جدائل البوح
سها جلال جودت
في ليل حزين والدموع تقهقه على الخدين بسخاء غزير، شيءٌ ما، شيءٌ أقوى من كل أحاسيسي ومشاعري التي جاشت في مخاطبة الروح والوجدان ونبع جوانية الفؤاد جعلني أفرُّ من النوم وأنهض.
جلست على السجادة قرب المدفأة بعد أن وضعت أمامي ورقة بيضاء، كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وكان لابد من فعل شيء، أي شيء!!
هل أرسم؟ أم أكتب؟
كانت الكتابة هي أقرب الينابيع إلى نبض يضرب أوتار شرايينه بشدة، يا له من سؤال سخيف مَرَّ عبر ذاكرتي المرهقة، ماذا ستكتبين؟
هل استراحت كل الأشياء في داخلك الذي يزبد مثل البركان، هل هدأ غليان الرأس وانخفضت حرارة التفكير، يا له من سؤال لن يكون الرد عليه عاجزاً عن فضح الكوامن الخبيئة خلف زجاج شفاف لا يخفي سراً!!
هيا... أيتها الأحبار غطي وجع النفس وركبي حروف الحياة لولادة مستقرة جديدة، ولادة لا تخرج من قميص رحم مغطس بالدماء اللزجة، ولادة يرسمها قلمك الذي بين أصابعك، ينتظر أن ينثر رحيق مداده على سطور مستقيمة، تصنعين من خلالها عوالمك التي تنشدين، شخوصك الذين لا يخطئون، لا، بل الذين يخطئون، ينكدون على الآخرين سبل عيشهم، نكشف المستور من الكريه والرديء، في لحظة لا أعرف كيف كانت ولا كيف أتت، تعاظمت في داخلي ابتهالات شرقية وندت صرخاتي الدفينة عن انشقاق فجر الكلمات فاندفع القلم يمده الحبر الأزرق بمؤونة لا تنتهي!
احصدْ موسم الآهات ورتبها، وأنتِ أيتها الذاكرة الحزينة فكي رباط الرأس وحلقي، بفرح مخنوق كتبت أول كلمة، الله، من وراءها توالت الكلمات، الحب، الحياة، لمن تكون؟ ولماذا كانت التفاحة حمراء؟ لماذا لم تكن ببياض الثلج، بلون السحاب، الحمراء تعني الحب والدم، والصفراء تعني الغيرة والموت، تفاحة قابيل هي التي استعارها أمثالك لتتوالى الاستعارات منها ما يُصيب ومنها ما يخيبُ، وقد خيبتُ ظنك حين مسحت من جدول الذاكرة حروفك المغشوشة على غصن كان يمتشق هواء الحياة ويستمد نسغه كي يحيا ويعيش من كتاب الوفاء.
وسألت نفسي: كيف أتصرف بهذه الكلمات؟ ماذا أقول عن قلب هجره الفرح والضحك والنبات المبلل في أعماقه؟ فجأة انهمر رذاذ الحروف ليشكل بعد لحظات مطراً طاهراً يروي صفحة البياض، فهل عرفت أيها ال (آدم) ماذا كتبت؟ ليصحو قلبك النائم على الهجران والغطرسة والغرور، لم تكن رجلاً يشق عتمة الظلام بوريد أبجديته البيضاء، كنت واحداً من هؤلاء الذين يلصقون حروف رسوماتهم بريشة فنان متحذلق بالسيطرة، يضع ضحيته داخل دائرة الانتظار ويدير ظهره إلى أخرى، إلى وجه ربما كان يشبه بعض ملامحي، بعض ضعفي، بعض ثقتي، بعض حاجتي إلى تفجر كوامني الغارقة في البحث عن ضلع لا تتمطى فيه عرائش الكلمات المصبوغة بلون الحب، جدائل بوحي خرجت من روحي، من تمزق الظلال العتيقة، من تعرج مسارات الحياة، لتكتب لك ولكل الناس أنني مازلت الباحثة عمن يمتلك في داخله الرحيق النقي لوريد الأبجدية البيضاء.
29/12/2005
الساعة الحادية عشر