(1)
أَنَا رَجُلٌ تُعَانِدُهُ الظُّرُوْفُ وَحَوْلِي أَلْفُ مُعْضِلَةٍ تَطُوْفُ تُمَزِّقَنِي الخُطُوْبُ كَحَدِّ سَيْفٍ إِذا مَا أُغْمِدَ اسْتُلَّتْ سُيُوفُ كَأَنَّ فُصُوْلَ عِمْرِيَ بِاخْتِصَارٍ خَرِيْفٌ ثُمَّ يَتْبَعُهُ خَرِيْفُ أَوَارِي الحُزْنَ فِي الأَعْمَاقِ لَكِنْ عَلَى الأَوْرَاقِ تَفْضَحُهُ الحُرُوفُ فَيَا عَجَبَاً لِجُرْحٍ فِي فُؤَادِي أُضِمِّدُه لِيَشْتَدَّ النَّزِيْفُ عَلَى الأَطْلَالِ أوقفت المطايا فَأَتْعَبَنِي عَلَى طَلَلِي الوُقُوْفُ
(2)
أَنَا رَجُلٌ هُلاَمِيٌّ ضَبَابِي يُشَكِّلُنِي العَذَابُ مِنَ العَذَابِ كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ بَشَرَاً كَغَيْرِي وَلَمْ أَكُ قَدْ خُلِقْتُ مِنَ التُّرَابِ إِلَى حَتْفِي أَسِيْرُ أَسِيْرَ هَمٍّ وَأَحْلاَمِي تُبَدَّدُ كَالسَّرَابِ فَعُذْرَاً يَا حُرُوفَ الشِّعْرِ عُذْرَاً فَقَدْ كَبُرَ السُّؤَالُ عَلَى جَوَابِي رَسَمْتُ الحُبَّ أَغْنِيَةً لِأُخْفِي عَنِ الأَنْظَارِ آثَارَ المُصَابِ فَخَانَ اللحْنُ مَا سَطََّرْتُ مِنْهَا وَمَوْسَقَهَا لِمَنْ أَهْوَى اغْتِرَابِي
(3)
أَنَا رَجُلٌ غَرِيْبَاتٌ صِفَاتِي نَذَرْتُ لِسَاعَةِ اللقْيَا حَيَاتِي فَمَالي كُلَّمَا جَمَّعْتُ حَظِّي تَبَعْثَرَ مِثْلَ رَمْلٍ فِي الفَلاةِ أَرَانِي كُلَّمَا أَزْمَعْتُ أَمْرَاً بِحُبِّي لَمْ يَذُقْ طَعْمَ الحَيَاةِ وَقَدْ طَالَ انْتِظَارِي دُوْنَ جَدْوَى كَمَن يرْجُو المِيَاهَ مِنَ الصَّفَاةِ أَجِيبُونِي أَيَا عُشَّاقُ قُولُوا أَيَحْتَاجُ الهَوْى لِلِمُعْجِزَاتِ وَكَمْ حَاوَلْتُ مِنْ سِجْنِي فِرَارَاً فَكَيْفَ أَفِرُّ والسَّجَّانُ ذَاتِي؟
(4)
تُعَاتِبُني؟ وَلَمْ تَرْفِقْ بِحَالِي ألَا يَا صَاحِ كُفَّ عَنِ السُّؤَالِ فَإنّيَ (مِغْنَطِيْسُ) الحُزْنِ. طَافَتْ سَكَاكِيْنُ المَوَاجِعِ فِي مَجَالِي تَمِيْدُ بِيَ الحَيَاةُ وَلَسْتُ أَدْرِي أَكُنْتُ حَقِيْقَةً أمْ مِنْ خَيَالِ يَضيْقُ الشِّعْرُ بِي ذَرْعَاً وَنَفْسِي تَتُوْقُ إلِى لَيَالِيْهَا الخَوَالِي رِحِيْلِي دَائِمٌ بَيْنَ المَنَايا وَمَا أَدْرِي إِلى مَاذَا مَآلِي فَهَمِّي سَاهِرٌ بِجَنَانِ خُلْدِي وَفِيهِ الحُزْنُ يَرْبِضُ كَالجِبَالِ
(5)
أَنَا رَجُلٌ نُفِيتُ بِلَا جَرِيْمَةْ سِوَى أَنِّي انْتَصَرْتُ عَلَى الهَزِيْمَة وَحَارَبْتُ النِّفَاقَ بِكُلِّ صِدْقٍ وَقَوَّمْتُ اعْوِجَاجَ المُسْتَقِيْمَة وَلَمْ أَرْضَ الخِيَانَةَ فِي بِلاَدِي وَخَالَفْتُ القَرَارَاتِ العَقِيْمَة فَمَا ذَنْبِي .. وَكِيْفَ الآنَ أَنْفَى أَمَا فِي أَرْضِنا للنُصْحِ قِيمَة؟ أَكَانَ جَزَاءُ مَنْ نَصَحُوا المَنَافِي لِيَأْخُذُ خَائِنُ الوَطَنِ الغَنِيْمَة؟ أَنَا رَجُلٌ مَنَحْتُ التُّرْبَ قَلْبِي وَأَفْنِى سَارِقو وَطَني نَعِيْمَه
(6)
بِلَادُ العُرْبِ وَاقِعُهَا مُثِيْرُ وَفِيْهَا النَّاسُ: مَيْتٌ أَوْ أَسِيْرُ وَكُلٌّ حَامِلٌ فِي القَلْبِ هَمَّاً وَمِنْ نَارِ التَّفَرُّقِ يَسْتَجِيرُ إذا نَطَقَ المُثَقَّفُ فِي بِلاَدي بِصْدْقٍ قِيْلَ ذَا قَوْلٌ خَطِيْرُ وِإنْ صَمَتَ الكَلاَمُ فَإنَّ آهٍ مِنَ الأَقْصى العَزَائِمَ تَستَثِيرُ وَمِنْ بَغْدَادَ إنْ ذَرَفَتْ عُيُونٌ فَهَذا دَمْعُ أَمَّتِنَا الغَزِيْرُ فَصَبْرَاً يَا بِلاَدَ العُرْبِ صَبْرَاً لِكُلِّ تَثَاقُلٍ _ حَتْمَاً _ نَفِيْرُ
(7)
أَنَا رَجَلٌ أُقَاتِلُ بِالحِجَارَة لِأُبْعِدَ عَنْ عُرُوبَتِيَ القَذَارَةْ فَقَدْ سَلَبَ اليَهُودُ عَفَافَ عِرْضِي وَقَدْ نَزَعُوا عَنِ الأَقْصَى وَقَارَه وَكْم مِن مَنْزِلٍ لِي هدَّمُوهُ وكَمْ شُنَّتْ عَلَى الأَطْفَالِ غَارَةْ فَبِاسْمِ الأَمْنِ أُرْعِبَ كُلُّ أُمَنٍ وَبِاسْمِ الطُّهْرِ دُنِّسَتِ الطَّهَارَة وَمَاذَا بَعْدُ أَنْ بِيْعَت دِمَائي بِرَبِّكُمُ أَفِي دَمِنَا التِّجَارَة؟ فَلاَ واللهِ مَا فِي ذَاكَ رِبْحٌ وبَيْعُكُمُ نَتِيْجَتُهُ الخَسَارَة
(8)
أَنَا رَجُلٌ أُصفّق لِلْخَلِيْفَة وَأَمْنَحُهُ مِنَ القُبَلِ الظَرِيْفَةْ نَسِيْتُ بَأنَّ فِي بَلَدِي جِيَاعَا وَحَتَّى الجُوْعَ مَا تَرَكُوا رَغيفَه فَكَافَأَنِي الخَلِيْفَةُ لانْصِيَاعِي فَقُلْتُ: تَعِيْشُ دَوْلَتُنَا الشَّرِيْفَة وَيَحْيَا الشَّعْبُ مَا دَامَتْ جَيُوبِي كَكُلُّ جُيُوبِ إخْوَانِي نَظِيفَة ويَحَيا اللصُّ مَا دَامَتْ عُيُونِي كَعَيْنِ الخُلْدِ نَائِمَةٌ كَفِيْفَة فَصَفِّقْ أَيْهَا الأَعْمَى كَثِيْرَاً فَآرَائِي إصَابَتُهَا طَفِيْفَة
(9)
أَنَا رَجُلٌ بُمْخْتَصَرِ العِبَارَة بَيَومٍ زِرْتُ مَبْنَىً لِلْوِزَارَة فَقِيلَ أَتِيْتَ يَا هَذَا لِماذا فَقُلْتُ ظُلِمْتُ مِن تِلْكَ الإدَارَة فَقِيْل اذْهَبْ إلِى المَسْؤولِ عَنَّا فَسَوْفَ يَكُوْنُ رهناً للإشارة فَلَمَّا جِئْتُهُ أُشْكُوهُ ظُلْمِي وَمَا فَعَلَ المُدِيْر بِمَنْ أَدَارَه فَزَمْزَمَ قَائِلاً .. هَذَا هُرَاءٌ وَتَحْتَاج القَضيَةُ لاسْتِشَارَة وِبَعْدَ تَشَاوُرٍ أَفْتَوا بِحَبْسِي لِأَنَّي زِرْتُ أَمْكِنَة الدَّعَارَة
(10)
أَنَا رَجُلٌ حِكَايَتُهُ حِكَايَة بِدَايَتُهَا تُنَاقِضُهَا النِهَايَة أُفَكِّرُ دَائِمَاً بِهُمُومِ قَوْمِي لِتُصْبِحَ لِي عَلَى البَلَدِ الوِلاَيَة وَأُصْبِحُ قَائِدَاً فَذَّاً ذَكِيَّاً وَأحْتَرِفُ السِّبَاحَةَ والرِّمَايَة وَأَجْعُلُ مِنْ رُكُوبِ الخَيْلِ نَهْجَاً وَمِنْ قَتْلِي لِأَعْدَائِي هُوَايَة فَمَا أَنْ أَسْلَمُوا لِي كُلَّ أَمْرٍ شُغِلْتُ بَأَمْرِ تَنْظِيمِ الجِبَايَة فَرُحْتُ أَعِيْثُ فِي بَلَدِي فَسَادَاً أُُبَرِّرُ لِلْوَسِيلة كُلُّ غَايَّة
(11)
أَنَا رَجُلٌ هَتَفْتُ بِـ:يَا بِلاَدي فَعَادَ الصُّوتُ: مَنْ هذَا المُنَادِ فَقُلْتُ أَنَا المُكَبَّلُ فُكَّ قَيْدِي أَتَيْتُكِ مُشْرِعَاً سَيْفَ الجِهَادِ فَقَالَتْ: أَيُّهَا الشَّعْبُ اسْتِريِحُوا فَقَدْ بُتِرَتْ مَعَ القَيْدِ الأَيَادِي فَمَا نَفْعُ المَقَالَةِ دُوْنَ فِعْلٍ وَمَا نَفْعُ الجُمُوْعِ بِلاَ عَتَادِ فَثُوروا يَا أَحِبَّائي جَمِيْعَاً لَقَدْ طَالَ البَقَاءُ عَلَى الحِيَادِ وَإِنْ لَمْ تَفْعُلوا هَذَا فَصَبْرَاً وَخُوضوا حَرْبَكَمْ مِن غَيْرِ زَادِ
أحمد العراكزة/الأردن