عَباءةُ الحُبّ
مَا انْفَكَّ ذِكْرُكَ يَأْتِي بِي وَيَذْهَبُ بِي
حَتَّى حَسِبْتُ بأَنِّي قَطُّ لَمْ أَهَبِ
.
نَفْحٌ مِنَ الْمِسْكِ أَذْكَى رُوحَ كُلِّ نَدِيْ
وَأَيْقَظَ الدَّمْعَ فِي أَحْدَاقِ كُلِّ نَبِي
.
أَرْوِي؛ وَلَا تَفْقَهُ الصَّحْرَاءُ قَوْلَ فَمِي
فَيَا مَدَى الْغَيْمِ هَاتِ الْغَيْثَ وَاقْتَرِبِ
.
لَوْ كُنْتُ بَعْضَكَ مَنْسِيًّا فَأَنْتَ هُنَا
فَيْضٌ مِنَ الْحُبِّ فِي بَيْدَاءِ مُغْتَرِبِ
.
عُلِّمْتُ مَنْطِقَ بَحْرٍ فِي الْعُلُومِ فَيَا
فَصَاحَةَ الْوَحْيِ حُلِّي عُقْدَةَ الرَّهَبِ
.
مَا الْخَطْبُ أَفْصِحْ؟ أَرَاكَ الْآنَ مَتْنَ أَسًى
يُجَادِلُ الْآهَ تَأْكِيدًا عَلَى الوَصَبِ
.
رَتِّلْ حَنِينَكَ آيَاتٍ سَرَيْنَ عَلَى
بُرَاقِ حُبٍّ إِلَى مَنْ جَلَّ فِي الطَّلَبِ
.
يَا سَرْمَدِيًّا أَضَاءَ الْكَوْنَ مِنْهُ هُدًى
وَهَاشِمِيًّا يُبَاهِي أَشْرَفَ النَّسَبِ
.
سَنَاكَ حَاكَ لِحَرْفِي بُرْدَةً وَفَمِي
مِنْ رَشْفِ كَفِّكَ صَبَّ المَاءَ فِي اللَّهَبِ
.
مَا زَالَ يَتْلُوكَ وَجْهًا مُسْفِرًا نَضِرًا
حَتَّى أَصَابَ خُيُوطَ الشَّمْسِ بِالتَّعَبِ
.
يَمْتَدُّ فِيهَا إِلَيْكَ الْحُبُّ مُبْتَهِلًا
مِنْ أَوَّلِ الْقَلْبِ حَتَّى آخِرِ الْعَصَبِ
.
رِسَالَةً لَوْ وَعَتْهَا الرُّوحُ صَاغِيَةً
لَاسْتَلَّتِ الْحِقْدَ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ
.
يَا أَمْلَحَ النَّاسِ خَلْقًا خَيْرَهُمْ خُلُقًا
وَأَطْيَبَ النَّاسِ رِيحًا يَا نَدَى الْأَرَبِ
.
أَنَا تَوَضَّأْتُ مِنْ عَيْنَيْكَ نُورَ غَدٍ
فَأَوْرِدِ الْحَوْضَ مَنْ بِالْحُبِّ قَالَ: هَبِ
.
وَغَسِّلِ الْقَلْبَ فِي أَيْدِي مَلَائِكَةٍ
تَشْفِ الْحَيَارَى وَتُطْفِئْ نَارَ مُكْتَئِبِ
.
أَحْلَامُهُمْ نَخْلَةٌ كَفَّاكَ رَوْضَتُهَا
فَعَجِّلِ الْآنَ لِلقُصَّادِ بِالرُّطَبِ
.
نَشْتَاقُ رُوحَكَ تَدْنُو كَيْ تُعِيدَ لَنَا
طُفُولَةَ الْفِطْرَةِ الْأُولَى بِلَا نَصَبِ
.
يَا خَالِدًا سِيرَةً فِي أَعْيُنِي افْتَرَشَتْ
عَبَاءَةَ الْحُبِّ إِذْ مُدَّتْ يَدُ الْعَطَبِ
.
"وَمَا مُحَمَّدٌ الَّا"؛ كُلَّمَا تُلِيَتْ
يُهَدْهِدُ الرُّوحَ شَوْقًا صرْفُ مُنْتَحِبِ
.
مُحَمَّدٌ فَاتِحُ الدُّنْيَا وَخَاتَمُهَا
وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ شَمْسُ الصَّفْوَةِ النُّجُبِ
.
نِدَاؤُهُ فِي السَّمَاوَاتِ ارْتَقَى -عُرَبًا-
بِمُحْكَمِ الذِّكْرِ تَحْنَانًا لِذِي طَرَبٍ
.
أَثَّثْتُ فِي الْقَلْبِ مِحْرَابًا أُوَجِّهُهُ
تِلْقَاءَ حُبِّكَ؛ حُبَّ الْجَدْبِ لِلْسُحُبِ
.
خُذْنِي إِلَيْكَ يَتِيمًا كَمْ أَحِنُّ إِلَى
أُمِّي خَدِيجَةَ كَيْ أَدْعُوْ الرَّسُولَ أَبِي
.
خُذْنِي؛ إِلَيْكَ فَهَذَا وَاقِعٌ شَرِهٌ
بِالْمَوْتِ كَمْ أَرْهَبَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبِ
.
تَدَاخَلَتْ بِي أُحَاجِيُّ الصُّرُوفِ مُدًى
و أَمْعَنَتْ بِي مَآسِيهَا لِتَفْتِكَ بِي
.
أَبْكِيكَ أَمْ أُرْسَلُ الدَّمْعَ السَّخِيَّ عَلَى
حَالٍ تَشَنَّجُ تَشْكُو سُوءَ مُنْقَلَبِ
.
أَبْكِيكَ أَمْ أَشْتَكِي الدُّنْيَا بِرُمَّتِها
مِنْ قَسْوَةٍ فُصِّلَتْ قَبْرًا لِكُلِّ صَبِي
.
أَبْكِيكَ وَالْغَمُّ دَهْرِيٌّ بِأُمَّتِنَا
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ وَقَدْ ضَلَّتْ خُطَى الْعَتَبِ
.
مَا أَمْعَنَ الْكَرْبُ إِلَّا قَالَ ذُو رَشَدٍ
يَا غَابِرَ الْمَجْدِ أَدْرِكْ حَاضِرَ الْعَرَبِ
.
فِي هَدْأَةِ النَّصِّ هَبَّتْ ثَوْرَةٌ بِدَمِي
تَصِيحُ بِالْأُمَّةِ الْثَّكْلَى أَنِ انْتَدِبِي
.
أَرْوَاحَ مَنْ بَايَعُوا غَيْبًا وَقَدْ حَضَرُوا
فِي بَيْعَةٍ أَهْلُهَا مِنْ خِيرَةِ الرُّتَبِ
.
لِبَيْعَةٍ؛ وَبُطُونُ الْقَوْمِ قَدْ فَرَقَتْ
فَمَنْ يُعيدُ سَليبَ الحقّ بِالْغَضَبِ؟
.
لَقَدْ طَغَى الظُّلْمُ حَتَّى ابْيَضَّ رَأْسُ فَتًى
رَجَاؤُهُ فِيكَ رَبَّ الْعَرْشِ لَمْ يَخِبِ
.
تَعَلَّمَ الصَّبْرَ مِنْ أَيُّوبِ حَسْرَتِهِ
يَقِينُهُ فِيكَ لَمْ يَفْزَعْ إِلَى هَرَبِ
.
أَيُبْصِرُ النَّجْدَةَ الْكُبْرَى لِتَغْمُرَهُ
مِنْ بَعْدِ مَا اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ بَالحَدَبِ؟
.
هُوَ ابْنُ أُمِّي؛ وَلَمْ تَذْبُلْ طَهَارَتُهُ
فَاسْأَلْ لِتَعْرِفَ؛ هَذَا الطِّفْلُ مِنْ حَلَبِ
.
وَقَبْلَهُ إِخْوَةٌ فِي الْقُدْسِ طَائِفَةٌ
هُمْ ظَاهِرُونَ وَمَا لَانُوا لِمُغْتَصِبِ
.
فَهَلْ عَنِتُّمْ؟؛ وَتَرْضَوْنَ الْقِيَادَ لِمَنْ
غَلُّوا لِأَحْمَدَ مَدَّ الدَّهْرِ وَالْحِقَبِ؟
.
وَتَسْتَبِيحُونَ مَا يَنْهَاكُمُ .. أَسَفَى
وَفِيكُمُ الدَّمُ بِئْسَ الْحَالُ لِلرُّكَبِ؟
.
إِلَى مَتَى؟ جَدِّدُوا الْإِسْلَامَ وَاجْتَمِعُوا
مَزَّقْتُمُ الدِّينَ بَيْنَ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ
.
ضَيَّعْتُمُ الدَّرْبَ فِي حِضْنِ الْخِلَافِ فَمَا
الَّذِي جَنَيْتُمْ سِوَى الْإِيغَالِ فِي الْحَرَبِ
.
وَصَوْتُ ياسينَ فِيكُمْ كَالْغَرِيبِ مَتَى
أَقْدَامُكُمْ تَتَّبِعْ نَهْجَ الْهُدَى تُصِبِ
.
مِنْ سُنَّةٍ إِرْثُهَا الْبَرَّاقُ لَمْعتُهُ
كَلَمْعَةِ الْمَلْمَسِ الدُّرِّيِّ فِي الذَّهَبِ
.
مِنْ سُنَّةٍ يَسَّرَت نَصًّا قَدْ اخْتَلَفُوا
عَلَى تَفَاسِيرِهِ سَعْيًا إِلَى شَغَبِ
.
نَعَمْ، أَظُنُّكِ يَا رُوحُ اشْتَعَلْتِ قِرَىً
لِأَجْلِ طَهَ وَهَذَا أَبْلَغُ السَّبَبِ
.
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ ظِلًّا لِلسَّحَابَةِ كَيْ
أُظِلَّهُ مُؤْنِسًا مِنْ قَسْوَةِ الْنُوَبِ
.
عَامٌ مِنْ الْحُزْنِ زَالَ الْحُزْنُ حِينَ رَأَى
نُورَ الْجَلَالَةِ فَاسْتَرْضَاهُ فِي أَدَبِ
.
فِي سِدْرَةِ الشَّوْقِ مَا ضَلَّ الْفُؤَادُ إِذَا
رَأَى الْكَمَالَ جَلَالًا دُونَمَا حُجُبِ
.
كَاثْنَيْنِ فِي الْغَارِ قَلْبِي؛ طَافَ حَوْلَهُمَا
يُسَبِّحُ اللَّهَ هَلْ فِي الشَّوْقِ مِنْ عَجَبِ؟
.
فِي الْغَارِ، وَالْمُصْطَفَى الْمَعْصُومُ أَرْقُبُهُ
شَكَوْتُ، هَدَّأَ رَوْعِي؛ فَانْتَهَى تَعَبِي
.
عُذْرًا سَهَوْتُ إِذِ اسْتَرْسَلْتُ فِي وَجَعِي
شَرْحًا أَمَامَكَ يَا ذَا الْقَدْرِ وَالْحَسَبِ
.
مُحَمَّدٌ أَنْتَ تَاجُ الْخَلْقِ قُدْوَةُ مَنْ
تَبَوَّأَ الضَّوْءَ يَرْجُو خَيْرَ مُنْتَسَبِ
.
تَحِنُّ نَفْسِي؛ وَهذِيْ الرُّوحُ قَدْ خَشَعَتْ
فَرَافَقَتْكَ كَظِلٍّ مَا .. بِلَا رِيَبِ
.
جَثَا الْمَدِيحُ إِذِ اسْتَدْعَى الْقَصِيدَ فَلَمْ
يُحْسِنْ؛ وَدُونَكَ قَلْبُ الطِّفْلِ لَمْ يَطِبِ
.
يَا ذَا الشَّفَاعَةِ صَفْحًا مِنْكَ أَطْلُبُهُ
وَأَنْتَ أَكْرَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فَاسْتَجِبِ
.
بي لثْغَةُ الطَّفْلِ لَا تَخْفَى؛ وَخَفْقُ دَمِي
هَذَا، أَعُوذُ بِرَبِّي مِنْ دَمٍ كَذِبِ
.
أَنَا رَجَائِي مِنَ الدُّنْيَا وَجَائِزَتِي
فِي الْخُلْدِ جَارَكَ أَغْدُو سَيِّدَ الْعَرَبِ.