2- دخول الطفل إلى المدرسة
وأتابع غناء حزني ومواويلي التي أصبحت جزءاً مني، كبر الطفل وآن الآوان ليدخل المدرسة، نعم دخلت المدرسة مثل طير غريد وفي جيب صدارتي خمس ريالات ، أخيراً أطلقوا سراحي من غرفة التعذيب، أخيراً سأرى وجوهاً جديدة وعالماً حراً بريئاً، وللأطفال شقاوتهم، لم أكن أدرك بعد أن فرحتي ستتحول إلى حمم من بركان ثائر تغتالني مرة أخرى، خمس ريالات وجدتها في جيب صدارتي كان والدي قد وضعها سراً في الليل كي لا أحتاج أحداً أو أنظر ليد أخرى تحمل قطعة حلوى، كان يوماً رائعاً احتفلت فيه بنفسي، ومن زاوية أخرى كان القدر يخفي لي لعنة جديدة ستنضاف إلى لعنات عذابي وتقريعي وتجريمي، عدت سعيداً نشوان، ووقفت ذاهلاً من فعلة كريهة بغيضة على قلبي وروحي، كلما تذكرت الموقف، اغرورقت عيناي بالدموع، يا له من يوم مكحل بغضبة الأب النافرة، وياله من عقاب!!
أحضروا آلة التسجيل وطلبوا مني أن أعيد ما ذكرت لهم، أنا لم أقل سوى أن أبي يحبني وقد وضع في جيب صدارتي خمس ريالات كي أسعد روحي بها، كررت الحديث من دون أن أعلم بنية الشريط وما خططوا له بسرعة غريبة، أخذوا الشريط ودخلوا به غرفة أبي وقالوا : اسمع ما يقول آدم ، أنت تفضله علينا، ابن ال..... أفضل منا.
صدقهم وهجم عليّ وراح يضربني بشدة، وللحق كان يحذرني منهم ويخشى عليّ، لكنه أمام مواجهتهم يبدو بلا حول ولا قوة، لهذا كان يضربني ليثبت لهم أنه لا يرحم من يغلط، والغلطان الوحيد في هذه الأسرة آدم الشقي، آدم ابن ال........ .
كانت الخطوات المضيئة في حياتي تنتظرني في قاعة الصف، منافسة شريفة أتقدم بها لأفوز بعلامات ترفع من شأني وتثبت وجودي، هذا كل ما كنت أفكر به حتى وصلت إلى الصف الثالث، أختي التي تكبرني كانت تخفي كتبي وتدعني أذهب إلى المدرسة بلا كتب قائلة : عندما تعود ستجدها !!
تفعل هذا نكاية بي فهي أصغر الأولاد من أبي، وتعتبر نفسها آخر العنقود الذي يجب أن يكون هو المدلل، وحين جاء من بدأ يلقى الاهتمام من وجه الأب الباش في وجهه دون وجهها، بدأت تكيد لي!!
- أين كتبك ؟ سؤال الأستاذ
- أين دفاترك؟ سؤال الأستاذ
- لم تكتب واجباتك !! هاتوا الفلكة يا أولاد
يزورني جحيم الاضطهاد ولا ينفك عن زيارتي، لمَّ أنا من بين كل أطفال الدنيا؟ هل ما عاد في وجههم ووجه القدر سوى آدم الشقي، آدم ابن ال....... !!
الله غير موجود لأنه لو كان موجوداً لحاسبهم كلهم، كيف يكون موجوداً ويتركهم بكل حرية يعبثون بي وبطفولتي وينتهكون بياض أحلامي ويسفحون دم أمالي، أيتها السماء اهبطي إلى الأرض، امتزجي بها، فكلاكما سيان، تحت أنا مضهطد ومظلوم، وفوق لا يد تمتد كي تساعدني، تساند شقائي وعذابي ولو لمرة واحدة !!!
هذه محاولة جديدة للخلاص ..
هروب من المدرسة إلى الجبل