طار بسيارته الفارهة بسرعة جنونية تسابق أفكاره الطموحة الجموحة.. هو في الطريق لإتمام صفقة أخرى من صفقاته التجارية الناجحة، ليضيف أصفارا أخرى إلى رصيده ذو الأرقام الفلكية.
رن هاتفه النقال فرد ـ فجاءه صوت لعوب لمرأة يعرفها ذات صوت حسن،ونغمة تسحره بغنجها المتعمد ، فانشغل معها في حديث تتخلله ضحكاتها الرنانة التي أخرجته عن طوره ، فلم يلاحظ تلك الشاحنة التي اعترضت طريقه فجأة قادمة من الإتجاه الموازي للكورنيش، فداس على البنزين بكل قوته محاولا تفادي التصادم ليطير بسيارته التي ارتفعت به مثل طود هائل عشرات الأمتار في الهواء، ثم نزلت بإندفاع في وسط البحر.
صرخ بكل ما أوتى من قوة وهو يرى السيارة تهوي بسرعة إلى أغوار سحيقة البعد. أغمض عينيه
وابتهل إلى الله أن ينقذه من موت محقق .
في تلك اللحظات مرت أمام عينيه حياته كلها كشريط سريع من الصور.. أخذ يبحث عن عمل صالح
واحد يسأل الله به أن ينجيه فامتثلت أمامه كل اعماله القذرة.. رياء ونفاق وشراء ذمم، دسائس لأعدائه ومنافسيه، ورشاوي لقضاء مصالحه. فبكى بحرقة وحسرة وتأكد من إنه هالك لا محالة، فهتف بحرارة لم يعهدها .. يامغيث أغثني.
طوفان من الماء المالح اجتاح فمه وانفه ـ خطر له خاطر .. إنه مازال مربوطا بحزام الأمان إلى كرسي السيارة ـ حرر نفسه من الحزام واستمات لكي يخرج من النافذة التي كانت مفتوحة.
الظلام الكثيف يغلف المكان، وقد بدا ضباب يغلف وعيه ـ ولكن غريزة البقاء، وحب الحياة كانت قوية
في داخله فأخذ يقاوم ويحرك يديه وقدميه محاولا الصعود إلى الأعلى، ورغبة رهيبة في مقاومة الموت تملك كل حواسه ، يساعده على ذلك بنيته القوية، وإلمامه بالسباحة والغطس ونفسه الطويل ليجد نفسه في لحظات لا تقدر في عالم الزمن قد ارتفع إلى السطح.
بدأت نسمات الهواء تتسرب إلى أنفه وتنساب في خلاياه فاستشعر دبيب الحياة يسري في جسده .
ولكن كان عليه أن يصارع الأمواج، والبرودة اللاذعة وقد تشققت شفتاه من الملوحة اللاذعة والتهب حلقه
وبدات قواه تخور ، أخذ يقاوم سابحا نحو الشاطئ بمجاديف الأعياء والتعب والظمأ، خرج من البحر
إلى الشاطئ الرملي ـ فألقى بجسده الذي انهكته المقاومة ، وارتخت جفونه ليغيب عن الوعي.
فتح عينيه ليجد نفسه يرقد على سرير ، ويحيط به اللون الأبيض من كل مكان ـ أطل عليه وجه ملائكي
قال بصوت متحشرج : أمت انا؟
ـ ابتسمت ابتسامة عريضة قائلة: بل نجوت بأعجوبة ـ عندما أتوا بك إلى المستشفى منذ ثلاثة أيام ، كان جسمك ملئ بالكدمات والجروح ، وقد دخلت في غيبوبة لم تخرج منها إلا الآن.
ـ خبط رأسه بيده بكل قوة وهو يقول: منذ ثلاثة أيام
يا خسارتي .. ضاعت الصفقة.
3/2/2018