أعتذر اليك ..
أعتذر إليك يا وطني الجريح ، أعتذر إليك على اغترابي عنك ، وبعدي عنك ، وأني ما عشت في أزقتك وحواريك وشوارع مدنك ، لم أسهر الليل أناجي قمرك ، ولم أغازل نجمات سمائك ، ولا زرعت شجرة في أرضك .
أه يا وطني .. ما أقسى غربتي ، ما أقسى أن أكون طريدا خلف أسوارك ، أقف ببابك ،، ولا أستطيع الوصول لأحضانك ، قيدتني الحدود وتصاريح الدخول وجوازات المرور .
غريب مطارد أنا ، لفظتني كل الأوطان ، لاحقوني في كل منفى ، باللاجىء لقبوني ، قتلوني ، شردوني ، سجنوني حين حلمت أني أتنفس نسائمك ، وأقبل ترابك ، حين حلمت بأمطار سمائك ، بزهرة برية تفتحت على رباك ، حين تحدثت عنك وعن أمنياتي بلقائك .
آه يا وطني الممزق ، يا دمي المهدور ، كم أشتاق لأن تضم أرضك رفاتي ، وأن ترفرف روحي في فضائك ، لكنهم زرعو دربي إليك بالألغام ، والأسلاك الشائكة ، والحدود الزائفة ، وحراس على كل الحدود لمصادرة أفكاري ، سألوني عنك ، وعن صورة لك حملتها في قلبي ، عن حب أخفيته في حنايا أضلعي ، عن انتمائي إليك .
يا وطني الذي ولدت في منأى عنه ، من حمل خارج رحم الوطن ، في غربة اغتالت مني الطفولة ، وسلبتني فرحة الأعياد ، حكمت علي بالإقامة الجبرية ، ألصقت بي كل التهم الهمجية ، لأنني هتفت باسمك علانية ، وغنيت لك أغنياتي .
يا وطن الزيتون والرمان ، يا بيارات البرتقال والليمون، وأشجار اللوز والتين ، يا روابي القمح ، ويا شاطىء الأماني ، ويا حلمي الآتي رغم المستحيل .
أيها الوطن الساكن في وجداني ، كيف السبيل للوصول إليك ، كيف السبيل لتحريرك وقد باعوك وباعوني ، سكنك الأغراب ونفوني ، دنسو طهرك ، اشاحو النظر عن ألمك وخذلوك ، ألا يا سماء أرعدي غضبا ، أبرقي شررا ، وابكي .. لتغسل دموعك دم الأطهار كي لا تدنسها أقدام البغاء ، وضمي يا أرض أبنائك الشهداء ، بلهفة الشوق لمن ضحو بحياتاتهم لأجلك .