منذ البدء
استيقظت هذا الصباح،من نوم عميق ، كانت ليلتي بالأمس ذكرى خالدة مرت عبر مخيلتي بكل ما فيها من سعادة وهناء لتتحول الى حزن حقيقي يلتف حول شال من مزاجيتي المعهودة، فوجدت نفسي متجهة نحو مملكتي الصغيرة التي احب، نحو مكتبي العبق برائحة الذكريات أقلب بين طيات الأوراق القديمة، ....أشم رائحة أوراقي المبعثرة كم من الثواني والساعات والأيام والشهور أهي سنة أم سنين؟ لم أرى أوراقي الحبيبات ، آه يا ورقي لك رائحة تجعلني أبوح بأسراري الداخلية رائحتك هي عطري الذي كنت أتعطر به عندما كنت اكتب له.
كتابتي له كانت بمثابة سفر طويل ورحلة أبدد فيها أيامي الحزينة فمنذ زمن وأنا اشتاق للكتابة، ،واتساءل في نفسي ألم يشتاق لكلماتي؟، ألم يعد يهتم بحروفي؟؟.... كان دائما يشعر بكلماتي المبللة بعطر السوسن،ولكنني استيقظت مرة أخرى ليس من حلمي ،بل من ذكرى قديمة باتت منقوشة في عقلي ومزخرفة بحروف الياسمين في قلبي.
انظر إلى وعاء البوح كم هو جميل فوعاء بوحي كان هديتك لي، نعم تلك المحبرة الفضية المنقوش عليها اسمي واسمك الغالي ،فلم تكن تحلو كتاباتي إلا عندما يبحر قلمي مع الحبر الدفين ليعانق كتاباتي وحروفي .
فمنذ البدء وأنا أبوح بوح الأنثى ولكن عندما تيقنت بأنني مثل وردة حمراء صغيرة تزهو وتنبت يوما بعد يوم، أدركت بأن علي أن أبوح بخفايا الامور، تركت أوراقي ومحبرتي وعدت أجلس على أريكة الذكريات، حتى أريكتي تشهد على ما كنت اكتبه لك وعلى تنهدات المساء وعبرات الأيام والليالي الكالحة الحزينه، لقد كانت تحتويني وفي داخلها أمانة الأسرار.
أتذكرك في الصحو والمنام فمنذ البدء وأنا على علم بلقائنا وعلى موعد بنهاية عتاب ،كنت أراك بين سطور القصص وحروف الكلام، والأن لم أعد أراك حتى في الأجفان لأنك أصبحت بعيدا عن الإحداق.
منذ البدء وقصتي هذه لها موعد وألف ميعاد،كنا نقرأ بين السطور .......أتذكر صوتك الشجي ونبراتك الدافئة.... وهمساتك الرقيقة ......كنا نقرا مليا مليا، الآن عرفت بأن حلمي لم يكن ذات يوم من أحلام اليقظة ،ربما هذه الأحلام تتحقق ولكن أحلامنا السرية تبقى نبضا دائما في الخفاء مختبئة في الظلمة وراء القمر تنتظر مسكنا لها، فان لم تجد مسكنا سقطت على الأرض، وتلاشت هنا وهناك وتبعثرت في كل مكان.
تركت غرفتي ،لأنها تذكرني بك بت أهرب من كل مكان ،اشعر أن ذكراك تلاحقني، مشيت دربا طويلا وقطعت أميالا بعيدة لأنسى أنك ورائي، ولأتناسى أنك بداخلي.
بدأت أمشي على خطاك فحواسي تتبع بصماتك القوية وإن لم تسلك هذا الدرب منذ الأزمان، فأنا أبحث عن أي دليل يقودني إلى حلمي الجميل ،علني أحافظ على بعض قطعه الصغيرة المتناثرة وسط ركام رمل البحر وأسرار الشطآن.
جلست أرسمك على الرمال ، أنقش ملامحك على أرض الحياة ولكن للأسف تبدد حلمي من جديد بموجة قوية بددت ما لي من آمال أترى حتى الموج يهزمني.....يخاصمني وكأنه يقول لي حبك محال.
جمعت أفكاري وما بقي لي في هذا العالم الصغير، وتذكرت بأنني إنسانة وانك إنسان، وأننا خلقنا ووهبنا الله نعمة النسيان، ولكن كانت هذه النعمة تعاندني وتحول بيني وبين الذكرى، لا أستطيع نسيانك فهل من الممكن أن أتناسى حب جامح كالطوفان؟!.فلكل منا طريق حتى وان كان مغلق فعلينا العيش في هذه الحياة.
آخذتني القوة مرة أخرى وسكنت بداخلي روح البوح من جديد وتنفست بعمق ، وبدأت أتمتم.... كم هي مريرة تلك الأيام تجعلنا نقسو على ما نحب ونحن نحب الذين نقسو عليهم.. المعادلة صعبة أم هكذا هي معادلة الحياة الحقيقة!! أتذكر حينما قلت لك: اعطني القليل من قسوتك علني أصبح قاسية بعض الشيء علني أتعلم مكابرة الأمور، ولا أنساق وراء العقل نعم عقلي وليس قلبي فالعقل هو الذي يعطي إشارة الحب للقلب، وإلا لما كنا من بني البشر، فنحن ذوات العقول والقلوب الحنونة المتحجرة مرارا ومرارا .
أتأمل وأنا امشي على البحر الرملي الذهبي المطرز بالأصداف ، وفي هذه الاثناء نثرت حلمي، وتركته يسكن الواقع ويبدد عالم الخيال، بدأت أتأمل جمال البحر فمنذ البدء وأنا اشعر بأن الحياة مليئة بالتناقضات الجميلة والحزينة مثل زهر البنفسج والأقحوان.
منذ البدء
كيف لا وأنا أرى الأصداف بين تناقضين جميلين هما اليابس والماء انحنيت وسقطت معي أوراق الزمن المتعب، لأمسك بصدفة وأضعها على أذني، لأستمع إلى همسات البحر الخفية المليئة بهمس الإشتياق والشجون.
صوت الموج يهمس في أذني …ويقول لي ارقصي على موجاتي رقصة المنتصرة دائما ولكني حزينة ….
لو أنك تعرف مدى حزني ,أسمع صوت الناي الحزين يرافقني في رحلاتي الخيالية أمشي ومعي همساتك التي تطربني دائما حتى ولو بالهمس ..صمتك يمثل أغنية جميلة لايفهمها ،إلا من يعرف معنى الصمت الحزين الذي يخرج من القلب الى القلب .المس الارض كم هي ناعمة , ,حنونة وحزينة,تشبهني هذه الارض في مزاجيتها، وما العجب في ذلك فأنا أحمل صفاتها الوراثية والعرقية، فالارض هي ملامحي التي انتمي اليها.
أتأمل رسومات خطت على الرمل حبيبات وحبيبات تحكي لي عن مشوار رحلتها ... عن ما شاهدته منذ أن خلق الحب بينها وبين البحر.
أعاتب الزمن الذي أخذني بعيدا ولم أرى مثل هذه الخطوط . . . خطوط الحياة مرسومة بدقة لمن يعرف معنى الرسم الحقيقي .
إن الحزن شيء ما يجعلنا نفكرونبحر معه ، فهو ليس حالة عرضية تأتى وتذهب بميعاد بل هو يأتي من غير إستئذان، الحزن بالنسبة لي هو الفرح الشجن المنصهر بعذابات الفرح فالإنسان وهو في قمة سعادته وعندما يختلي بنفسه تمر عليه لحظة حزن وذلك لأنه لا يريد أن تمر ساعات السعادة بسرعة ، ذلك لأن الحياة مزيج من الفرح والحزن، و الحزن هو ما يضيف نكهة لذيذة على كل ما هو جميل ،ولا اقصد التشاؤم بل اقصد الحزن المصحوب بنفحات الشجن الدافئ الحنون
منذ البدء ونحن لم نعرف ما هو الحزن الحقيقي ،عندما تبكي الوردة في الصباح على يوم ذهب ويوم سيأتي لاتعرف ماذا يحمل لها؟ ،او عندما تغرد العصافير في الصباح تنادي على البشر تعالوا الى حياة لعلها تكون أجمل من حياة الامس والذكرى.
أذكرك بأنني في يوما ما سأذهب إلى عالم يبعد عن عالمنا الذي نعيش فيه لعالم يوجد فيه كل أشيائي الحبيبة وقطرات المطر أمزجها بعطر النسيان فهذا يوما جديدا وروحا جميلة.
بقلم / الأنثّى