.[IMG][/IMG]
حرارة مُلهبة لا تطاق تدب في أوصال الأشياء والذوات في هذا الحيز المكاني الشاسع الممتد الأطراف..
قافلة من شاحنات عملاقة محملة بالمؤن والذخائر ولذائذ العيش تدك الأرض بعجلاتها المطاطية وتلتهم الطريق على امتداد السفوح المحاذية للجبال الأطلسية ...
حراس شداد غلاظ يذرعون المكان ،ذهابا وإيابا، يجوبون الطريق بآلياتهم العتيدة زاجرين ناهرين الجموع الآدمية الغفيرة الثائرة كلما انتهى بهم المسير لمحطة من المحطات.. عندها، يرمونهم بما تيسر من فتات وفُضْلات ..يتلقفه البعض راضين، والبعض ساخطين متبرمين.. معظم الخلق ينطلق صراخهم وأناتهم إلى حد الهرير أو النباح .. نباح الكلاب الظامئة المغلوب على أمرها.. لكن القافلة تواصل سيرها غير آبهة..
على جنبات الطريق مساكن وضيعة تبدو للعيان متلاحمة كالفطر ..يُلوّح قاطنوها بأيديهم حانقين متوعدين بالويل والثبور ،نابزين بالألقاب :" إلى أين أيها الأنذال..!! "... " توقفي يا قافلة الذل والعار..!!"... " من أين لكم هذا يا قطاع الطرق..؟!"...".. تجهر الألسن بذلك بعد أن استبد بكيانها يأس مرير، لكن القافلة تسير وتسير من غير اكتراث..
بمحاذاة الشط الكئيب ،وبداخل مراسي القهر، توقفت القافلة لشحن بضائعها في بطون السفن العملاقة .. هيجان خلق كثير يتعالى ..صيحاته تصم الآذان.. تملأ الآفاق .. لكن قائد القافلة يصيح بملء شدقيه بصوت صارم موجها أوامره للعاملين : " اقذفوا لهم ببعض الفتات وتابعوا شحنكم بلا تردد ..!!".
انطلق هدير محركات السفن بعد أن امتلأت أحشاؤها بأطنان من أرزاق العباد لتمخر عباب اليمّ هناك إلى الوجهات المعهودة، بينما تراجع الثائرون القهقرى وقد بحّت حناجرهم وكلت فرائصهم ليعودوا أدراجهم خائبين...