مقاربة نقدية في المجموعة القصصية( الدار بوضع اليد ) للدكتور حسين علي محمد
بقلم / بهاء الصالحي
قلائل هم المبدعون الذين تركوا بصمات على الأجيال التي تليهم، منهم الدكتور حسين علي محمد، ولكن الأهم أنا أتناول الدكتور حسين علي محمد مبدعا من خلال أعماله السرديه وأبرزها ( الدار بوضع اليد ) وهو عنوان لمجموعه قصصيه صدرت عام 2007 وهي مجموعه تتميز بعدة ملامح سردية.
1 - الملمح الأول ضمير الغائب وكأنه يخاطب الأبطال كسارد من الذاكرة، وهنا الملائمة مع الزمن الخاص بالأبطال وتوافقه مع الزمن الخاص بالروائي حيث تزيلت كل القصص كلمة كُتب في الرياض بتاريخ كذا، والأحداث تدور في الماضي حيث كان في مراتع طفولته الأولى وفي ميعة الصباه، هنا تاتي المسأله وكأنها جردت حساب مع الذات حيث وطئة المكان بذكرياته، حيث ترتيب السرد من خلال عدة اعتبارات أولها تداعيات الغربة واستجلاء نماذج إنسانية منخلعه عن ذاتها وواقعها سواء بالتغريب او بالرحيل مصحوبا بكائن داخلهم يجسد مفهوم الهزيمة وبالتالي تصبح الهزيمه الجماعيه هي البطل والتي انعكست على مساحة السرد الوارد عبر المجموعه.
٢- انعكاس جو الاغتراب على السياق النفسي لأحداث المجموعه القصصيه حيث بلغ عدد القصص بالمجموعة ( 16 ) قصة، ( 11 ) منها كتبت بالرياض وأربعة منها بديرب نجم بلد المنشأ للحزن التاريخي الذي يحمله الأبطال وقصة واحده كتبها حالة زيارته لليمن من خلال عنوان فرعي هي التغريبه اليمنية.
٣- الإغراق في الذاتيه وكأن التطور المجتمعي المصاحب لانتصار 1973 لم يشكل هاجسا نفسيا حتى في تلك النماذج. التي عرضها الكاتب خلال استدعاءاته التاريخية من واقع التذكر.
٤- التذكير بما احتست التغريبه الخليجيه على بناء الأسره المصرية نفسيا من خلال الحرمان حيث رشقت اللغه في التعبير .كما ورد في قصص قبل السقوط وظمأ وهكذا.
٥- من خلال التحليل الاجتماعي لتلك المجموعه نرى أنها قد وقفت عند لحظه تاريخيه معينه وهي هزيمه 1967 هل هي محاوله لتبرير التلذذ غير المشبع نفسيا أم أنه انحياز من خلال الطبيعة الشخصيات المستدعاة لأدانه مرحلة معينة، في كل الأحوال جاءت المجموعه مؤشرا على نمط من أنماط الاستجابة القياسية لجزء من جيل الستينيات والسبعينيات على مستوى السرد ولكن بطريقة الترجمه للعصر حيث تمثل ذلك يمثل ذلك العمل نوعا من أدب الطبقه الوسطى المصرية، لتعكس تطورها المعرفي والنفسي والحياتي وكرصد لمرحله التغريبة الخليجيه التي عاناها المثقف المصري محتفظا بانتمائه حيث رحل.
الصفه العامه لتلك المجموعه اتساك والحدث الرئيسي بما يترك الشخصية في نطاق الوصف المصحوب بدقة اللغه وكثافة الدلالة وعلى القارئ أن يبحث عما يوافقه داخل تلك المتوالية القصصية التي لم تخرج عن نستلجيا تعكس فكرة محاولة استدعاء الذات المبعثرة على أزقة وأرصفه التغريبة الخليجية.
الصراع والعقده الرئيسيه هي فكره المباعدة الزمنية ما بين الحدث واستدعائه، تلك المساحه المليئة بالشجن وكأن البطل الرئيسي عبر المجموعة هو المثقف المهزوم من داخله حتى طاردته هزيمته عبر مرتع نعيمه المادي في بلاد الغربة، حيث جاءت شخصية نبويه كمرادف موضوعي لهزيمته النفسية.
هنا نطرح سؤالا هاما ما هي دوافع الكتابه خاصة مع التحقق المادي عبر دول الخليج، هنا يبدأ السياق النفسي للعمل ككل حيث موطن الكتابة عبر المجموعة وبحكم منطقيه العمل السردي كمقدمة رئيسية لتوظيفه اجتماعيا لأن السرد هنا ليس بحكم فكرة التسليه وإلا سقطنا في فخ الحدوته القائمة على فكرة التسريه عن النفس.
ولكننا هنا بصدد شخصية تتنازعها الآم النشأة حيث احباط الحلم مع هزيمة 67 ، وكأن متلازمة الهزيمة والهروب إلى حيث لا تحقق يبدو في قصة زياره حيث قطع الدومينو المتجاورة، وكأنه يرى القرية بعيني طائر قادم من زمن حاضر، ولكن جنين نيه الحلم المطمور داخل ثنايا ذاته حيث تحولات التي مارسها الاشخاص على نمط متحولي أوفيد وكم النشوة وكم التشوه المعرفي والمعنوي الذي عاناه هؤلاء الأبطال.
هنا التحول الذي أصاب الأشخاص الثلاثة سناء وصفوه وسفوت عيسى وسوفه نعمان وحتى اختيار اسم صفوت زاد دلالة ربما ولكن لتكرار مكان بعينه معهد حلوان الاشتراكي، الاتحاد السوفيتي، القرية لتصبح دلالة التحولات، حيث من هاجر إلى ايطاليا سعيا وراء امرأه وهكذا تلك الريفية الضخمة التي تحولت في جسد يتسلى به الأغنياء، وكذلك تذبذب قمة الطبقه الوسطى ممثلة في صفوه عيسى، عيسى الذي اختار الطب النفسي حال دراسته بروسيا حتى يعالج معاناه الشعب المهزوم ما بعد 1967 ولكنه وقع بعد ذلك في فخ السلطة، وهنا هنا يكون سياق السرد في ظل توازي الشخصيات من خلال عدد من الأسئلة الداخلية، وكان الحوار المفقود بين مسارات متوازية، هو انعكاس لذات السارد حيث تشعر به يبحث عن نماذج التحول المشوه داخل واقعه وكأنه يسرد أزمه جيل تحطم حلمه في مرحلة البرعمة.
وطاه الذكريات حيث الترتيب السردي بالنسبه لقصة رباب وكذلك قصة حزن لا يموت، حيث تحضر شخصيه نبوية وقد جاء السرد مُقطعا، حماية لصلب النص، حتى يتم التوجيه القسري لوعي المتلقي حيث تداخل الأزمنة هو القائم في القصتين المتتاليتين، وطأة المكان هنا متمثلة في موضع ديرب نجم حيث ولاده وتربيه ووجدان وحنين المؤلف حيث يمارس الكاتب تجريد رباب من مجرد تواجد انساني حالم رغم كل الفقر الجدير بقتل روح إنسانية وأي قدرة على الحلم، فتتحول رباب إلى عدة تجريدات: تجريد الثورة بأغانيها، تحقيق فجر محب التحول لقيم تاريخيا مناظره مثل عنتره وعبله، هنا ياتي الشعر ملائما للصياغة وكأننا هنا بصدد القصة الشاعرة، وهو أمر متعلق بلغة السرد حيث الإيجاز وتكثيف الدلالة وهنا الشكل الأنسب لأن التدخلات النفسية والموضوعية لشخصية رباب تلك الحلم وملمس الحنين لزمن الترحال من الجامعه إلى الزقازيق والعكس وكأن المكان نفسه كموقع للحدث يكون سببا من أسباب الخلود وكأنه جبل التوباد عند قيس بن الملوح حيث يكون المكان حاضنة للروح والحلم لتصبح رباب هنا رمزا لذلك التشرذم، فلم تعد إلا حلما لواقع غير متحقق وغير قابل للتجسيد بفعل الموت ولكن في حزن لا يموت، تهون مسألة الفقد بفعل الوجود المادي للمحبوب مع الحرمان منه، ليضيق الحلم ويتجسد في كفاءة التعويض المادي وقدرته على اشباع الروح، وكأن تلك الغربة التي استقرت في روحه فدفعته إلى الاغتراب الجسدي فيصبح الفقر ليس عائقا مقنعا، ولكنه فقر الروح لتصبح الهزيمة رفيقا للذات حتى مع تحقق الرفاهية بفعل التغريبة الخليجية.
نستعرض بعض ملامح القصص المطروح عبر تلك المجموعة.
ففي قصه ما أجملها البطل هنا هي الأرض القرية، حيث تحقق حلم العودة إلى القرية بوفاة ذلك العائق، تلك الزوجة الآنفة والتي لم ينجب منها، ولكن عودته مشروطة، مشروطة بالفقد لمقومات الحياة وكأن المقدمات تفيد قسوة النهايات في احساسه بالعجز هو استمرار لوحدته، تلك الوحدة التي تعد أبرز نتائج الغربة، وهنا تكون الغربة داخل الذات وخارجها، هنا تكون ملامح البطل، البطل هنا هي الذات ومتتالية العجز والاستسلام لمفهوم آنفة الزوجة والهروب منها واستسلامه لحياه المنصب المزيفة، ذلك كله قد أدى إلى وئد تلك الفرحه التي لم يسعى لتحقيقها، فكانت النتيجة تسلل الموت لداخل ذاته حتى صار توأما للموت من جحود الأبناء لدى ابنة خاله وعجزه عن الرغبه في الحياة فكان عجزه الجسدي.
ونأتي إلى قصة أخرى داخل المجموعة، وهي أزمه مخرج، المخرج هنا رمز للمثقف ونحن هنا أمام بطل كاتب للنصوص المسرحيه في زمن السبعينيات بخلفيات ذلك الزمن الأصولية المدعومة من قبل السلطة، حيث يسيطر الرعب على المخرج الذي تعلم في روسيا ويحسب على التقدميين ويرفض إخراج مسرحية تبحث عن الهم الطبقي من خلال التاريخ الصوفي، هنا فكره الزمن كبُعد رئيسي وعجزه عن التواصل مع الواقع وعجزه عن تخطي ذلك القيد الأصولي، رغبة منه في المواءمة، حيث أن الزمن الخاص للأبطال من المتناقضات، مزيجا من المتناقضات ،فالمخرج على الرغم من تقدميته يستنهض تلك الأصولية المتأ صلة داخله من خلال استدعائه لنموذج أباه المتدين وكذلك تحوله الداخلي خوفا من المد الأصولي .
نحن أيها السادة بصدد صوت أصوات السبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ذلك الجيل الذي ظلم تصنيفا، وظلم تجاهلا بواقع فترة التحول القاسية من صيغة مجتمعية إلى صيغة مجتمعية أخرى، ولكن هنا يبقى الأدب شاهد على عصره من خلال قدرته على استخدام ادواته الفنية، وهنا تاتي قيمه حسين علي محمد كرمز لهذا الجيل وكأحد أفراده المميزين وكشخص استطاع أن يصنع حراكا ثقافيا على مستوى قريته وأن يستوعب عددا من المبدعين أضافهم إلى الحياة الثقافية في محافظة الشرقية وإلى عمل آخر من عمال ذلك الفذ فإلى لقاء
بهاء الصالحي