ربطته بها صداقة جميلة .. كان حقا أخا وصديقا قريبا إلى قلبها ، أحبت فيه الإنسان ذا الخلق الرفيع ، الإنسان الشريف الذي بحثت عنه طويلا ولم تجده إلا في شخصه ، له روح نقية ، ونفس طيبة ، وحنان لا متناه .
التقيا بطريقة عصرية ، تعارفا عن طريق الرسائل البريدية ، وشاء القدر أن يلتقيا حيث كانت في زيارة سياحية لبلده التي يقطنها ، وذلك بعد تعارفهما بفترة قصيرة .
توطدت صداقتهما ، وصار كل منهما صنوا للآخر ، تسمع له ، يتناقشا في أمور شتى ، يخبرها عن عمله ، يبثها همومه وشجونه ، حتى بات كل منهما يعرف تقريبا كل شيء عن الآخر.
كان متزوجا ، وله من الأبناء ابنتان وولد واحد ، ابنه متزوج ، الإبنة الكبرى عقدت قرانها خلال الفترة التي توطدت بها صداقتهما ، والإبنة الثانية على مقاعد الدراسة، وهو منفصل عن زوجته بسبب خلافات لم تحاول أن تسأله عنها .. فهي احترمت خصوصيات بيته جدا ، ولا تحب الخوض في أمور لا تعنيها ، وكانت تستمع لما يقول بهذا الشأن دون نقاش فيه اللهم إلا إذا كان لديها كلمة خير لرأب الصدع بينه وبين زوجته . لم يخطر بخلدها لحظة أن تتحول صداقتهما وأخوتهما إلى نوع آخر من الحب ، فلم تكن تسعى لأية علاقة عاطفية مع أي كان، إلا أنها فوجئت به يوما وهو في انفعال شديد يعترف لها بحبه ويطلب منها التفكير بموضوع الإرتباط به كزوجة .
فوجئت وهالها وقع ما سمعت ، حاولت إقناعه بأنها مجرد أحاسيس من الطبيعي أحيانا أن تمربا لانسان خاصة في لحظات الوحدة والإحتياج العاطفي ، وأن هذا الإحساس سيزول
حتما ، أولعل القصائد التي كانت ترسلها له ليعطيي رأيه فيها قد أثرت عليه ، طلبت منه التروي , وعدم التسرع حتى يتيقن من صدق مشاعره وقراره ، عله يستفيق أو يعيد النظر فيما
سألها , كان يقول لها انت انسانة رائعة , كانت تردد ببساطة لست سوى انسانة عادية .
كان لهما نقاش ودراسة لهذا الموضوع الذي ما أرادته لعدة أسباب ، أولها أنه بإمكانه إعادة المياه إلى مجاريها مع زوجته ، وترميم ما تصدع في بناء هذه الأسرة ، ولحدسها الصادق في حبه لزوجته , إلا أن الجرح من الزوجة كان أقوى من أن يتنازل عن كبريائه أمامها , حيث حاول أكثر من مرة وبدافع من الصديقة أن يصلح الأمر ويعود لمنزل العائلة ، إلا أن زوجته كانت تصر على شروط تمس به , كرجل وتمس كبرياءه ، فيرجع لها بالفشل في تحقيق الأمر .
أحبت هذا الصديق ، أحبته جدا ، لدرجة أنها مستعدة بالتضحية في أي شيء لإسعاده ، فما رأت منه إلا كل خير وصدق وأمانة ، لم تتخلى عنه لأجل طلبه هذا ، ولكنها كانت تصر عليه أن يحاول رأب الصدع , لأن بيته وأولاده أولي به منها ، وأن لا يتخلى عن حقه في أسرة أمضى سنوات عمره حتى يبنيها بكد وتعب وسهر وجهاد ، وأخبرته بأنها لا تريد أن يأتي يوم يحس فيه الندم ، ويحس فيه الخسارة ، وحينها سيكون فشلهما هي وهو ، ودمار لكليهما .
وقد نجحت محاولاتها أخيرا في أن يعود لبيته ويعيد المياه إلى مجاريها بحثّة على المحاولة مرة تلو الأخرى ، وإقناعه ببعض التنازلات التي يمكن أن يتنازلها من أجل بيته وأولاده .
وعاد صديقها إلى أسرته ، وهي تزف له التهاني ، ولم تكن تدري حينها أن هذه هي نهاية صداقتهما ، وأنها ستفقد أغلى إنسان في حياتها " صديقها الذي أجتله وأحبته " .
لقد أطلقت سراحه من قلبها لأجل أن يكون سعيدا ، وأن لاتكون عائقا في مسيرة حياته ، رغم أنه صديقها الوحيد ، فلم يكن لها أحد غيره ، وحبها الأخوي له كان كبيرا ،
وبفراقه لها شعرت كأن جزءا منها قد فارقها . تتذكر كلماته " أنت إنسانة رائعة " ترددها , وتعود لنفسها ,وكعادتها تقول أنا إنسانة عادية , ومن حيث لا تدري تسمع نفسها تضيف .. إنسانة عادية ووحيدة .
ذرفت الدمع لفراقه ، ولكنها سعيدة لأجله ، سعيدة أنه استرجع حياته الأسرية ، وعادت البسمة تشرق على محياه ،وعادت الأسرة إلى وضعها الطبيعي بعد سنوات عانت فيها التشتت .
باتت وحيدة ليس لها إلا ذكريات ، وطفقت تناجيه من قلب صادق :
يا صديقي ..
لم أبك حين ودعتني ..
لم أبك حين فارقتني ..
ولكني يا صديقي بكيت ..
حين انقطعت عني ..
يا صديقي ..
لو تسلق الحزن أسوار قلبي .. من لي ؟؟
يا صديقي .. لو نزف دمعي ألما من لي ؟؟
ترى .. هل تحتفظ لي ببقعة دافئة في حناياك ..
لو ضاقت هذه الدنيا .. أو اشتدت وتآلبت علي النوائب ؟؟
آه يا صديقا كان يوما .. هلاّ في سعادتك تذكرتني ..