((وحيدٌ مرَّةً أخرى))
رحلوا جميعاً
كلُّ ركبٍ في طريقْ
وبقيتُ وحديْ أصطلي برْدَ المقاعدِ
أجمَعُ الأفكارَ كَلاً
في أصابعَ من شرودْ
وحدي أوسِّدُ حيرتيْ فوقَ الأمانيْ
أسمعُ الصمتَ البطيءَ يتكُّ بينَ عقاربِ الذِّكرى
وبردُ التيهِ يعبثُ في نوافذنا الجريحةِ باكياً!
كلُّ الزوايا تنظرُ الوجهَ الغريقَ ببحرِ أسئلتيْ
وجُدرانُ الشتاتِ تحيلُ رنوتها
لأبوابِ الحنينْ
لكنَّهم رحلوا!
وغابوا
دونَ أن يتلفتوا للماوراءِ كآبتيْ
وسكونِِ طرفيْ
إنَّنيْ أصغيْ لوقعِ رحيلهمْ في القلبِ
كلَّ هنيهةٍ
وصدى تباعدهمْ يجرُّ أكفَّ روحيْ
في المدى الغافيْ على طرفِي البعيدْ
والقلبُ -كلَّ تنهُّدٍ- يدنو لسقفِ الموتِ مرتجفاً
ليعلوَ شطرَ أعتابِ القصيدْ
***
كانوا هنا...
في كلِّ زاويةٍ أراقوا صوتهم
وهتافهم
لتسيلَ حولَ أصابعِ الجُدرانِ
نيرانُ الصدى
في كلِّ زاويةٍ أراقوا ما أرادوا من عصارةِ سعيهمْ
وتبادلوا كأسَ الأمانيْ
والتَّصبُّرِ
هوَّنت أحلامهمْ من ذكرياتِ الخوفِ في ليلِ التنائيْ
واستردُّوا ما استطاعوا من زهورِ العمرِ في دربِ الصديدْ
أملاً
وأحلاماً
وحَبَّاً من وعودْ
والعاشقونَ هناكَ
فوقَ مقاعدٍ من سنديانِ تذكرٍ
أو جذعِ أحلامٍ طويلٍ
أو غيابْ...
والكُلُّ ينسجُ خيطَ آمالِ السنينِ
بقَزِّ هاتيكَ الأحاديثِ العتيقةِ
في حقولِ رجائهمْ
لكنها كانت هواءْ...
***
كانوا هُنا
كانوا
ووسطَهمُ انعزاليْ
كفَّنَ الأحلامَ في لحدِ اغترابي
بالبعادِ
وبرقعَ الكلماتِ حولَ ترنُّحيْ
في وحشةِ الصمتِ اللئيمْ
وشتاتُ آماليْ غدا حُمَّى تلُفُّ على ذهولِ ملامحيْ
بيني وبينَهُمُ خريفٌ من وجومْ
فأراهُمُ حولَ انكفائيْ أوجهاً
قد شابها كفُّ الضبابْ
وتموجُ بي أصواتهمْ
لأراهُمُ سفناً تحُطُّ على شواطئِ أدمعيْ
فتعومُ لمَّا أنثنيْ
وإذا نظرتُ إلى مراسيها يواريها الغيابْ
إني أراهمْ
والنوى حولَ انكفائيْ ماثلٌ
فأنا هنا
أرنو إلى أطيافهمْ
وقد اعتليتُ دروبَ تيهيْ
في ركابٍ من سكونْ
وأنا هناكَ
قد ارتحلتُ إلى شِعابِ قصيدتي
فرأيتُ أرجائيْ يبعثرها المدى
حتى أكونَ
ولا أكونْ
***
غابوا جميعاً
كلُّ ركبٍ في ظلامْ
وتضاءلت حولي
عيونُ الشمسِ في ظلِّيْ الكئيبْ
قد كنتُ وحديْ
قبلَ أن يأتوا
وظََْلتُ كما أنا
وحدي
ولما أن مَضَوا
-وبقيتُ وحديْ-
لم أكن أدريْ بأنَّ البعدَ خلَّفَ كنههمْ
وبأنهم-لمَّا مضوا- خلقوا الفراغَ محلِّقاً فوقَ الزوايا
والمقاعدُ كُدِّستْ في كلِّ ماأخذوا من الأحلامِ
والألوانِ
هل رحلوا؟
وهل كان الذي خلقوا يشابِهُ وجهَ ذاكرتيْ
لأبقى بينهم –وحدي- بُعيدَ رحيلهمْ؟
حتى إذا ماعُدْتُ بَعدَ فصولِ تيهيْ في دروبِ العمرِ
متَّكئاً على عكازِ أمسيْ
أرقبُ الأيامَ
أبسمُ للرياحِ وقد تناءتْ عن زوارقِيَ الطريحةِ
فوقَ أنهارِ النوى
وخريفُ قلبي
يبعثُ الأوراقَ
حولَ ملامحيْ
لابُدَّ أسنِدُ ظهرَ ذاكرتيْ لنافذةِ السنينْ
وأراهمُ...
سأراهُمُ!!
في كلِّ ماأخذوا لهمْ!!
وأرى الغريبَ محدِّقاً
نحو الزوايا
ثمَّ يطرقُ فوقَ مِقعدِهِ
ويبكيْ
بينَ جدرانِ الحنينْ...
عمر سليمان