اللص الصغير3
عزيز باكوش/
فيما كان محسن في بيته وحيدا , إلا من غنيمة الصباح , يقضي وقته يغني تارة و يعبث بأزرار جهازه المحمول مرة أخرى , استدار مفتاح صدئ في قفل الباب , واقتحم المكان شبحان لم يتبين ملامحهما , رفع محسن يده فوق عينيه خوفا من خطر مفاجئ،فكر في ان يصرخ , أنتابه لحظتها خوف عظيم, إذ لم يبق في المنزل سواه.ومن غير تحية أو مقدمات ,امسك شبح رقبته بقوة. وفي لمح البصر, سدد لكمة قوية الى رأسه الصغير, لكمة ,أفقدت محسن صوابه. وسقط مغميا عليه مثل وسادة خاوية.
صاح الشبح كمنتصر:انها الطريقة السليمة لمعالجة الموقف.
قال الشبح الثاني:
- "يا إلهي لم يعد المنزل فارغا كما توقعت..لكن!" تهنينا منو ...إيه.."
وتابع في لهجة آمر:
- أوثق يديه الى الخلف بحبل .لا تضغط بقوة...انه لا يقاوم.."
ثم شرعا في تجميع محتويات البراكة ,في هذه الأثناء كانت صيحات شجار عائلي من شقة مجاورة ,تختلط مع نداء باعة خردة على الرصيف , متلا شية في فضاء المكان الغارق في الصمت , ومع أن الحصيلة , لم تكن سوى جهاز راديو"6" قديم من الحجم الصغير ,ثم بطاريتان من الحجم المتوسط انتهت صلاحيتهما ,إضافة الى علبة سجائر"كازا" نصف ممتلئة, وقرصي فيسيدي احدهما للشاب" مامي" والثاني للفنانة الشعبية" الداودية". فان جشع اللصين دفعهما الى نفش وسائد نوم العائلة , والعبث بمحتويات مطبخها , بما في ذلك أكياس القمامة والمرحاض العفن طمعا في الحصول على شيء ذا قيمة , ثم قادهما يأسهما الى كسر جرة عتيقة كانت الأم تستعملها لحفظ السوائل من زيت ,وزيتون . وبعد أن تأكدا من أن محتوى الجرة لم يكن سوى حبات زيتون حامض .
اصدر احدهما أمرا:
- هيه.. اجمع كل شيء .. لملمه في هذه الخرقة ."ثم تابع في غضب:
مقردين هادو..مجوعفين... الله يستر..."
انصرف اللصان متسللين , عبر سلا ليم غائرة , وقد وضعا طاقيتين حجبتا نصف رأسيهما, ثم انقذفا دون أن يهتما بمصير محسن الذي ما عاد يرى أو يسمع منذ اللكمة شيئا من حوله.
لم يكن من المدهش في أسرة محسن أن يحمل ابنهما شيئا جديدا, لقد دأبا على تفتيش جيوبه كلما حل راجعا من المدرسة, منتفخ الجيوب , لكن حدث أن تلاحقت الإمدادات, وتوالت الهدايا خلال الأسبوع الأخير.
في احدى زوايا شقتة بيته وقف والد محسن في الجهة المقابلة وشرع ينظر الى الصندوق الخشبي المهترىء , الذي يشكل مستودع العائلة , وقد اصبح طافحا , مملوءا بأشكال وحاجيات وعقاقير من مختلف الأحجام والألوان , لعب, بقايا أجساد مطاطية , هياكل مظلات , حاسبات الكترونية ..دون أزرار,.. هواتف لعب , ..
وكما لو أن مشكلة ما ستقع, رن هاتف الجهاز رنينا متلاحقا.. دونما توقف , عاود الرنين مرات ومرات, كانت إحداه كافية أن توقظ محسن من غفوته , تلوى في مكانه, وما لبث أن تحسس في ذهول جيبه المنتفخ, حاول الوقوف ,لكن وهو يمشي في طريقه نحو هدف يجهله, هوى أرضا ..أحس بدوخة لم يعرف مصدرها . تحسس رأسه ,مرر كفيه على منطقة متورمة, لم يستشعر شيئا مما حدث , لقد ألف التمرد ,حتى أن جسمه غدا طافحا بالخدوش ,جراء العراك الدامي , والتدافع العنيف أثناء ولوجه فضاء بالمدرسة أو خارجها. تحسس الهاتف المحمول الذي لم يكن ينتظر أن يوفره بهذه السهولة. قلبه بين يديه المرتعشتين ، وضغط على أزراره، دفعة واحدة , في هذه اللحظة , سمع اصواتا آتية من بعيد..
" الشفارا في السطح ...".
أوليدي.محسن ..راك هنا.... أنت محسن .. مالك.. اشكاين..".
ارتاح محسن للصوت بداية الأمر , ثم ما لبث أن واصل التحديق في الجهاز . دسه في جيبه , هكذا سيفعل حتى وهو في طريقه .. نحو....الشارع..وربما المدرسة .
أوليدي ..محسن..الله يرضي عليك..
"اذهب الى المدرسة...راك معطل كيف العادة..
ولما شعرت الأم أن محسن لم يعر اهتماما ملحوظا لكلامها.. صاحت بغضب :
--إن شاء الله تأخذك مصيبة ..
كان يهرول في مشيته..وكأنه يسابق الوقت .لا يعرف وجهته .و في لحظة , أخذ يتحسس من جديد نعومة الجهاز..و فيما إذا كان سيسمع منه صوتا يناديه, ويرد عليه .أحس بالجهاز يرتعد في جيبه..ثم تلا ذلك رنين حاد..أدرك أن أحدا يناديه..أخرج الجهاز من جيبه.ضغط كما اتفق .وضع سماعته بأذنه ..شعور بالرهبة يملأه..سيسمع الآن صوتا يهاتفه..سيرد عليه مثلما يفعل غيره من أصحاب الهواتف المحمولة..
- آلو؟
قالها بصوت فضولي مرتعش.. من الطرف الآخر سمع الرد..فوجئ بالصوت..امتقع لونه..كان المتكلم هو مدير المدرسة
"أوليدي محسن .. أستاذك ينتظرك ..تعال...لقد تأخرت عن المدرسة...بعد دقائق ستغلق الحارسة الباب المؤسسة.
صاح محسنا فرحا:
أمي انه هو...انه يحدثني...انه مديرنا...
عزيز باكوش3