رفعت غطاء البئر الضخم بكلتا يديها مستعينة ببقايا مخزون قوتها التي تخطت بعمرها الخمسين عاما.
أحست, وهي تلقي به فوق أرض الدار بانكسارٍ في ظهرها جعلها تغادر انحناء تها بهدوء جاد أوحى لابنتها التي وقفت تراقبها عن كثب بنبأ محزن ,أسرعت الفتاة بأعوامها العشرين تستطلع الحدث الذي زلزل كيان الأسرة وأربك حياتها بإصابة سامية بانقراص حاد في فقرات الظهرجعلها طريحة الفراش لاتغادره إلا لضرورة ملحة0
تعلقت مسؤولية إدارة البيت بالشابة سمر التي رفضت يوم الحادث مساعدة والدتها برفع غطاء البئر واستخراج الماء منه بحجة تشقق جلد كفيها واحمراره من جراء كثرة استعمال الماء والصابون أثناء غسيل الثياب , وجلي الصحون, وعندما كان والدها وإخوتها الشبان يعودون من المزرعة كانت تخفي عنهم أوجاع جسدها التي بدأت تنخر شبابها بالتعب , وتتلفه بالأمراض, وذات يوم وبعد أن أنهت أعمال المنزل, وطهي الطعام اقتربت من البئر لإخراج بعض الماء اللازم لاستحمام العائدين من الحقل , فقد نفذت الكمية التي خزنت في برميل التسخين , وقبل أن تمسك بالغطاء الضخم تذكرت مادار بينها وبين والدتها من حوار, فأمسكت الغطاء بغضب ...رفعته بكامل قوتها ..ألقت به فوق الأرض , وشعور مقزز من لوم الذات التي اعترفت ضمنياً بتقصد أذية والدتها بعد أن رفضت تزويجها لعامر أجير الفران في الحارة الذي أحبَته كآخر أملٍ محتمل لها ظناً منها بأنه عريس لقطة لفتاة تخطت العشرين بعدة أعوامٍ ,وهذا يعني في عرف أهالي قريتهم سن العنوسة ..أتعبها العمل في الببت منذ أن كانت صغيرة , وستظل بعد رفض عامر تعمل ماتبقى لها من عمر خادمة للأسرة إلى أن تلقى حتفها, و توضع في عينيها حفنة التراب تشبعها من حبِّ الدنيا ... حملت الدلو ..مدت به الحبل في جوف البئر, ويداها ترتعشان ..مازالت تلقم الحبل مزيداً من الأمتار, وعيناها ترافقه حيناً, وتستجلي مياه البئر حيناً آخر, وقبل أن يصل الدلو سطح الماء الهادىء لمحت صورتها تتوسط قاع البئر تحيط بها هالة من فضاء أزرق ...توقفت يداها عن مد الحبل, وراحت تتفحص وجهها البعيد بإعجاب حسبته إطراءً من عامر... ابتسمت برضا واطمأنت إلى أنها مازالت بخير, فراحت تميل برأسها بسعادة أمام مرآة الماء العميقة جدًا.. تزداد سعادة ...نشوة وخيلاء, ومالبثت في غمرة عبور طيف الفرح نبضَ قلبها أن سمعت صدى ضحكتها يتهادى إليها من عتمة البئر, تزداد ضحكتها انتفاخاً , وعلوا وقهقة ... تخرج والدتها من مرقدها تتعكَّز على عصى غليظة لمعرفة سبب الضحك المفاجىء هذا ....تقترب من سمر ..تقترب أكثر ..فأكثر ..تكاد تجن هذه الأم, وابنتها تزداد ضحكاً ..تمد نحوها يداً ... تسألها بقلقٍ مارد: مابك ياسمر.. تفاجأ الفتاة بالصوت المجلجل تصرخ , وتصرخ يتحد صوت الصراخ بلحظة مولدِ حدث يشطر الصرخة شطرين ينطلق أحدهما من فم الأم , و الآخر يخرج مدوياً من جوف البئر, والفتاة تسقط فوق خيالها الذي تناثر رذاذا فوق جدران البئرالمظلم.. بقلم[/align]
بنت البحر
يكفيكم فخرًا فأحمد منكم***وكفى به نسبًا لعزِّ المؤمن