|
عنِ الدنيا إذا حلَّ الدمارُ |
رحيلُ منِ استطالَ بهِ العمارُ |
عنِ الأنجادِ سرجُ العزِّ أنحى |
إلى صلبٍ يسيرُ به الحمارُ |
تراها رُوِّضتْ للمالٍ تُجبى |
كأنَّ المشترينَ لها عِذارُ |
وأسيافُ الكرامةِ دونَ ذودٍ |
تغلغلَ في صفائحها الغبارُ |
تكحُّ الدّاءَ في الأغمادِ قيحاً |
يُوارى خلفَ منْ بالذُّلِ ساروا |
وما الأرماحُ في كفنِ الليالي |
سوى ثكلى يواسيها الخُوارُ |
أراضٍ لوْ تخلّفها أُناسٌ |
بلا فضلٍ ولا خلقٍ قفارُ |
ودارٍ هامَ في الآفاقِ طولاً |
عمادُ الساكنينِ بهِ قصارُ |
فليسَ السترُ في سكنى ديارٍ |
وغيبةُ أهلِها لهمُ إزارُ |
ألا إنَّ التّستّرَ خُلْقُ قومٍ |
كذاكَ الدرُّ يحويهِ المحارُ |
خبرتُ الدهرَ بالحدثانِ يكسوْ |
غرابَ الرأسِ ما فيهِ الوقارُ |
ترى في مفرقيهِ الشيبَ نوراً |
يُنبِّئُ عنْ فؤادٍ فيه نارُ |
فما الأيامُ تصفو كلِّ حينٍ |
ولا للمرء منْ غدهِ قرارُ |
إذا أمّلتَ في المجهولِ درباً |
يخبّركَ استقامتهُ النهارُ |
فلا تعجلْ على المكتوبِ لهثاً |
وخيّرْ من بهِ حسُنَ الخيارُ |
وجاهِدْ نفسَكَ الخذلى وشذِّبْ |
فروعَ النبتِ تُجنَ لكَ الثمارُ |
وغضِّ الطرفَ عنْ عيبٍ تراهُ |
إذا أمسى على فمكَ احتقارُ |
فعيبُكُ من عيوبِ الناسِ أولى |
بستركَ والتقى فينا ستارُ |
وقدّرْ نعمةً كم من نعيمٍ |
تولّى مذ تناولهُ اليسارُ |
ألم تر أنَّ جفّنَك ثوبُ ليلٍ |
إذا أغمضتَ والدنيا نهارُ |
وفاكَ كموردٍ للنّاسِ فيهِ |
مساغٌ لوْ أردتَ أو اعتكارُ |
وقلبَكَ إنْ غضبتْ بلا اصطبارٍ |
كقشِّ حينَ يقدحهُ الشرارُ |
فمالكَ لا تبالي يا بن حوّا |
كأنَّكَ بين أفلاكٍ منارُ |
كأنَّ المرءَ ليس بمستردٍّ |
وما هي غيرُ آجالٍ تُدارُ |
وما الدنيا سوى ماءٍ وطينٍ |
وليس لعابدِ الدنيا فخارُ |
ولولا نعمةُ الخلّاقِ منّاً |
برحمتهِ لطابَ لنا انتحارُ |