وأدرك شهريار الصباح..
تتغشى وجهه قطع من الحزن واليأس وسحابات الدخان الكثيف الذي يسفه سفا، تترقرق عيونه بين الفينة والفينة فتنعكس الأضواء الدائرية عليها..لم يكن وحده في تلك الحالة فأصدقاؤه الخمسة تنتابهم مسحة من حزن مكابر..ولكنه كان الوحيد الذي لم ينقطع عن الحديث والثرثرة ..أوتار الكمنجة للعازف الأعمى في أقصى المقهى الراقي تدق قلوبهم وتعصر مواجعهم..
للمقهى باب دائري لايكاد يتوقف عن الدوران، مقهى فاخر يقدم أنواعا كثيرة من الحلويات ولكنه مشهور لارتياد العشاق زواياه وخاصة غرفه العلوية التي يتم كراؤها بأثمان باهضة لليلة الواحدة ..على كل هو للميسورين الذين اعتادوا اصطياد بنات الحي الجامعي من الطالبات القادمات من المدن الداخلية وتغييرهن مع كل فصل وعام دراسي..والكثير منهم استمرأ اللعبة وأدمنها فلاشغل يشغلها غيرها..
توقف أخيرا عن الحديث متسليا بهاتفه الذكي ومنشغلا بتصفحه السريع لبعض المواقع التي تعود الانزواء بها،مستعملا اسما مستعارا،معاكسا للفتيات ومصطدما بشباب وكهول وحتى شيوخ آخرين كلما شمَّ رائحة الأنثى في رد أو في موضوع..
قطع صمتهم وانشغاله الظرفي بالتسكع في شوارع الفيس بوك عراك شابين حول فتاة جميلة في الركن المقابل..أطفأ عزيز سيجارته وضرب بقوة الطاولة ..
-كيف لها أن تغدر بي؟؟
لم يكن يريد جوابا بقدر ماكان يرى أنه كان ضحية سهلة وهو المتمرس منذ أن طرد من الثانوية بعد أن عثروا عليه في حالة عير تربوية ..تذكر ما أغدق عليها من حلي وملابس وارتياد لفنادق ومطاعم راقية وباهضة..ضمها إليه بقوة وصرخ يُسْمِعُ موج البحر جنونه..
-أنت لي ..لي وحدي..
أجابته فاتحة ذراعيها أمامه كبطلة ذاك الفلك الذي غرق وهو مشحون بالمترفين والقاصدين العالم الجديد..
-ضمني حتى لا يسرقني موج ولا ريح ولا أي عاشق مهووس..
أكمل فيما يشبه الحكواتي وكأنما يكلم نفسه جهرا..
صحبتها متأبطا هدية الفالنتاين ،تشابكت كل خطواتنا ونبضاتنا ،صعدنا الغرفة التي حجزتها خصيصا للمفاجأة التي خبأتها لها..كنت سأطلب الزواج منها..صدقوني كنت أنوي أن أطلق هذه الحياة التعيسة وأستقر وانجب منها بناتا وبنين..
تأملتني في براءة وقالت وهي تفترش حجري
-اقرأ لي شعرا..
قرأت لها من أشعار نزار بفضل شيخنا قوقل حتى اثاقلت بين ذراعي فراشة من كوكب آخر..عانقتني مجددا ثم قالت لي:
- احك لي يا شهرياري حكاية أخرى حتى أنام..
حكيت لها حكايتي وولهي وعشقي السرمدي ..
صرح أصدقاؤه الخمسة:
هل قالت لك
-- احك لي يا شهرياري حكاية أخرى حتى أنام.؟؟؟؟؟؟؟؟
نظر إليهم في ريبة وتوجس وهو يتأمل قسماتهم ونظراتهم المفترسة والحائرة..عنَّ له أنهم اتخذوه لعبا وهزوا..أو أنه كان غريب عنهم بآلاف الأميال مما يعدون ويحسون..
حاول أن يقوم ويتركهم ولكن أمسكوا بتلابيبه وهم يصرخون..
- قد خدعتنا شهرزاد وانتقمت...ومضت تبحث عن شهريارها الجديد..
وانفجروا في موجة ضحك امتزجت بالدموع وبالسعال بفعل السجائر وبقايا الخمور التي شربوها قبيل مجيئهم للمقهى على شاطئ البحر..