إن الحديث عن النفس والذات أمر تورع منه السلف، وفروا منه، لما يعتريه غالبا من إعجاب بالنفس وفخر، يؤدي في عاقب أمره ومآله إلى النظر بعين القبول والرضى على كل ما يأتيه المرء أو يذر، على حد قول القائل:
وعين الرضى عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا
وإصابة عين الرضى بالعمى إعاقة مطلوبة، لتستقيم طريق المؤمن وسبيله إلى مولاه صراطا لا يعوج به أو يحيد، لذا سار هدي سلفنا ألا يتكلموا عن ذواتهم بمدح سيرا على أمر الرب سبحانه من أواسط سورة النجم {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)}.
لكن هناك مسلك آخر يرجا فيه ثواب الله، ذكره القرآن عن نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين قال مخاطبا ملك مصر في زمانه يزكي نفسه { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}. ولما وقع في مجلس نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين طلب إحضار عرش ملكة سبأ فـ {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)}. وكذلك ما جاء في آخر آية من سورة الضحى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}.
وذلك أنه إذا دعت الحاجة إلى أن يتحدث المرء عن نفسه لأجل جلب مصلحة، - مع ألا يدخل حديثه عن نفسه مدخل إعجاب المرء بعمله وتزكيته لأفعاله، بل يكون قصده ومراده نفع المخاطب وشحذ همته،- جاز إن شاء الله، لكنه مع ذلك مزلق خطير، وخيط رفيع سرعان ما ينقطع به إن لم يكن لقلبه يقظة تامة، والحافظ الله سبحانه.
فتطوير الذات والأخذ بيدها قدما إلى الأمام نحو الرقي بها من طور إلى طور لا يتأتى إلا بأمرين ومسلكين:
الأول مسلك مفاهمي تنظيري معرفي.
الثاني مسلك تمثيلي تطبيقي واقعي.
وهما ما عنى به علماؤنا قديما ووسموه بـ"العلم والعمل"
وهما لتطوير الذات ركنان متلازمان، أي أن وجود أحدهما لازم له حتما وجود الركن الآخر، ومن جميل تعبير سلفنا عن هذا المعنى قولهم "نادى العلم على العمل، فإن أجابه وإلا ارتحل" .
فلا بد في هذا القسم إلى جانب التنظير والحديث المعرفي المحض ، من أمثلة سارت بتلك المعرفة والمفاهيم من رفوف المكتبات وصفحات الجرائد والمجلات وأقسام المنتديات، سارت تنفخ فيها روح الحياة لتصير واقعا معاشا وملموسا على أرض الحقيقة(1)، وبذلك تكتمل الصورة وتشحذ الهمم لأناس قد يئسوا من أنفسهم واحتقروا ذواتهم.
فهي دعوة لكل عضو في المنتدى أن يخط من تجربته ما يكون أسوة لأحبته ولأخواته من الأعضاء وخطة طريق يستدلون بها في متاهة هذه الحياة ويضيئون بها ظلمة غياب الطريق تكون له ذخرا بكل من انتفع بحكاية مسيرته وكفاحه.
دعوة إلى تلاقح التجارب والوقائع بيننا لاستخلاص ترياق المناعة وإكسير العبرة والعظة من صراعات البقاء وسنة التدافع.
فهي دعوة إذن إلى خط وتسطير كل واقعة أو موقف أو كلمة لها أثر أو جملة حياة أو أو خلقا رفيعا تكتسبه أو أي تأثير تراه لك عل وسطك ومحيطك وسواء كنت من نظرتك قد بلغت مسعاك به أو لا فاحك تجربتك فقد تكون حافزا وبلوغا وأسوة لغيرك وثق بي وصدقني فلن تعدم أن تجد في حياتك ما يفيد.
وإذا لم يكن من ظنك ما يفيد من حياتك فمن هنا بداية الطريق والمسير إلى الثقة بنفسك وصنع مسارك وهدفك.
فكن لي وكوني قدوة وأسوة
وبارك الله في الجميع
عبد الرحيم صابر
------------------------------------------
(1) ولما كانت حاجة الإنسان ماسة إلى التأثر بالمشابه والمتناسب جعل الله رسله أول من يحيي شرعه بأنهم أسوة فقال بعد ذكره عددا من رسله في سورة الأنعام {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وجعلهم من البشر لتكتمل الحجة فقال سبحانه مبينا حكمة اختياره رسلا من البشر {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا } [الإسراء: 94، 95]