تائه وسط الظلام (2)
في ذاك الكهف المفزع أبقى , أتذكر بعض ظلام الزنزانة والمنفى , وأداعب آلام الصخر المزروع بكهفي , هل سأنام اليوم على هذي الأرض السكرى , وجراحات القرية لا زالت تنكث كل خيوط فؤآدي .
أجلس قرب المدخل أبحث عن نفسي , أتكلم بين الفينة والأخرى , ومن الداخل تصدر موجات ثكلى تحرقني, صوتي المرتد من الجدران يصارعني , الكل يصارعني , وأنا لا زلت أعانق أحزان الدمعة منذ ولادتها .., أشرب من كأس الحيرة خمرا يدفؤني , وأعود لتك الأصوات أحللها , صوتي .., أم تلك الغربة أم وجع الدفتر ينعاني .
في جوفي يبتسم الجوع ويعلن أني قد بت قريبا من قبري , والظلمة سوف تكون بديلا عن ناصع أكفاني .
أتذكر شيئا يوقظني , أتذكر أشياء تجمع أشلائي , أخرج من كهفي , أبحث عن حطب قرب التلة يسعفني ,
أجمع أغصانا وأعود , أوقد نارا وسط الظلمة في كهفي وأتمتم ثم أتمتم .
من قال بأن البرد سيقتلنا ؟ , من قال بأن الظلمة لن تذهب عنا ؟ من علمنا أن نركع لسياط الجلاد ؟. يا ويح قصيدي , من يزرع في هذة الأمة نبتة أفيون ويحطم كل الأمجاد .
ها قد غادر وحشان اليوم , الظلمة ينعاها ضوء النار ويبكيها , والبرد القارس غادر مكسور الخاطر بعد خيانة أغصان صبأت عن ملتها .
ينتعش فؤآدي , ويطير النوم القادم من تلك القرية مذعورا , لن أغمض عيني الليلة قط , فالجمر هنا أول شيء أهواه , والضوء المنبعث من البدر التائه بين الغيمات , أعشقه .., ضوءان اجتمعا سبحان الله , في عالم هذي الظلمة والبغضاء .
انتصف الليل هنا وأنا أنظر نحو النجمات , كم كنت غبيا في الماضي , لم أفهم لغة النجمة أبدا , لم أدرك أن المعنى مدفون بين الكلمات , ما أجمل أن أصنع من هذا الصمت نشيدا , وقصيدا تحمله كل النسمات .
أتراني أهذي , أم أن الواقع أرغمني أن أتكلم أن أنثر بعض البسمات , لا أدري , محزون قلمي , وكتابي أحمله تملؤه الآهات , عذار يا نجمة ما المغزى من ضوئك هذا ., ما المعزى من تلك العبرات .
سبحان الخالق يا هذا .., قالت , هل أسهرك الليلة ضوئي , عذرا , فأنا لم أدرك أنك تسكن كهفا خارج قريتهم ,
لم أدرك أن التلة غادرها الليل البائس وانتعشت فيها الوردات , صدقني يا هذا , كم عانيت طويلا من قريتهم .
لكني أبصرتك يوما تمشي في تلك الطرقات ..,
من أنت عزيزي , ما معنى تلك الدمعة تدفنها في جوفك ملتاعا , والدفتر ما قصته ما قصة تلك الصفحات , أخبرني فأنا عطشى , أشتاق لألغاز ترويني , لمعاجم لغة مجهولة .., لترانيم تجعلني أفهم صوتك حين تناديني,
يكفي يا نجمة يكفي., أتكلم مذعورا , فأنا أحرقت قصيدي ولعنت سطوري , أقسمت بأني لن أكتب يوما بيراع موشوم برذيلة , الحرف يباع بعالمنا يا ويلي , وضمائرنا تغدو لللأنجاس وليمة , عبثا نكتب بدماء صغار سلبت رقتهم , عبثا نصرخ يا هذي عبثا , ونداءات الأصوات تعرت من مبدئها , عبثا نحيا أمواتا , وطقوس الموت تؤنبنا , قبر يستر صاحبه , وقبور أخرى يستر سوأتها أصحاب السطوة والسلطان .
لا تسلي يا مسكينة ما القصة حسبك أن تسلي كأسا يعرف صاحبه .., قد أحصى ذرات الخمر وعانقها , لا تسلي فاتنتي غير نهود تتعرى كي تطمس فكرا وحقيقة .., فهناك ينادى في الأسواق عيانا , القبلة مسموحة , وعلى أطراف طريق إفعل ما ترغب , أو حتى وسط الشارع لا تأبه , أنت تعيش بأرض تحترم حقوق الإنسان , فلماذا لا تصبح إنسان ؟
إنسان أم حيوان أم عهر أم ماذا ؟ سبحان الله .., والأعجب ما يفعل ذاك الأخرق حين ينادي زوجته ., أتريدن عباءة ؟ كي يصبح شكلك كغراب منبوذ , هيا عودي وتعري كي يظهر رونقك الفتان , فالركبة لا يمكن أن تستر أبدا في منطق هذا الفستان .
يتبــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــع