفكرين والفلاسفة
يرى تولستوي Tolstoi، أن الفن ضرب من النشاط البشري الذي يتمثل في قيام الإنسان بتوصيل عواطفه إلى الآخرين عن طريق بعض العلامات الخارجية.
ويرى جون ديوي أن الفن مجرد تجربة أو خبرة وأن هذه الخبرة تأتي من تفاعل الفرد مع بيئته مما يجعله دائم في محاولة التكيف مع هذه البيئة لتحقيق التكامل والتوازن مع البيئة لغرض تحقيق الاشباع الذي يصاحبه نوع من اللذة، كما أن ارتباط الفن بالخبرة يوازيه ارتباطه بالحضارة عموما، لذا جاءت الفنون مرتبطة بالبيئة وكل مايجول حول الانسان.
والفن يعد أفضل طريقة للتعبير توصل إليها الجنس البشري، كما يقول هربرت ريد حيث عبر الإنسان عن نفسه من خلال الفنون المختلفة عبرالتاريخ.
وإذا كان ريد يرى أن الفن وسيلة تعبير، فإن سوزان لانجر ترى أنه إذا كانت اللغة هي التعبير الفكري للنشاط الذهني فالفن لغة رمزية تقوم على علامات غيرمنطوقة وتعبر عن معان عقلية بعيدة المدى، بمعنى أنه نشاط يوفر لنا نوعا من المعرفة البصرية عن طريق الشكل الفني كطريقة أخرى للتواصل البشري بجانب الطريقة اللغوية وإن كان الفن أوسع مدى من اللغة في التواصل البشري.
مما سبق يتضح أن الفن تعبير عن عاطفة إنسانية يحاول بها الإنسان التكيف مع بيئته ومجتمعه، مع أنه يرغب في تكرار الإحساس باللذة الذي اعتراه عند الممارسة الأولى للفن، ولا يخرج تعبير الإنسان إلا من ذاته من خلال تراثه الثقافي ومنظورة البصري ومخزونه الثقافي و الذي يتكون خلال معايشته لمجتمع ما ثم يقوم بإعادة تمثيلها بصريا من خلال العمل الفني.
أما لماذا نرسم سؤال واسع قد تكون أجوبتنا تطغى عليها الفلسفة . . .
سؤال تؤلف من مضمونه الكتب بل المجلدات . . .
ولتبسيط البحث عن الجواب . . . سأتناول فنان واحد يعرفه الجميع . . . فليس هناك من رسام كان موضوعا للكتب والدراسات أكثر من بابلو بيكاسو . . خلال ثمانين سنة من الرسم وآلاف الرسوم والتخطيطات، كان بيكاسو من أغزر الفنانين إنتاجا. وأول فنان يحصل علي أكثر من
مليار دولار من بيع أعماله أثناء سنين حياته. لم يبدع في الرسم فقط، وإنما في النحت والطباعه والسيراميك والتصميم. كان بحق الفنان الأكثر شهرة في القرن العشرين. لقد عاش حياة فنية متعددة، وأحدث أكثر من أي فنان آخر، الكثير من التغيير في الفن خلال القرن الماضي.
لنتأمل السؤال مرةأخرى أو نصيغه بطريقة أخرى . . . لماذا مارس بيكاسو الفن؟
هذا الفنان صاحب (الجورنيكا عام 1937 ) التي تعلق نسخة (مقلدة) منها على مدخل الامم المتحدة . كتعبير يلخص مآسي الحروب وشروره . وللذين يدرسون معنى وأهدف الفن غالباً مايتشبثون بـ (الجورنيكا) كمثال لتوظيف الرسم في خدمة الانسانية .
في حين قد يصدم المرء عندما يتأمل لوحات لنفس هذا الفنان تحمل كل القبح والتشويه للجمال الذي منحه الخالق للمخلوق . . .
وهو صاحب لوحة الراقصات الثلاثه المرسومة عام 1925، التي قالت عنها المؤلفة والناقدة اريانا هوفينغتون في وصفها لها (تشويه وحشي للجسم البشري ، ذلك أنها ركزت علي الأعضاء المنزوية، بينما كان الفنان يعبر عن أحساسه بتلك المرحلة وهوسها.)
و عندما أحب بيكاسو اولغاخوخلفا راقصة الباليه الروسية وتزوجها، لم يستطع أصدقاؤه فهم اهتمامه بها لأنها كانت امرأة عادية لا تثير الأهتمام. رسمها كثيرا وبأسلوب واقعي نزولا عند رغبتها لعدم ميلها إلي التجريب في الرسم. ثم أدركت اولغا ضيقه بها عندما بدأ
يرسمها علي شكل حصان أو امرأة هرمة سليطة اللسان! وقد وصفها يوما بأنها كثيرة البكاء
هكذا . وظف بيكاسو الفن للانتقام من زوجته
بل زاد الناقدالتنشكيلي والمؤرخ الفني البريطاني جون ريتشاردسون، والكاتب لسيرة حياة بيكاسو أنه كان يعذب بريشته النساء اللواتي عرفهن وعندما كن يكتشفن ذلك يغبن عنه . لقد فعل ذلك أيضا مع صديقتيه دورا مار وماري ــ تيريز والتر. أصبح الزيت علي اللوحة كتابة
علي الجدار. قال بيكاسو مرة لصديقه ريتشاردسون: إنه يجب أن يكون فظيعا جدا
رسم أيضا زوجته الثانية والأخيرة جاكلينبراك، التي عرفها في أواسط الخمسينيات وتزوجها في عام 1961، لكنه لم يشوهها، فقدعرفت كيف تكون قريبة منه
دائما. . .
هكذا كان يوجه لوحتة للانتقام أو ليريح نزواته النفسية أو الجنسية . . . فقد وظف الجنس في رسومه ليثير الصدمة. مثل فان غوخ وغوغان من قبله، رسم بيكاسو بائعات الهوي، وزار مستشفي للآمراض التناسلية ليرسم وجوه المرضي ليصبحوا شخصيات أخرى في لوحاته.
لا أريد أن أطيل ولكن يبقى السؤال هل هناك أهداف متفق عليها عندما نمارس الفن . ؟
سأترككم تفكرون بالسؤال وأنتم تتأملون المقطع الاخير للفنان بيكاسو كتبه الناقد عبد الجبار ناصرحسين
ظل بيكاسو مؤمنا بالخرافات طيلة حياته، مبتعدا عن المرضي ــ معتبر انهم نذير سيئ ــ ويهمل حبيباته عندما كن يمرضن. لم يكتب وصية مطلقا، معتقدا أنه سيموت في اليوم التالي إن فعل ذلك. لهذا كانت جاكلين واعية لمخاوفه من الموت فكانت تحتاط لمثل هذه
المواقف. وقد حدث ذات مرة وأثناء الغداء أن سقط أحد طيور الحب التي يحبها ميتا في قفصه، فأصيب بيكاسو بالصمم
لم يغب الموت عن أعماله. فعندما كان يرسم لوحته الراقصات الثلاث جاءه خبر موت صديقه القديم ريموند بيشوت، أصيب بيكاسو بالكآبة ورسم عدة لوحات كلها عن الموت. رسم لوحات عن تنبؤه بموته كما في لوحة العارية المستلقية والرأس ، وقد مات بيكاسو بعد 11 شهرا من
إنجازه تلك اللوحة.