معــرفة النفس
قال تعالى في محكم كتابه الكريم " أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإنّ كثيرا من الناس بلقاءِ ربهم لكافرون " سورة الروم / 8
وقال تعالى " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "
سورة الذاريات / 21
وقال النبي الأكرم عليه أفضل الصلاة وآله وصحبه وأتم التسليم : " من عرف نفسه فقد عرف ربه " .
ومن هنا يتبين اهمية دراسة ومعرفة النفس ,والتي هي تحديد القابليات والكفاءات الكامنة في وجودنا بغية استثمارها ,وهذه تكون في اول امرها مصحوبة بالصعاب , إلا ان ما يتمتع به الانسان من جرأة وارادة راسخة تعينه على تذليل هذه الصعاب , بل وتمكنه من صنع المستحيل .
وحينما ندخل في خضم الاضطرابات والقلق الذي يثيره اعصار النفس البشرية , تتجلى لنا اهمية التعرف على النفس . ولمعرفة النفس لابد من الجرأة على اتخاذ القرار وعقد العزم بارادة حديدية والغوص – بدراية ووعي – في اعماق وجودنا للتعرف على انفسنا .
أجل ليس هناك من هو أقرب إلى أنفسنا وأعلم بذواتنا منا وعليه يتعين عينا أن نبدأ بانفسنا في كل خطوة نخطوها , وعند وضع الدواء لكل داء .
دواؤك فيك وما تشــعر ............ وداؤك منك وتســتنكر
وتحسب أنك جرم صـغير ............ وفيك انطوى العالم الاكبر
وأنت الكـتاب المبين الذي ........... بأحرفه يظهر المضــمر
ولكن ما هو الداء ؟ وما هي طرق علاجه ؟ أو بعبارة أفضل : ما هي الامراض ؟ وما هي العلاجات .
إنَّ أول الامراض الذي يبدو صغيرا في البداية هو الجهل والشعور بالعجز والقلق وعدم الالتفات إلى الانحراف عن جادة الصواب في مسار الحياة , ويتعيَّن علينا في مجال معرفة النفس تحديد هذه الأمراض , والمبادرة إلى علاجها عن طريق التعلم والاعتماد على النفس ومعؤفة قابليتها المعنوية والمادية .
ولكن معرفة النفس صعب وسهل في آنٍ واحد .فهو يستدعي جهود كثيرة , وسهل لان الله سبحانه وتعالى قد جُبل الانسان على تقبل الحقائق والافكار . قال الدكتور جون لوك آفيبوري الكاتب الانكليزي الشهير : ( سُئل أحد العظماء عن أصعب الأمور وأيسرها , فقال في الجواب : ان أصعب الأمور هو أن يتعرف المرء على نفسه , وأيسرها اقتفاء عيوب غيره ) .
السفر إلى الذات :
قال العالم الفرنسي موشيه : على كل مَن يريد إحارز هوسته أن يتعرف نفسه بشكل وجداني , وأن يحدد مواطن الضعف والقوة فيها , وأن يسعى إلى ترميم مواطن الضعف والنقص في نفسه , ولا يتأتى ذلك إلا لذوي " الارواح الشجاعة " , إذ ينفردون في ساعات من التفكير والتأمل , وقد وصفهم ( فكتور هيجو " بقوله : يغوصون في ظلمات الذات بغية أكتشافها .
وما أكثر من انحرفوا عن المسار الصحيح بسبب عدم معرفتهم لانفسهم وتأثرهم بالايحاءات الخارجية فلا يبادرون الى العمل إلا بفعل الضغوط , حيث يرزحون تحت وطأة عذاب روحي سلبهم النشاط والحيوية اللازمة للعمل الخلاّق واحتواهم يأس لا سبيل لهم للتخلص منه .
إن الذي يرتقي المرتبة العالية في معرفة النفس سيحصل على النتائج التالية :
1- يربأ بنفسه عن مشاعر الاستعلاء والأنانية , ويتبادل المشاعر الانسانية مع الآخر .
2- يتعرف مواطن الضعف والقوة في نفسه ويرى لنفسه قيمة وجودية , ويكون خلقه التواضع .
3- ان معرفة النفس تؤدي إلى معرفة قدرها وحدودها (رحم الله أمرء ً عرف قدره ولم يتعدّ طوره ).
4- إن الذي يجهل قيمة نفسه يتجاهل قيمة من سواه .
5- إن أفضل المعرفة , معرفة الأنسان نفسه .
نخلص الى القول : إن " معرفة النفس " في غاية الصعوبة ,إلا إنها ليست مستحيلة ....
ميـــــــــــــنا