نوّارة ذات الخمس سنوات .. لا تكاد الإبتسامة تشرق في محيّاها إلا أن تصفعها لعنة تلو لعنة باختلاف إيقاعاتها وفصولها وأحداثها !
والدها كان فنانًا في أبجدية الضرب بسبب أو بلا سبب ..
في يوم وهو في خضم عمليّة الجلد .. صرخت نوّارة باكية .. بغصة قائلة : "بكفيك ضرب بإمي اتركها .. ما عندك رحمة "!
قال : عندي .. وتوالت بنوارة الصفعات إلى أن ودَّعتها إحدى كليتيها في إحدى العيادات
القريبة !
قيل لها : هل ترغبين بمحادثة الضابط وحادثتكِ ووالدكِ ؟
قالت : " لاء ما بدي " الله بيحاسبه ، بس يا ريت شي ملجأ يتبناني ! "
كان أقرباؤها من خالتها وعمتها وزوجاهما وكذلك أمها معها وأصداء ما قالته يتردد على مسامعهم !
فقالت خالتها ( نجوى ) : بل ستأتين معنا ..
عندها أومأ زوج الخالة ( فريد ) بإشارة رضا وابتسامة أبوّة ..
فقفزت نوّارة من السرير متناسية ألمها وارتمت في أحضان خالتها شاكرة باسمة باكية !
كانت نوّارة شعلة من النشاط .. حتى أن خالتها كانت تصرخ في وجهها قائلة : اتركي الأواني الآن
وتعالي لتتغدي معنا " إلا انها تقول باسمة : " ما راح يطير الغدا خليني أكملهن بسرعة .. ما ضل شي يُذكر " !
وهكذا هي .. بالرغم من صغر سنها تأبى أن تكون عالة على أيٍّ كان .. فتغسل .. تمسح .. وحتى تعد القهوة بسعادة كبيرة .. بالرغم من عدم رضا الخالة وزوجها على ذلك
فهما يعتبرانها بمثابة ابنة لهما .. لا خادمة !
ولكن هيهات .. فنوّارة هي نوّارة .. حتى ابتسامتها تكاد تفر من عينيها كلما سمعتْ كلمة : شكرًا
أو " يعطيكِ العافية " يا ابنتي !
ها هي ثواني السعادة تكاد توّدعها بخبر ما كان يخطر لها على بال ..
نوّارة .. سأسافر وزوجي إلى كندا ( رحلة عمل ) .. وسنغيب فترة من وقت ..
فلا بد من إرسالكِ إلى بيت أهلكِ لحين عودتنا !
صمتت نوّارة .. ثم قالت : " امتى السفر يا خالتي "
قالت لها : بعد أسبوع
_تروحوا وترجعوا بالسلامة !
حان وقت الغداء .. هيّا يا نوّارة .. " المقلوبة " التي تحبينها تناديكِ
ابتسمت نوّارة وقالت " بعد شوية خالتي .. مش جوعانة هلأ .. لما أجوع راح آكلها كلها "
ومرّ الوقت .. وكانت الثلاجة هي الفيصل .. توجهتْ الخالة نحوها فإذا بمقدار مغرفتين قد استهلكتا ..
فقالت الخالة في نفسها : يبدو أن نوّارة قد أصابها الجوع أخيرًا ..
" صحتين خالتو "
مرّت بضعة أيّام والحال هو ذاته .. إلا أن الخالة في قرارة نفسها أدركتْ أن نوّارة ليست هي نوّارة .. ملامح وجهها .. اختفاء ابتسامتها .. وحتى صمتها !
توجهتْ بها وزوجها فورًا إلى المشفى .. فإذا بالخبر اليقين ..
" ليش يا خالتي عملتي هيك .. ليش ؟ "
قالت نوّاره ببراءتها المعهودة : " كلنا راح نموت يا خالتي .. فأموت بينك إنتِ وعمي فريد أحسن ما أموت بإيد أبي ! ..
خالتي ... إمي من زمان قتلتني بسلبيتها .. "
ردٌّ كالصّاعقة !
وببسمة تكاد تخفت واللحظات الأخيرة همستْ نوّارة : " بحبك ماما نجوى .. بحبك بابا فريد "
وغابت الشمس !
لبنى