أخي الحبيب لا أخفيك بأنني أعجبت بالقصيدة وربما هذا يدفعنا أن نوضح لك أموراً ناصحين بحب رغم اللقاء الأول فأرجو أن لا يستوحش صدرك منا. وقبل هذا دعني أول لك بأنني أنا من نسق القصيدة كنوع من التقدير لها وإلباسها حلة تزيدها جمالاً كما اعتدنا أن نفعل في الواحة التي تعشق جمال الشكل والجوهر.
إني لأرجو بِهَـذا الليـلِ أن يتبق
قـى وأن يـودمَ بِـلَا وقـت ولا زمـنِ
العجز هنا مكسور جداً كما ترى.
ثم دعني أوضح لك أمراً فهمته من سياق رد لك سابق. الزحاف ليس القاعدة في علم العروض بل هو استثناء لا يلجأ إليه إلا في ضرورة وعسر في الحفاظ على ذات المعنى بغير هذا وعليه فإن فهمك أن تخبن مستفعلن بهذه الكثرة وبلا سبب مقتع قد يكون فيه تجن على الحقيقة أو إضرار بمفهوم الزحاف كاستثناء لضرورة وكلما تمكن الشاعر من الاستغناء عنه كلما صنف في مقام أعلى أما من يعتمد الزحاف كأساس مبرراً وروده عند الخليل فهذا كمن لا يطبق القانون بل يلعب على ثغراته. أرجو أن أكون وفقت في نصحك بأن تلنزم القاعدة ولا تستمع لمن يسيغ للشاعر حرية استعمال الزحاف أو الإكثار منه. ولعلني اضرب لك مثلاً واحداً من زحافات الخبن التي أتيت بها بكثرة أفقدت القصيدة انسيابية وموسيقى وتراكيب ولنأخذ أخر عجز في القصيدة مثلاً:
أنت قلت "وإن بصمت العشيـق ابْلَـغُ الكَلِـمِ" قارنها مع هذا التعديل البسيط "وإنْ بصمتِ عشيـقٍ أبْلَـغُ الكَلِـمِ" .... هل لاحظت الفرق في الموسيقى والانسيابية؟؟
خلاصة القول أن خبن مستفعلن الأولى في البسيط هو ما درج عليه الجمهور أنا خبن الثانية فقبيح جداً ويفضل تجنبه بشدة. ولعلك لو راجعت أبياتك التي خبنت مستفعلن الثانية لوجدتها ثقيلة وغير سائغة كغيرها من الأبيات.
ثم أمر آخر أثار تساؤلي عن خلطك بين روي الميم والنون وهذا لا يقبل في الشعر العربي عادة وهو وإن استعمله بعض المحدثين فقد استعملوه بشكل منظم لا عشوائي وقسموا القصيدة إلى مقطوعات تحمل ذات الفكرة وذات الحس الشعوري وذات الجرس وغيروا الروي التزاماً في كل مقطوعة. أنت لم تفعل هذا وكنت أتمنى عليك التزام أحد الرويين وأجدك أبدعت في الميم أكثر من النون ولذا اخترت أن أرد عليك بها.
هل أثقل عليك لو نبهتك إلى ضعف في بعض المعاني ووهن في السبك وأخطاء نحوية ومطبعية؟ أرجو أن تحتملني.
هناك كلمات لا أرى لها معنى مفيداً في الأبيات فمثلاً لا حصراً:
فأَنْتِ مأوَى خِيَـار النـاسِ قاطِبَـةً **** وَفِيك يَغدو طريد الناسِ فِـي أَجَـمِ
ياشامُ وصفي بوهن القـول مرتهن ****لا يرتقي من بسُكْنى القـاعِ لِلأجَمِ
"أجم" الأولى جميلة المعنى موفقة التركيب أما الثانية فلا أجدها كذلك وكان أجمل لو "للنجم" أو "للقمم"
حمراءُ وَالشمسُ مِن ألوان صُفرتهـا **** خَضْراءُ والثلج فـي بياضهـا يَهُـنِ
"يهن" هنا لا مبرر لجزمها دون أداة وعليه فالصواب أن تكون "يهون" ... ثم ما المقصود بها هنا؟؟ ما المعنى الذي تفيده؟؟
يَاشـامُ سيدتـي والعشـق iيَقتلُنـي ****والشوقُ مِنْ زَمَن لم يفـد يحرقنِـي
"لم يفد"؟؟؟؟ ماذا تقصد بها هنا؟؟ هي لا شك سليمة عروضياً ولكن أليس أجمل وأصوب لو قلت "يَاشـامُ سيدتـي والعشـق يَقتلُنـي **** والشوقُ مِنْ زَمَن ما زال يحرقنِـي"
لا أريد أن أطيل فهناك بعض ما يحتاج منك إلى تنقيح وأرحب بك في أرجاء واحتنا وأتمنى أن يطيب لك المقام هنا.
تحياتي وودي