كسرة خبز
أصوات نعرفها : مجموعة قصصية
غاصت عيناي في عينية ، توحدت ملامحنا بين تفاوت المارة ، امتد بيننا خيط من ضوء مظلم، حدق في كأنني أول إنسان ينظر إليه في حياته، تجولت بنواظري بين ثيابه الممزق و القسمات المنتشرة على وجهه، كأن ُخط عليه خطاباً من لغة رمزية، ووقع تحته الزمن بتوقيعه السريالي الذي يوقعه على وجة كل إنسان منا تدريجيا دون أن يدري ، أخذت أحاول قراءة الصفحات التي تحويها نظرات الدهشة المخضبه بالخوف التي يرمقني بها، فلم أعثر على أية لغة بين طيات عقلي تدلني على فك رموز تلك الصفحات. الرجل كان ينظر إلى مشدوهاً كأنه أراد أن يعلن للعالم أن هناك إنسان شعر بوجوده وأنه ليس مجرد حجراً ملقاه يتعثر به كل مار يمشي بهذا الطريق . كانت نظراته نحوي متقلبة ما بين نظرات الإباء والرفض فبها يخبرني رفضه لأي نظرة تنم عن شفقة أو عطف ، أو أنه يعلمني استغنائة عن العالم الإنساني الذي لم يعترف بكونه إنسانا له وجود على الخريطة الإنسانية . كانت نظراته محيرة شتت تفكيرى في أنحاء متعددة ، حاولت الإقتراب من مملكته بخطى متثاقلة ،فأخذ يلملم بقايا ثوبه المتهدلة استعداداً لمواجهتي كشخصِ ينتمي إلي العالم الأخر الذي لم يعبأ به، ولم يعترف به كإنسان له حقوق مزعومة كفلها له المجتمع. عندما وصلت إليه لمحت في عينيه وميضاً غريباً وأصبحت عيناه كبئرين عميقتين تحويا داخلهما كل صروف الدهر وكل آلام السنين الماضية ، جلست أمامه ،أمددت يدي في جيبي مخرجاً بعضاً مما جادت به نفسي من نقود ، لكننى شعرت أن البئرين فاضا بكل الغضب المتحشرج داخل هذا الرجل مع نهره يدي التي تحمل إليه النقود ، ثم أمدد لي يده كاشفاً عن كسرة خبز بين أصابعه المتجعدة.
القاهرة : 8/3/1999
محمد سامي البوهي