اللص الصغير 4
عزيز باكوش
من غير أن يتناول فطور الصباح ,أو يغسل أطرافه ,التجأ محسن الى قسمه بالطابق الأول على عجل , يوما واحدا بعد اقترافه جنحة السرقة , كان يتسلق الأدراج المغبرة , وهو يجرجر محفظة تتهدل , هو كذلك ,و رغم انفه كل صباح . دونما ارتباك أو قلق. كانت ذاكرته تعتمل بأشياء غريبة, أحلام كبيرة يرسمها أمام عينيه , كأي مراهق ,ويسابق عقارب الزمن ليصل إليها.
" لن اعترف أبدا ...يكون لي بغا يكون ....سأقول "انه سرق مني.... لكن ...لست وحدي ...لست الوحيد من يسرق..في هذا العالم ....هناك لصوص كبار أيضا.."
لكن...هل يعترف كل أولئك مثلي...لن اعترف حتى ولو وجدوا الجهاز في جيبي...
شغب حقيقي , شطارة أضحت تؤثث حياة محسن ,و تطبع سلوكياته و مستقبله بكثير من الغموض والالتباس , كما بات كل ذلك , مصدر قلق لوالديه , و لأقرانه وأساتذته على حد سواء .
ومع أن محسن الذي سيكمل بحلول مارس القادم , تسع شتاءات , ليس من طينة أولئك الأطفال الذين يعانون من اكتئاب مزمن , أو قلق نفسي ,أو أزمة نفسية شديدة جداً، قال أستاذ ه , وهو يمسح لحيته بباطن كفه مستدركا"
وان كان ينتسب الى فئة لها مواصفات محددة..نزقية , وتستعصي عن الإمساك , فئة تشكِّل حالة مرضية حقيقية, بل وخطرة أحيانا , فئة تحتاج إلى تدخل وعلاج سريعين ... بكل أسف ,علاج من هذا النوع , لاتوفره المدرسة , ولا اقرب مستشفى إليها .
ومثلما كانت والدته تفعل , أو بالأحرى مثلما كان يعتقد أنها تفعل , احضر محسن ذيل حمار, من مطرح مجاور , ينش به جزارو الحي الذباب و الحشرات عن أرداف العجول والأبقار البائرة , المتدلية ,والمعروضة للبيع طوال الأسبوع, مطرح يرتاده غرباء , ويستغلونه مجازر يومية للذبح السري , ويغمرون أسواق المنطقة بلحوم شياه هرمة , يشحنونها في عربات مكشوفة , دون مواصفات صحية .
احكم إمساك الذيل, ثم شرع يفكك شعيراته النتنة , وبنفضة ونفضتين ,أزاح عنه فضلات عالقة, مشى قليلا, ثم التفت يمينا , ولما عاين أن الظرف أصبح ملائما, فرش الذيل بإهمال على عتبة باب القسم , وانقذف مسرعا الى مقعده .لا يلوي على شيء.
أن يخطو المدرس فوق ذيل الحمار, حوالي الساعة الثامنة صباحا من اليوم الموالي , معناه في مخيلة محسن , أن الأستاذ لن يحضر غدا, وهي مناسبة رائقة له كي يتفادى أسئلة المدير, واستفزازات بعض الأساتذة النكديين , حول ما اقترفه البارحة, أما لأمثاله من مشاغبي الأقسام المجاورة , الأمر فرصة حقيقية ,كي يصرفوا النظر الى جهة أخرى غير هذه الحفرة اللعينة.
قال بجرأة مخاطبا تلاميذ الفصل "
سأريحكم غدا من وجع القسم. ..لن يحضر "عبد الله" غدا. لن تتملوا بصلعته المشرقة ..إنه يوم عطلة.... .".
لثوان معدودة... اهتز الفصل وعلت الفضاء قهقهات وصيحات ...
أن ينقل محسن سلوكا ظلت تمارسه والدته زمنا طويلا, منذ أن ارتبطت بوالده عن طريق حكم قضائي.كان أمرا عاديا بالنسبة إليه.
لكن , من وجهة نظر تربوية , يرتبط سلوك الطفل في مراحله الأولى بمكان النشأة , حيث يطغى التقليد كسلوك نموذجي محمول , إن تقليد الوالدين في الحركات وردود الأفعال, وبعض الممارسات, يعتبر أمرا طبيعيا , إنها الخميرة البيتية الأولى , التي يتم تصريفها ببراءة وعلى مستوى عال من الكفاءة
لكن أن ينقل محسن التجربة ويخصبها في قاعة الدرس فتلك حكاية أخرى
عزيز باكوش .////////////////////////////////////////