السلام عليكم ،،
في " أثينا " قادتني خطواتي إلى طريق مؤداه لـ أحد الأحياء الشعبية ، هناك استوقفني مقهى عربي أثار في نفسي شجوناً فولجتُ إليه من فوري ، كان رواد المقهى أخلاط من الجنسيات العربية وكانت الأصوات مرتفعة والحوارات متنوعة ، طلبتُ من النادل فنجان القهوة وتأخرتُ في العودة إلى طاولتي حينما درَجتُ إلى ركن يضم بعض الصحف العربية إذ كانت تتلقفني الوجوه والنظرات والنقاشات المتعددة والتحليلات عن الواقع العربي .. حرب لبنان .. محاكمة صدام .. سلبية مجلس الأمن .. وكان هناك مواطن مصري بدين يتحدث في هاتفه المحمول وصوته هو الأكثر ارتفاعاً على الإطلاق يتكلم مع زوجته ويعبر لها عن أشواقه لها للأولاد وللحجة ، ولم يكن يكترث لشيء من هذه الحوارات الفارغة :)
عدتُ إلى طاولتي وأخذتُ في إحتساءِ فنجاني ومطالعة الجريدة والإنصراف - بين وقت وآخر - لبعض الوجوه من حولي ومراقبة ذلك المغترب المشتاق البدين واقفاً عند مدخل المقهى في توتر يتلقف إشارة إرسال شبكة الاتصال ويسحب بشفتيه المرتعشتين دخان سيجارته الملتهبة ..
بعد لحظات دخلتْ امرأة غجرية - على ما يبدو - في منتصف عقدها الرابع - تقريباً - فهش البعض لها ورحبوا بها وصاروا يستدعونها من كل مكان إلى طاولاتهم وصارت تتنقل بين الطاولات تلاحقها الضحكات والتوسلات ..
أدركتُ من تناولها لـ أكف الجالسين وتحديقها فيها أنها عرّافة ، فصرتُ أراقب تعابير وجوه بعض المستقرئين التي تنفعل مع مقروئها وضحكات المتجمهرين حولهم فتغلبني الابتسامة ..
أنجزتْ العرافة قراءة أكفِّ طلابها ثم أخذت في سؤال الراغبين .. حتى وصلت إلى طاولتي وعرضت عليَّ أن تقرأ لي كفي فامتنعت وشكرتها ، وكان معها شاب عربي يلاحقها - يترجم لها وعنها - فألحّ هذا الأخير بأن أُقْرِئها كفي فاعتذرتُ منه ولم يزل في إصراره حتى أنه قال لي : تقرأ لك بدون مقابل (بالمجان) ، وأخبرته أن المسألة ليست مسألة مال لكني غير مقتنع بالفكرة عموماً ، إلا أن هذا لم ينهه عن إلحاحه في الأمر حتى تجمهر حولَ طاولتي عدد من رواد المقهى وأجبروني على الانصياع ، فأعطيتها كفي ليكفوا عني ..
الغريب في الأمر .. راحت المرأة تترقب خطوط باطن كفي وتحدق وتتحسس بأصبعها وتتأمل ، ثم أغمضت عينيها ورفعتْ رأسها إلى الأعلى ، ثم فتحتْ عينيها فجأة وألقت إليّ بنظرة ثاقبة حادة يكتنفها الرعب وأطالتْ النظرَ إلى وجهي قبلَ أن تستقيم واقفة وتجمع أطراف ملابسها وتنطلق هاربة من المكان دون أن تلفظَ بكلمة واحدة ، وذهب البعض على إثرها يسألها عن الخبر ويحاولون الاستفهام من الشاب الذي انطلق خلفها دون جدوى ، وعاد البقية إلى مقاعدهم في حالة من الاستغراب والتساؤل يرمونني بأنظارهم ، وتملكني لحظتها خوفٌ أكفرُ به .