الناي الأخرس
قالوا أنيّ الهاربُ الأبديّ إلى الـ "لانهاية": ولم يعرفوا أن أوطاني هي التي علمتني الهزيمة، وأن أمي أرضَعتْني التمارضَ في كلّ انكسار...فقد قالت:
كُنْ ذريعةً لانسحاباتِنا، متعالياً فوق السحاب شموخا، فلن ينالك مرضٌ حقيقيّ... وستُصبح المخلص الخارق لمن تعلق بدمعِك من فاتناتِنا.
لم أُدرك أنّ في غيابِ الفرشاة تكون كلّ الألوان سواء، كأسنان المشط. وما كنتُ أُدرك أن الضوءَ والناسَ هُم من يُعطي لوحات الهزيمة بهاءها!
ثم ما هذا الحرمان الذي عمّ قلوبَنا والمكان؟! وآهِ من الأسى كيف صار لنا عنوانا ً !
من علّمَنا، ومن امتلكَنا، ومن اجتاحنا، ومن حجبنا؟! ومن فجع حضورنا بألحاننا وهو الغائب الذي لم يكن والله يهددنا !وتعطلتِ عن سماعِ المطر، وهو يعزفُ بمهارةِ المتألقين سيمفونية المكابدة ، والمطر أناشيد... أعزفها ولاأعرفها
فقط أعيريني مسمعَكِ لأغسلَ وجهَكِ بالمطر!
أيها الناي؛ في بلادي يُصرعُ التيهُ بصمتٍ ... أريدكَ أيها الصامد، فلا تتوقف بأنينكَ الذي ضجّت له الصالات بالتصفيق لانتحارنا!!!
ما بالكَ غادرت كأي عملاق ترك دفاتر تاريخنا باكيا ً شخيرنا ...!
ما عُدتُ أُطيقُ مطاردتَك أيها الناي ، ولا مأوى يجمعنا... بل أين أبيت بهذا الجسد المُتعب، مُبعثر الألحان، وأنا خائفٌ أن أكونَ نشازا، فأخونُ آذانَكُم
أيها الناي! فهل أقفز من هذا القطار الممل لأصل إليكَ؟! أم أغادر فنادقَ زيفِنا، والناسُ من حولنا حروفٌ لم أعثر لها على كتابٍ لأدفنه في مدن أخرسَها العبور!
أيها الناي .. أين أنت الآن؟ عسيرٌ ذلك المسير إلى بيتكَ لتؤويني، فكل من حولي يطردني وأنا مستوطن في مهزلةِ انتماءاتهِم، والذاكرة معتقلٌ كبيرٌ للكآبة.
أيها الناي ..لمَ لا تزالُ حزينا ً ؟!
ألم ترَ أناّ أسقطنا هذه ( ألأباتشي) التي أفزعت كل أمنياتنا! على سطوح منازلنا، ونحن من أخرَسَ مراوحَها فسكن الليل!
أيها الناي؛
تعال أُريكَ رُكامَ الأشياء، حيث لم تُكتب النجاة إلا لسيدنا، وعشقنا ... الحرف!
والقراء هرولوا لبيت العزاء، عاش كتابُنا ... شاهدا على حزننِا ... عاش الذي ينطقُ بالحقّ ولاءنا... عاش!!!