|
هَلْ مَاتَ؟ لَوْ مَاتَ حَتَّى،.. فَهْوَ لَمْ يَمُتِ |
وَلَنْ... وَلَوْ قِيلَ، مَهْمَا قِيلَ عَنْ ثِقَةِ |
مَا زَالَ يَنْظُرُ فِي مِرْآةِ عَيْنِيَ، كيْ |
أَرَى، وَيَمْشِي طَوَالَ الشَّوْقِ في لُغَتِي |
يَؤُمُّني نَحْوَ حُلْمي، مُنْذُ وَضَّأَنِي |
بِنَظْرَةٍ، أَذَّنَتْ شِعْرِي عَلَى شَفَتِي |
مِنْهَا عَرَفْتُ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ عَلَى |
سَجَّادَةٍ وَرَقٍ فِي صَفِّ أَخْيِلَتِي |
وَكَانَ مِنْ أَوَّلِ الُمْعْطِينَ لِي قَلَمًا |
وَقَالَ لِي: انْصبْهُ فِي سَطْرٍ كَمِئْذَنِةِ |
نَصَبْتُهُ، ثُمَّ مِنْ أَيَّامِهَا وَأَنَا |
مُؤَذِّنُ الْحِبْرِ فِي مِحْرَابِ فَلسَفَةِ |
صَلَّيْتُ، حَتَّى أَرَى لِي أَيَّ مُعْجِزَةٍ |
تُهْدَى لَهُ، قَالَ: يَابْنِي، أَنْتَ مُعْجِزَتِي |
دَفَنْتُهُ وَقْتَهَا فِي النَّبْضِ، جُبَّتُهُ |
رُوحِي، وَلِيًّا.. وَقَلْبِي أَرْضُ أَضْرِحَةِ |
فَكُلَّمَا تُهْتُ فِي صَحْرَاءِ مَسْأَلَةٍ |
نَادَى بِعَطْفِ حُقُولٍ نَحْوَ سُنْبُلَةِ |
أَقُولُ "أَيْنَكَ"، لَكِنْ لَا يَقُولُ سِوَى |
"فِيكَ"، الْتَفَتُّ لَهُ فِي أصْلِ حَنْجَرَتِي |
فَفَاتَنِي عِنْدَهَا حَتَّى يُعَلِّمَني |
فَنَّ التَّخَلِّي، فَلَمْ يَلْحَقْهُ مُلتَفِتي |
نَادَى "عَرَفْتَ، إِذَنْ؟"، وَازْدَادَ فِيَّ كَمَا |
لَمْ تَقْوَ –قَبْلُ- كِنَايَاتِي وَتَوْرِيَتِي |
حَتَّى اكْتَفَيْتُ بِطَعْمي، مِثْلَ أُحْجِيَةٍ |
حُلُولُهَا خُطْوَةٌ فِي أَلْفِ أُحْجِيَةِ |
لَمَّا رَآنِي وَقَدْ أَدْمنْتُ كَمْ غَرَقٍ |
أَلْقَى لِيَ الشَّطَّ فِي أَعْمَاقِ أَوْرِدَتِي |
خَرَجْتُ مِنْ مَوْجَةِ الْمَاضِي، لأَشْكُرَهُ |
مِثْلَ الْغَرِيبَيْنِ، لَكِنْ قُلْتُ: يَا أَبَتِ |
وَلَمْ تُكَذِّبْ "دِمشْقُ" الطِّفْلَ فِي لُغَتِي |
فَرَحَّبَتْ بِي، وَرَبَّتْ فِيَّ قَافِيَتِي |
فَكَانَ يُمْسِكُ أَقْلَامِي بِكُلِّ يَدِي |
لِيُثْبِتَ الْعِطْرَ فِي إِصْحَاحِ زنْبَقَتِي |
وكَانَ أَرَّخَ فِي نَعْلَيَّ كَمْ جِهَةٍ |
حَتَّى إِذَا ضِعْتُ نَادَتْ خُطْوَتِي جِهَتِي |
وَكَانَ وَاللهِ لَمَّا كُنْتُ مُزْدَحِمًا |
بِجِسْمِ مُرِّي، بَدَا لِي رُوحَ سُكَّرَةِ |
عَرَفْتُهُ وَأَنَا رَهْن السُّقُوطِ عَلَى |
لَا أَرْضَ، أَهْدَى طُيُورِي بَعْض أَجْنِحَةِ |
وَكُنْتُ جُنْدِيَّ آلَامِي، أُحَارِبُنِي |
وَأَسْفكُ الرُّوحَ مِنْ شِرْيَانِ محْبَرَتِي |
أَعَادَ تَعْلِيمَ سَيْفِي أَنَّ تِلْكَ يَدِي |
وَأَنْ جُرُوحِي لِنَفْسِي غَيْرُ لائِقَةِ |
وَأَنَّ كُلَّ قَنَاعَاتِ الْحُرُوبِ إِذَا |
لَمْ تُنْهِ طَعْمَ احْتِلَالِي مَحْضُ هَلْوَسَةِ |
وَأَنَّ مَعْرَكَةً سَاوَتْ هَزِيمَتُهَا |
انْتِصَارَهَا دَائِمًا لَيْسَتْ بِمَعْرَكَتِي |
فَكَيْفَ أَزْهُو بِقَتْلي لامْرئٍ، وَلَهُ |
طِفْلٌ، هُوَ ابْنِي، وَهَذِي الأُمُّ أَرْمَلَتِي |
فَيَنْبَغِي أَنْ أَرَى سَطْرًا أَحَبَّ سِوَى |
سَطْرِي الْمُدَمَّرِ فِي أَنْقَاضِ تَجْرِبَتِي |
لأَنَّنِي –مِثْلَمَا تَرْجَمْتُ نَظْرَتَهُ |
مَحَارَةٌ لَمْ أُثَمِّنْ –بعْدُ- لُؤْلُؤَتِي |
أَعْطَى رَغِيفَيْنِ لِي، وَاللهُ أَعْلَمُ بِي |
وَكُنْتُ أَحْوَجَ إِنْسَانٍ لأَرْغِفَةِ |
كَمْ قَالَ "خُذْ"، لَمْ يَقُلْ لِي "هَاتِ"، قُلْتُ لَهُ |
"أَلَنْ تَقُولَ...؟" مَشَى بِي، دُونَ أَجْوِبَةِ! |
وَظَلَّ يَتْرُكُ لِي فِي خُطْوَتَيْهِ رُؤًى |
وَوجْهَةً، وَطَرِيقًا جَنْبَ بُوصَلَةِ |
أُحِبُّهُ مِثْلَمَا أَحْبَبْتُ نَفْسِيَ، كَمْ |
أَعْطَيْتُهُ "كُلْيتي" فِي "حُلْمِ" تَضْحِيَتِي |
وَكَمْ تَنَزَّهَ فِي قَارّاتِ ذَاكِرَتِي |
وَكَمْ تَنَفَّسَ رَغْمَ الْبُعْدِ مِنْ رِئَتِي |
وَكَمْ أَتَى أَلْفُ "مُوسِى" مِنهُ "مِصْرَ" دَمِي |
فِي وَقْتِ طَيْشِي، فَلَمْ تَكْفُرْ فَرَاعِنَتِي |
أُحِبُّهُ مِثْلَ طِفْلٍ حِينَ قِيلَ لَهُ |
"أَبُوكَ مَاتَ" بَكَى مِنْ دُونِ أَسْئِلَةِ |
وَبَاتَ يَنْبشُ حِضْنًا فِي التُّرَابِ لِكَيْ |
ينَامَ جَنْبَ أَبٍ فِي حِضْنِ مَقْبَرَةِ |
أُحِبُّهُ مِثْلَ فَلَّاحٍ لِسُنْبُلِهِ |
وكَالْعَجُوزِ لأُنْسٍ فَوْقَ مصْطَبَةِ |
وَكَالْقَصَائِدِ لِلْأَقْلَامِ فِي وَرَقِي |
وَكَالْغُصُونِ لأَزْهَارٍ وَفَاكِهَةِ |
وَكَالطّيُورِ لأَعْشَاشٍ وَرَفْرَفَةٍ |
وَكَالشَّوَاطِئِ فِي اللقْيَا بِأَشْرِعَةِ |
وكَالْمَوَاسِمِ لِلْحَقْلِ السَّخِيِّ عَلَى |
غُصُونِهَا بِثِمَارٍ مُعْظَمَ السَّنَةِ |
أُحِبُّهُ.. لَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ أَعْذرُهُ |
لأنَّهُ غَابَ عَنِّي دُونَ مَعْرِفَتِي |
هَاتَفْتُهُ.. لَمْ يَرُدَّ.. الْحُزْنُ وَسْوَسَ لِي |
بِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ تعْنِيهِ مُشْكِلَتِي |
وَأَنَّهُ نَسِيَ ابْنًا فِي الزّحَامِ، وَلَنْ |
يَعُودَ يُنْقِذُهُ مِنْ أَلْفِ مَضْيَعَةِ |
وَالْيَوْمَ أَرْجُو لو اْنَّ الْحُزْنَ يَصْدُقُ فِي |
مَا قَالَ عَنْهُ لِقَلْبِي بِاسْمِ وَسْوَسَتِي |
يَا لَيْتَهُ كَانَ مَشْغُولاً، فَيُهْمِلَنِي |
وَلَا يَرَدّ .. وَلَا يَرْجُو مُكَالَمَتِي |
لَكِنَّهُ..... ماتَ.. لَمْ يَتْرُكْ عَلَى سَعَةٍ |
فِي الأَرْضِ لِي غَيْرَ كَوْنٍ حَجْمَ مَقْبَرَةِ |
هَلْ مَاتَ حَقًّا، وَمَا عَادَتْ لأُمْنِيَتِي |
مِنْ فُرْصَةٍ لِلِقَاءٍ مَحْضِ أُمْنِيَةِ! |
أَلَنْ أَرِنَّ عَلَيْهِ الآنَ، ثُمَّ إِذَا |
رَأَى –الْمَسَا- رَقَمِي، يَنْوِي مُهَاتَفَتِي |
هَلْ مُتَّ..؟ لَوْ مُتَ حَتَّى، أَنْتَ لَمْ تمتِ |
فَكَيْفَ لَمْ تَتَّصِلْ بِي اليَوْمَ يَا أَبَتِ |